بيوت العوز كان كتب سبع روايات حين جعلته الأكاديمية السويدية الملكية ثالث أصغر الفائزين بنوبل الأدب في 2006 بعد الإنكليزي رديارد كيبلنغ (41 سنة) والفرنسي ألبير كامو (44 سنة). أكّدت روايته التاسعة الصادرة بالإنكليزية أخيراً عن دار فابر، بريطانيا، اعتقاد بعضهم أن أدبه بعد نوبل أفضل منه قبلها في مقابل إشارة آخرين الى تقليديّتها. قال أورهان باموك (63 سنة) إنه شاء الكتابة عن الفقراء بلا بكاء في «غرابة في عقلي» فركّز على إنسانية الشخصيات ولا سيما منها النساء. رأى أصدقاؤه عقله غريباً منذ الطفولة، فمنح هذه الغرابة لبطله مِولوت الذي عاش حياته قانعاً، ضيّقاً، وسط اتسّاع حياة الآخرين وتوسّعها. استعار الكاتب التركي العنوان من «المدخل» للشاعر الإنكليزي الرومنطيقي وليم وردزوِرث الذي شدّد على ما دعاه «بقع الزمن» أو اللحظات التي نستعيدها خلال حياتنا «لتغذّينا وتصلحنا خفية». تبدأ الرواية بمغادرة مولوت ووالده قريتهما الفقيرة في أناتوليا الى اسطنبول، حاملين إبريقاً، مصباحاً مكسوراً وبضع سجادات من القش. تأتي اللحظة الوردزوِرثية في عرس كوركوت، قريب مِولوت، حيث تفتنه شقيقة العروس، صاحبة العينين الكسولتين. يكتب لها رسائل حب مسليّة فلا تجيب، لكن سليمان، شقيق العريس، يؤكّد له اهتمامها به. بعد ثلاثة أعوام يتفقان على الهرب والزواج، ويكتشف مولوت أنه لم يكن يراسل سميحة الجميلة، بل شقيقتها رايحة العادية الشكل. كذب سليمان عليه لأنه أحبّ سميحة، ومنعه حرجه من الاعتراف بخطأه حتى لنفسه فتزوج رايحة. تلي البداية الخادعة حب سعيد للاثنين اللذين يعيشان في منطقة قاحلة من المدينة. يطوف مولوت الشوارع ليبيع اللبن والبوظا، الشراب القديم المصنوع من القمح المخمّر والقليل من الكحول الذي راج في حقبة الأمبراطورية، وسمح للمؤمنين بالتظاهر انهم لا يشربون. يُرزق أولاداً وأحزاناً، ويتقدّم في عمله ليبيع الرز والدجاج على عربة، ثم يصبح مأموراً لشركة كهرباء خاصة. على أنه لا يقطع علاقته بالبوظا، شراب الحنين الى الماضي ورمز التقاليد العثمانية البائدة، ويبيعها ليلاً. يحبّ التجوال في الظلام الذي يجعله يحس كأنه يسير داخل رأسه. يبدو النور والعتمة في رأسه مثل المشهد الليلي للمدينة. ربما كان ذلك ما يدفعه الى الخروج مساء لينادي: «بوووظظظا» بصوت متأثر في الأعوام الأربعين الماضية على رغم أنه يكسب القليل منها. ولهذا أيضاً يحس أنه يتكلم مع نفسه كلما خاطب الجدران، لوحات الإعلان، الظلال والأشكال الغريبة والغامضة. تدور «غرابة في رأسي» بين 1969 و2012 وتسجّل أحداثاً خاصة، محلية وعالمية. القبلة الأولى، تنمية شاربين، الفيلم الجنسي الأول، وغزو قبرص، تشكيل حزب العمال الكردستاني، انقلاب 1980، هزّة 1999، هرس المتظاهرين بالدبابات في ساحة تياننمين واختراق برجي التجارة العالمي بطائرتين في 11 أيلول. يردّد أقرباء مولوت تعاليم الدين، ورفيقه المفضل من أيام الدراسة الفاشلة قريب من الشيوعيين والأكراد. يجد حسنات لكل الأطراف السياسية، ويتشكّل منها. وفي حين يثرى أقرباؤه الجشعون وزملاؤه الفاسدون، يبقى في الخامسة والخمسين بريئاً، نزيهاً وفقيراً. قال جيمس جويس إنّ إعادة بناء دبلن اذا دُمرّت يوماً، يمكن ان تتم من خلال روايته «يوليسيس». باموك كتب سيرة إسطنبول، ولئن أرّخ أولاً حياة بورجوازيتها المتغرّبة انتقل في «غرابة في رأسي» الى فقرائها الراسخين، الصامدين في بيوت عوزهم التي لا تحلم. حين نال نوبل في الرابعة والخمسين، قالت الأكاديمية السويدية الملكية في تنويهها إنه اكتشف رموزاً جديدة لصراع الحضارات وتقاطعها خلال بحثه عن روح مدينته الشجيّة. يتابع بحثه في روايته الأخيرة، ويسجّل تراجع الماضي وتحوّل المدينة بأيدي الجشعين القدامى والجدد وأبرياء أناتوليا وغيرها. صوت من أفريقيا يتفاوت تجاوب النقاد مع «صيّادو السمك» التي نجحت في الوصول الى اللائحة القصيرة لمان بوكر، لكن تشيغوزي أوبيوما لا يزال في التاسعة والعشرين، وقد يحقّق أكثر من الوعد في أعماله المقبلة. ينضمّ الكاتب النيجيري الى نحو دزينة كُتّاب