في الخفاء تجمع أنيتا ديساي في كتابها الأخير «فنان الاختفاء» ثلاث روايات صغيرة عن فن سري، خبيء لا يجد الاعتراف وإن تجرأ وبحث عنه. في «متحف الرحلات الأخيرة» يروي موظف إداري في وسط العمر قصة أسرة هجس أصغر أبنائها بالترحال وشراء القطع الفنية. بعد وفاة أفرادها يقصد خادمها العجوز الموظف ويطلب أن تعتني الحكومة بالمتحف الذي تركته. يذهب الموظف الى البيت الريفي ويصعق بكنوزه. يدخل غرفاً ملأى بالسجاد الفاخر والنبيذ المعتّق والفساتين الحرير والمراوح والمخطوطات والمنمنمات وفيل حي يلتهم ما تبقى من ثروة الأسرة! يحتار الرجل ويكتئب، ويشعر بالراحة حين ينقل الى مكان آخر. بريما، بطلة الرواية الصغيرة الثانية «المترجِمة مترجَمة» معلمة أدب إنكليزي في جامعة فقيرة تستكشف ثقافة والدتها التي تنتمي الى طبقة وضيعة، وتعجب بسوفارنا ديفي التي تكتب بلغتها. تلتقي صدفة تارا، زميلة الدراسة التي أصبحت ناشرة ناجحة، وتخبرها عن قصص ديفي المكتوبة بإحدى لغات الهند الثانوية. تكلفها تارا ترجمتها الى الإنكليزية، وتشعر بريما بالفخر عند نشر الترجمة، لكنها تخيب حين تنتقل ديفي الى الرواية. تترجمها بتصرف لكي تعوض عن افتقارها الى النضارة والحيوية فيفشل الكتاب وتعترض أسرة الكاتبة. تطردها الناشرة فتعود الى التعليم وهي تعرف أن طلابها يجدونها مضجرة. تتابع ديفي الكتابة في قريتها النائية، وإذ تحاول بريما دخول العالم الذي تحبه تجد أنها تكتب بصوت ليس لها. صوت ديفي. الرواية الثالثة «فنان الاختفاء» عن رافي الخجول الذي أهمله أهله، وفشل في المدرسة والجامعة. بعد وفاة والديه الثريين لم يفكر بالعمل بل عاد الى منزل طفولته وطاف الغابات والتلال التي منحته العزاء منذ الطفولة. يجد سعادته في صنع أشكال معقدة من النبات والحجارة، لكن المدنية تقتحم عالمه حين يعثر طاقم تلفزيوني على أعماله الفنية خلف صخرة. يبحث المخرج عن رافي لكن هذا يشعر بأنه انتهك ويهرب الى عمق الجبل تمسكاً بعزلته. ولدت أنيتا ديساي ( 74 سنة) لأم ألمانية وأب بنغالي، وتكلمت الألمانية في البيت والبنغالية والهندية والأردو والإنكليزية خارجه. كتبت بالإنكليزية منذ طفولتها، ونشرت قصتها الأولى في التاسعة. رشحت ثلاث مرات لبوكر كان أولها في 1980 عن «ضوء النهار الرائق». في 1984 رشحت عن « محتجز» التي تناولت شاعراً غرب مجده، وفي 1999 عن «صوم، احتفال». ابنتها كيران فازت ببوكر والجائزة الوطنية لحلقة النقاد عن «إرث الخسارة» في 2006، وهي شريكة الكاتب التركي الفائز بنوبل أورهان باموك. هجاء الثقافة الأميركية كتب تشاك بولانك روايته الثانية عشرة حين كان يعتني بوالدته المحتضرة بالسرطان. جعلتها الأدوية طفلة، قال، ولعب دور الأب. «احتجت ربما الى التعبير عن حزني لخسارة كلا الوالدين، وعرفت أن ذلك سينتج كتاباً مسليّاً ومضحكاً. قلبت الوضع ووضعت هذه الطفلة الميتة، الشجاعة التي تحزن على والديها وهما حيّان في الجحيم». كانت الرواية طريقته في التعاطي مع وفاة الأم بعد مقتل الأب وصديقته على يد زوجها السابق قبل نحو عقد. تحتقر بطلة «ملعونة» والديها، ولا يزال الكاتب يشعر بأن والديه أهملاه، وهو في التاسعة والأربعين. تدور الأحداث في الجحيم حيث يعرض باستمرار «المريض الإنكليزي» الذي لا يفهم كيف يستطيع أحد أن يحبه. ختم الرواية بعبارة «لها تتمة» لرغبته في تقليد «الكوميديا الإلهية» والانتقال من الجحيم الى المطهر ثم البحث عن خلاص ما للبطلة. ماديسون طفلة مفرطة البدانة في الثالثة عشرة يهملها والداها، نجما هوليوود، ليطوفا العالم بحثاً عن أطفال فقراء يتبنياهم. لا تجد الصداقة في المدرسة أو الحب في الأسرة، وتجهل سبب انتقالها فجأة الى الجحيم. ربما كانت جرعة زائدة من الماريوانا أو البدانة أو قلة احترام الذات، لكن لا مانع من الموت إذا عنى مشاهدة التلفزيون واستخدام الإنترنت، وكلاهما «تمرينان ممتازان للأموات». تناور بين بحيرات القيء والمني وقصاصات الأظافر وسائل المرارة، لكنها لا