قال السفير السعودي لدى لبنان علي بن عواض عسيري ان «منطقة الشرق الأوسط تمر بأحداث تتداخل فيها التعقيدات السياسية والأمنية، ويزيدها صعوبة تطرف في الفكر والبحث عن ادوار مصطنعة واعمال ارهابية غريبة عن المنطقة ومعتقداتها ومجتمعاتها». وزاد: «لعل أشد ما يؤثر على لبنان من بينها هي احداث سورية بفعل التداخلات الجيوسياسية من جهة وبفعل رغبات لا تنسجم مع دور لبنان وتدفعه الى وضع لا يلائم مصلحته الوطنية العليا. لذا فإن الخروج من الوضع الراهن بات ضرورة ملحة تبدأ بالتزام كل القوى السياسية تحييد لبنان عن النار المستعرة في الجوار، وتحقيق خطوة اساسية تشكل مدخلاً الى كل الحلول تحرص المملكة عليها وتأمل بإنجازها ألا وهي انتخاب رئيس جديد للجمهورية في اقرب فرصة ممكنة لتستقيم هيكلية الدولة وتسير عجلتها وفق المسار الطبيعي للأمور، لأن الفراغ في سدة الرئاسة يضعف الدولة ومؤسساتها في وقت هي اكثر ما تحتاج الى الدعم والمؤازرة، والى تعزيز ثقة المواطن بها وليس العكس». كلام السفير السعودي جاء مساء أول من أمس في احتفال لمناسبة اليوم الوطني في المملكة العربية السعودية، في مجمع البيال وسط بيروت في حضور النائب أيوب حميد ممثلاً رئيس المجلس النيابي نبيه بري، والوزير سمير مقبل ممثلاً رئيس الحكومة تمام سلام، وجمع رسمي وسياسي وديبلوماسي واجتماعي حاشد. وقال: «في رحابِ ذكرى اليوم الوطني للمملكةِ التي لَطالما أحبّتْ لبنان وبادرتْ الى جمعِ ابنائِهِ وتعزيزِ وحدتهم، يشرفني أن أنقل إليكم تحيات خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز حفظه الله والقيادة السعودية ومن خِلالِكم الى الشعب اللبناني الشقيق. وكم كنتُ أتمنّى أن يُشاركَني الليلة فرحة هذا اللقاء كلّ محبٍ للبنانَ، تاقَ الى رؤيةِ العائلةِ اللبنانية موحدة، وإلى لبنانَ العيشِ المُشترك الذي ظلَّ تنوعُهُ مصدرَ غنىً لهُ ولمحيطهِ العربي، لبنانَ الذي يجتمعُ ابناؤهُ، مسلمون ومسيحيون على تقاليدٍ وأهدافٍ واحدةٍ ونشيدٍ واحدٍ مطلَعُهُ «كلّنا للوطن». الى هذا اللبنان، الماثلِ في ذاكرتنا الجميلة والذي اشعر بأنه يتجسد من خلالكم اليوم، استحلفكم بالله ان تعيدوه الى ذاته وان لا تفرّطوا به». وأضاف: «ندائي هذا هو صدىً لمواقف خادم الحرمين الشريفين، التي دعا من خلالها الى الحفاظ على وحدة لبنان وسيادته وتحصين أمنه واستقراره والعيش المشترك بين ابنائه ليتمكن من اجتياز هذه المرحلة الاستثنائية التي تمر بها المنطقة ويستعيد دوره الطليعي وعصره الذهبي». وقال: «انطلاقاً من هذه المواقف الكريمة التي تنمّ عن حرص أخوي كبير اسمح لنفسي بالتطرق الى الواقع السياسي الذي نشهده حالياً، ليس من باب النصح والمزايدة، بل من لهفة مواطن عربي يحب لبنان. حماية الدولة وتطويرها هي واجب القيادات والمواطنين معاً، وتقدم البلاد في ظل السيادة والامن والاستقرار يحقق المصلحة الوطنية العليا التي يصبو اليها كل لبناني، واني على ثقة تامة بأن الاشقاء اللبنانيين بكل فئاتهم لم ولن يرضوا الا بتحقيق ما هو افضل للبنان عبر التعالي على الخلافات وتحصين الوحدة الوطنية والساحة الداخلية وقطع الطريق على كل ما من شأنه ايذاء لبنان والاساءة لتاريخه وصورته ورسالته». ولفت عسيري الى ان اللحظة السياسية الحالية «لحظة تاريخية تتطلب قادة شجعان وأنتم كذلك، وقرارات شجاعة وانتم قادرون على اتخاذها، قرارات تغلّب مصلحة الوطن على كل ما عداها وتفتح الباب امام مرحلة جديدة عنوانها الاستقرار السياسي والامني، وصون سيادة الدولة وكرامتها، والمملكة هي الأحرص، من بعدكم، على دعم هذه السيادة وصونها لمصلحة لبنان والمصلحة العربية». وأضاف: «يتطلع العرب الى النموذج النهضوي الذي قدمه اللبنانيون والنهضة العربية التي كانوا روادها والتي نشرت الثقافة والعلم في اقطار المشرق، آملين بأن تستعيدوا هذا الدور ليستيعدوا معكم وبكم دورهم الحضاري. اقول هذا الكلام انطلاقاً من معايشتي عن قرب للأشقاء اللبنانيين، في المملكة بداية وخلال ممارستي مهماتي في لبنان. وأقول ان اللبننة وجود متكامل وليست مساحة جغرافية فقط، واللبناني عربي متميز، بثقافته المتنوعة وبعيشه في الشرق وانفتاحه على العالم الرحب، وبكونه انساناً مبدعاً خلاّقاً. هذه الصفات هي ثروة وغنى للبنان، وهي افضل ما تورثونه لابنائكم وليس الخلافات السياسية والقلق على المستقبل والتفكير الدائم بالهجرة». وزاد مخاطباً اللبنانيين: «أرجوكم، احبوا لبنان، لا تدعوه يستغيث، تشبثوا به، تجذروا بأرضكم، جذّروا ابناءكم واحفادكم بها، ابنوا لهم وطناً حصيناً منيعاً يتشرفون به ويتفانون في محبته، أشعروهم بأن بلدهم يحتضنهم وانه بيتهم وملجأهم وليس مصدر قلقهم، تعالوا على الخلافات وعلموهم انه في سبيل مصلحة البلاد تهون الصعاب». وتابع: «ما اعبّر عنه ليس سوى انعكاس لما تجمّع في مسيرة العلاقات الاخوية بين المملكة ولبنان وقيادتيهما وشعبيهما من أخوّة ومودة وتواصل انساني عميق حرص عليه كل الملوك الذين اعتلوا عرش المملكة وصولاً الى الملك سلمان، وهو تعبير ايضاً عن امنيات المملكة وآمالها بأن ترى لبنان موحداً، مستقراً، رائداً في محيطه». وقال: «يطيب لي وأنا محاط بهذا الحشد من المحبين ان ارفع أسمى آيات التهنئة والتبريك الى مقام خادم الحرمين الشريفين والى الأمير محمد بن نايف ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية، والى الأمير محمد بن سلمان ولي ولي العهد وزير الدفاع، والى ابناء الشعب السعودي النبيل، سائلاً المولى عز وجل ان يحفظ المملكة وان يديم عليها نعمة الأمن والأمان والاستقرار وان يبقيها قِبلة العرب، وان تبقى العلاقات السعودية - اللبنانية مثالاً يُحتذى للأخوّة الحقة».