أفارقة ظهرت في العقد الأخير منها تشيمانندا نغوزي أديتشي، نوفايوليت بولاوايو، تيجو كول، دينو منغستو وآلان مابنكو الذي رُشّح لجائزة مان بوكر الدولية هذه السنة. لا يقتصر الاعتراف على الحفاوة النقدية، بل يبلغ الامتحان التجاري. الخريف الماضي باع الكاتب الكاميروني إمبولو مبو (33 سنة) حقوق نشر باكورته «حنين جندي جونغا» بمليون دولار في معرض فرانكفورت. تدور «صيّادو السمك» في تسعينات القرن الماضي في عهد الجنرال ساني أباتشا، وتمزج مثل معظم الروايات الأفريقية الرواية الإنكليزية التقليدية بالحكايات الشفوية المحلية. تتابع أسرة أغوو التي يؤمن الأب فيها بأن العلم والطموح المهني هما العلاجان الوحيدان للفساد المنتشر في البلاد. يعمل في المصرف المركزي، ويريد أن يحلّق أبناؤه الأربعة في الطب، المحاماة، الطيران والتعليم الجامعي. تراوح أعمارهم بين التاسعة والخامسة عشرة، ويلتقون المليونير المحبوب أبيولا الذي يُعتقد أنه فاز في الانتخابات الرئاسية، في 1993 لكنه اعتقل وتوفي في السجن. كان شعار حملته «الأمل 93» وأعطى الأشقاء روزنامة حين زار بلدتهم أكوري، فحلموا بالسفر الى أبوجا بعد فوزه بالرئاسة ومقابلته بعد إبراز الروزنامة دليلاً على معرفتهم به. ينقل الأب الى بلدة يولا الشمالية البعيدة، فيزوغ إيكينا وبوجا وأوبمبي وبنجامين. حين تقصد والدتهم السوق لتبيع فيه، يذهبون الى نهر أومي- ألا الذي قدّسه السكان مثل كثير من أنهر أفريقيا قبل الاستعمار الأوروبي وتبشيره بالمسيحية. بات أشبه بالمجارير، وانتشرت جثث الحيوانات على ضفتيه، ووجدت فيه جثة امرأة مقطعة الأطراف أخيراً. يمضون ستة أسابيع وهم يصطادون على النهر، ويلتقون أبولو، مجنون القرية ورائيها الذي خافه السكان واحترموه في آن. تراكمت فيه القذارات المزمنة، وفاحت منه روائح التعرّق، القيح، الجروح غير الملتئمة وسوائل الجسم وفضلاته. كان كشف علاقات حب، وتنبأ صادقاً بوفيات وهجمات، وتغيّرت حياة أسرة أغوو حين التقى أبناؤها اللاهون به. ينادي أبولو إيكينا باسمه من دون معرفة سابقة، ويخبره أنه سيموت على يد أحد الصيّادين. يتحول إيكينا من فتى حنون متواضع الى آخر ناءٍ، غضوب، حقود يرفض تناول الطعام والحديث مع أسرته. يفهم من نبوءة أبولو أن أحد أشقائه سيقتله، فيقولون إنهم ليسوا حتى صيادين، ثم يتبدّلون هم أيضاً. يشعرون بالذنب سلفاً، ويتساءلون من منهم سيقتله. تصاب الأم بانهيار عصبي، ويهزل الأب لعجزه عن حماية ابنه، ويبدو أول ضحايا حلمه الطموح الذي يبدو الآن مدعياً ومتحدّياً للآلهة. قفزة الكاتب رحلة مختلفة للكاتب البوسني - الأميركي ألكسندر هيمون في روايته الأخيرة «شنّ حروب الأموات الأحياء» الصادرة في بريطانيا عن دار بيكادور. كان في الثامنة والعشرين حين هاجر الى الولاياتالمتحدة في 1992، واجتهد في تعلّم الإنكليزية هناك. بطله جوشوا ليفن في الثالثة والثلاثين، ذو عينين كبيرتين، غائرتين، و «أرخبيل من الحبوب الحمراء الممتدة تحت شبه جزيرة من الشعر المبهّر بالقشرة». يعيش في شيكاغو، ويفرط في احتساء القهوة، ويعلّم الإنكليزية ليكسب عيشه. يتعلم كتابة السيناريو في دورة طلابها مهاجرون من أوروبا الشرقية، ويتعرّف الى آنا، المهاجرة البوسنية المتزوجة، وينام معها من دون أن يقطع علاقته بصديقته الجميلة كيميكو. يكتب سيناريو بطله الميجور كلوبستوك الذي يناضل لإنقاذ العالم من ميت - حيّ خطر، ويقتبس فلسفة بطله سبينوزا «تعريف الرجل، وأول يهودي علماني في التاريخ». تشكّل بداية حرب العراق في 2003 خلفية للأحداث، ويقتبس هيمون بعض عبارات جورج بوش الخالدة. يعارض النقد الجاد للحرب جو الرواية الهزلي، العبثي، وكما يبدو الرئيس الأميركي بطلاً مضحكاً في دفاعه عن الديمقراطية والحرية، يفشل جوشوا في إقناع القارئ بقدرته على جذب امرأتين رائعتي الجمال. يحب هيمون صياغة عبارات لافتة منها: «إذا لم يكن الخالق موجوداً، من صنع إذاً أول كعكة بالراند؟». و «وجهه مضغوط على النافذة وسط مزدوجي يديه». و «تيجان الشجر الخالي من الورق ازدحم في نور الصباح الباكر».