بكل ثقة يعرض أحد طلاب مدرسة ثانوية في النبطية (جنوب لبنان) إنجازه النوعي أمام لجنة الحكم. يمسك ب «ريموت كونترول»، وببعض الكبسات يحرّك الرجل الآلي (روبوت) أمام اللجنة. لكن فجأة يتوقف الروبوت عن السير. يرتبك التلميذ قليلاً... ولا يتأخر عن استعادة زمام المبادرة. بدقائق قليلة يقوم بإصلاح «رجله الآلي». يصفق كل أعضاء لجنة الحكم، يتغاضون عن الخطأ التقني... وجائزة «الإبداع العلمي» تذهب لمخترع الرجل الآلي. هذا كان قبل سبع سنوات. التلميذ كان مشاركاً يومها عبر مدرسته، في «مباراة العلوم»، مع 34 تلميذاً من مدارس قضاء النبطية، قدموا نحو 90 مشروعاً. وهكذا بدأ مشروع «مباراة العلوم» بمجموعة من المتطوعين. ولأن التجربة الأولى كانت مشجعة، توسّع لاحقاً نحو قضاء صور الجنوبي، لينظّم اليوم على مستوى العاصمة بيروت وكل المناطق. مباراة العلوم - المشاريع العلمية 2010 التي تجرى يومي 13 و14 نيسان (ابريل) في قصر الأونيسكو في بيروت، تضم هذا العام لجنة حكم، تسمّى اللجنة العلمية، تمثل معظم المواقع التربوية والعلمية، من أساتذة جامعات من الجامعة اللبنانية وجامعات خاصة وممثلين عن مديرية التعليم الثانوي ووزارة الثقافة والتربية والاقتصاد. مع العلم ان اللجان السابقة كانت تقتصر على أساتذة ثانويين وجامعيين ومفتشين تربويين. والحدث السنوي للمشاريع والاختراعات العلمية سيشهد هذا العام إقبالاً قياسياً في المحافظات من قبل طلاب المدارس الثانوية والمتوسطة نظراً لأنه يحصل للمرة الأولى على المستوى الوطني، يقول رئيس الهيئة الوطنية للبحوث والعلوم الدكتور أحمد شعلان، مشيراً الى ان «الهيئة» التي تأسست في صيف 2009 قد أتت نتيجة المسيرة المشجعة «لمباريات العلوم» طوال السنوات الماضية، حيث بدأنا بدعم من اتحاد بلديات قرى النبطية والشقيف وصور ومن ثم انضم مموّلون جدد، كما أضيفت الى اللائحة مجموعة من الأفكار والمشاريع الجديدة. وفيما يبدي شعلان اعتزازه بنقل هذه التجربة الى كل مدارس لبنان، فإنه يأمل بإجراء المباريات في مرحلة لاحقة على مستوى الجامعات وبين كل الناجحين في المناطق، لأن هذا الأمر من شأنه ان يحرّك البحث العلمي والثقافة العلمية ليس فقط لدى الطلاب إنما أيضاً على مستوى المجتمع المدني، ما يدفع باتجاه إعطاء أهمية أكبر للمسائل العلمية بدلاً من التلهي بزواريب السياسة التي تضيّق الآفاق، ويتوقع شعلان مشاركة 100 مدرسة على الأقل هذا العام (من أصل 300 مدرسة وجهت الدعوات إليها)، بمعدل 200 مشروع علمي. أهداف المباراة، كما يعدّدها الدكتور حسين فحص عضو الهيئة الوطنية للبحوث والعلوم «إظهار الإبداعات العلمية والمهارات لدى الطلاب عبر تطبيق الفكرة العلمية وتحويل النظريات الى واقع، تشجيع الطلاب على إنجاز المشاريع العلمية بناءً لعملية التعلم ولما هو متوافر بين أيديهم، وخلق فرص عمل جديدة أمام جيل الشباب من خلال التفكير العلمي والتعلّم الذاتي». ويشير فحص الى ضرورة «إطلاق يد مدراء المدارس الرسمية في تقديم التمويل اللازم لمشاريع طلابهم، كما يحصل في المدارس الخاصة». «حرّر خيالك، اظهر قدراتك، اشحن طاقاتك...» هي عناوين الحملة الإعلامية ل «مباراة العلوم» للعام الحالي. وتتعدّد الخيارات في مجال نوعية المشاريع المقترحة التي يمكن تصنيفها ضمن أربع فئات: فئة المشاريع التشغيلية (اختراعات، مشاريع كهربائية، أو ميكانيكية أو إلكترونية... يمكن تشغيلها وتؤدي إلى وظيفة محددة ومفيدة)، فئة النماذج (تشمل النماذج، المجسّمات ووسائل الإيضاح العلمية والتعليمية)، فئة البحوث العلمية والدراسات التوثيقية (الأبحاث النظرية والدراسات الميدانية المعتمدة على الإحصاءات والتجارب والأفلام الوثائقية ذات الطابع العلمي أوالتنموي)، فئة تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات (مختلف الأعمال الرقمية، الاتصالات والأنظمة والشبكات Network and Systems والحلول الإلكترونية (البرمجة) وغيرها). مدير «مباراة العلوم» رضوان شعيب يؤكد ان «الحجوزات للاشتراك في المباراة من قبل المدارس الخاصة والرسمية تأتي من كل المناطق اللبنانية. وهذا دليل على الاهتمام بالمشروع العلمي النموذجي الذي يمتد لأول مرة على المستوى الوطني، ويدلّ أيضاً على حاجة الناس إلى نموذج نظيف في الموضوع العلمي». يتم تقييم المشاريع ضمن معايير واضحة ومحددة، يتعرّف عليها الطلاب من خلال إعلامهم بها قبل أشهر من المباراة، ويقوم الحكّام في اللجنة العلمية بتقييم المشاريع من خلال المعرض عبر جولاتهم ومناقشتهم للطلاب. ويقول شعيب «إن قيمة الجوائز المرصودة لهذا العام تفوق المئتي وخمسين مليون ليرة لبنانية وتشمل الجوائز النقدية والمنح الجامعية والجوائز العينية، مؤكداً أن هذه المباراة تهدف إلى تأسيس وتعزيز التفكير العلمي بين الشباب، ومشيراً إلى أن التحكيم من قبل اللجنة العلمية مبني على معايير التنفيذ والعرض والإبداع لكل مشروع». وتتوزع الجوائز على مراتب ثلاث أولى عن كل فئة ولكل مرحلة، بالإضافة إلى مرتبة الإبداع والتميّز ومراتب فئة العام 2010 (Green Economy Projects أو مشاريع الاقتصاد البيئي وتشمل مشاريع تختص بالتكنولوجيا والصناعة والزراعة الصديقة للبيئة في أي من الفئات الأربع)، بحيث بلغ عدد الجوائز الإجمالي 40 جائزة، وتشمل المنح الجامعية الكاملة والجزئية، دورات تكنولوجيا المعلومات خصوصاً خدمات الإنترنت وميداليات ودروعاً تقديرية لكل المشاركين. ويعتبر د. تيسير حمية عميد كلية الزراعة في الجامعة اللبنانية «إن مباريات العلوم تشكّل عملاً جباراً يساهم في بناء مجتمع علمي بحثي متميّز»، ويقترح في هذا السياق أن تبدأ عملية تحفيز الحس العلمي لدى التلاميذ من الصفوف الابتدائية، بحيث يصلون إلى الجامعات وقد تكوّنت لديهم ثقافة المعرفة والاكتساب العلمي...».