ما إن أعلن وكيل وزارة الثقافة د. عبدالله الجاسر في عنوان عريض، أن وزارة الثقافة لن تمارس أي فعل إقصائي خلال المعرض السنوي والدولي للكتاب، والذي يقام في الرياض مطلع الشهر المقبل، ولن تقوم بمصادرة الكتب، حتى عادت العناوين والأخبار الأخرى تقلب كلام وكيل الوزارة رأساً على عقب، إذ أعلن المسؤول عن توقيع الكتب الناقد محمد عباس أن السماح بتوقيع الكتب سيقتصر على الكتب التي أجازتها الوزارة، ثم وصلتني رسالة من أحد الكتّاب السعوديين الذي أصدر روايته حديثاً، وكأنه يبشرني بأن روايته تم منعها من دخول المعرض. من يتابع ما يحدث لا يستطيع أن يفهم التناقض بين دور الوزارة النظري وواقع عملها، فعمل وزارة الثقافة هو نشر الثقافة، وتسهيل مرورها للناس، ودفع روافدها بكل ما يجعل من الثقافة مشروعاً مجتمعياً حراً وواسع الانتشار، لكن من الواضح أن وزارة الثقافة اشتهرت بكل ما هو غير ثقافي على حساب ما هو ثقافي، فهي تمارس دور المنع والمراقبة والترصد بالعناوين، وحجب الترخيصات لكثير من الأعمال الثقافية، وأنا هنا أتحدث عن الأفعال الثقافية بالمعنى الشامل، وتزيد وزارة الثقافة السعودية على فعلها هذا بأن تطلب من وزارة الثقافة الكويتية تطبيق اتفاقات مجلس التعاون الخليجي، والالتزام بقائمة المنع في معارضها، كما حدث في المعرض الفائت، ويبدو أن الشقيقة الصغرى هي الشقيقة الوحيدة التي لا تستطيع أن تقول لا، لأن بقية معارض الكتب الخليجية بحسب مشاهداتي وتحرياتي الشخصية لا تعطي أذناً كبيرة لهذه الاتفاقات، وتضعها في الحرج كما في معظم الاتفاقات العربية، ليكتشف المثقف أن رحمة عدم الالتزام بالاتفاقات والعهود أكبر من عذابها في هذا الشأن خصوصاً. ولا أدري كيف لم تحسب وزارة الثقافة أن تصريحاً واحداً لها لم تمض عليه ساعات سيضعها في تناقض ثقافي وأخلاقي كبير أمام التصريحات والوقائع التي سيقف عليها المثقف والمواطن والناشر في معرض الكتاب؟ وكيف ستتعامل مع هذه الصيحات التي سيطلقها أصحاب الكتب الممنوعة؟ وقد قلت أكثر من مرة إن القارئ السعودي لم يعد يعطي احتراماً سوى للكتب الممنوعة، فهل يرضي وزارة الثقافة أن تكون رقابتها ومنعها معياراً لتدني الكتب المفسوحة، وأسهمها مرتفعة لما تمنعه الوزارة حتى ولو كان تافهاً؟ وهل من مضامين الفعل الثقافي مراقبة ما يقرأه المواطن الذي يستطيع أن يحصل على الكتاب الممنوع في دقائق من خلال الإنترنت؟ كيف ستواجه وزارة الثقافة تلك السمعة التي تلتصق بها بأن الناشر يعيش جحيماً في التضييق عليه في معرض الكتاب السعودي، وهو يكتشف بنفسه أن السوق السعودية هي أكبر سوق خليجية وربما عربية وأعلى قدرة شرائية، ربما بسبب الحرمان الذي يولد السعار الشرائي للكتب. [email protected]