تقنط. الموت ليس أكثر من تفسيرنا له، تقول، وعليها أن تتدبر أمرها، وتتحرى إذا كانت وفاتها خطأ وما إذا كان عليها أن تعترض وتطلب نقلها الى الجنة. تجد الأصدقاء الذين عصوها في حياتها تتغلب على هامشيتها. آرتشر «بانك» يرتدي الجلد طوال الوقت، وتنتعل بابيت حذاء شاهقاً يبعد ساقيها من الصراصير الزاحفة بهمّة وجذل. تثمر طريقتها في التأقلم مع الموت شخصية جديدة إذ تتعلم الغزل وتمارس وظيفة في مركز للاتصالات مهمته إزعاج الأحياء والاتصال الصامت بهم على الهاتف. يكتب بولانك بمرح عن اضطرابات المراهقة ومتاعبها، ويهجو الحياة الأميركية ساخراً من فكرة تفوّق الحياة على الموت. لكن «ملعونة» استنفدته. احتاج الى عامين ونصف العام ليكتبها في حين أنهى «نادي العراك»، أفضل أعماله، في ستة أسابيع. شعراء الغد يقنط الأهل والمعلمون من إدمان التلامذة على الرسائل الهاتفية، لكن شاعرة البلاط البريطاني تراها نقطة انطلاق الى الشعر. «القصيدة هي النص الأصلي» تقول كارول آن دافي، أول امرأة عيّنت في المنصب في 2009. «إنها البحث عن اكتمال المشاعر في اللغة، طريقة لقول الأكثر في كلمات أقل كالرسائل النصية تماماً. علينا أن ندرك أن جيل الفايسبوك هو المستقبل، وأن الشعر هو الشكل الأمثل له. يشبه ذلك الكبسولة الزمنية التي تسمح للمشاعر والأفكار بالانتقال مسافات كبيرة في شكل مركّز للغاية». ترفض دافي القول إن المدرّسين يعتبرون تعليم الشعر صعباً، وترى الشعر الشكل الأدبي الأول في القرن الواحد والعشرين. «إنه قادر على الربط العميق للشباب باللغة بما هي لعب». تسوق مثلاً من موسيقى الراب، وتجد أغاني فرقة «آركتك مانكيز» شاعرية. منذ يومين أطلقت مسابقة «أنثولوجايز» التي دعت طلاب الصفوف الثانوية الى اختيار القصائد التي يدرسونها بأنفسهم. هدفها تشجيعهم على القراءة، وخلق صلة حميمة بالشعر ومنحهم سلطة تعزّز طريقة تعليم الشعر في المدارس. تعلن المختارات الفائزة في مطلع حزيران (يونيو) وتضم اللجنة الحكم «الشاعرتين القوميتين» في ويلز واسكوتلندا. تُدرَّس قصائد دافي في منهجي الشهادتين المتوسطة والثانوية، وفي 2008 ألغيت قصيدتها «تعليم للترفيه» بعد الشكوى من إشارتها الى الجرائم المرتكبة طعناً بالسكين ورمي سمكة ذهبية في كرسي الحمام. أصرّت على كون القصيدة مناهضة للعنف مع أنها تبدأ بالتفكير بالقتل: «اليوم سأقتل شيئاً ما، أي شيء/اكتفيت من تجاهلي...». يوم في السنة عادت رواية «ذات يوم» لديفيد نيكلز الى لائحة الأكثر مبيعاً بعد عرض الفيلم الذي اقتبسه الكاتب نفسه عنها. مذ صدرت عن دار هودر وستوتن، بريطانيا، في 2009 بقيت عاماً ونصف العام في القائمة، وباعت أكثر من مليون نسخة. قال نيكلز إنه استوحاها من أدب توماس هاردي، لكنها تمزج المرح والقتام في تناولها النمو والحب والنجاح والخيبة وانحراف الحياة عن الأحلام الباكرة. في منتصف تموز (يوليو) أواخر الثمانينات يتخرّج دكستر وإيما الإنكليزيان في جامعة إدنبرة الاسكوتلندية. يمضيان الليلة معاً ويتفقان على اللقاء في التاريخ نفسه كل سنة. تسير حياتهما في خطين متعاكسين. يعمل في الإعلام ويتحوّل نجماً تلفزيونياً في حين تجد نفسها نادلة في مطعم للوجبات السريعة. تخيب عندما ينتقل من فتاة الى أخرى، ويصعب عليها الحفاظ على صداقتهما. يعيش حياة ملذات ويغرف من النساء والكحول والمخدرات، ويهبط بالسرعة التي صعد فيها. تسلك إيما خلافه وتنتقل الى التعليم ثم تكتب رواية عن المراهقات تدخل قائمة الأكثر مبيعاً. تنفصل عن صديقها الكوميدي إيان، ويطلّق زوجته سيلفي بعدما خانته مع صديق وزميل دراسة. تصارحه في لقاء سنوي بأنها تحبه لكنها لا تعجب به. اعتمد دكستر دائماً على دعم إيما الجاهز، وتوقع حضورها فوراً إذا احتاجها كما لو كانت خدمة الطوارئ. بعد عقدين يزورها في باريس حيث تكتب روايتها الثانية، ويناقشان صداقتهما وإمكان تحولها حباً. ترن الصفارات. لكن هل تهرب منه هذه المرة أو تسرع إليه كالعادة مثل سيارة الإسعاف؟