مرّة أخرى يبدي كل من الأردن، ومصر والسلطة الوطنية الفلسطينية استعداداً لاستئناف المفاوضات الإسرائيلية - الفلسطينية المتعثرة هذا الصيف مثل انشغال الرئيس الأميركي باراك أوباما في معركة انتخابات الكونغرس النصفية (تشرين الثاني/نوفمبر المقبل). ينبع الأمل المتجدد من إمكان إطلاق مفاوضات «غير مباشرة» أو «بالإنابة» من أفكار طرحها في جولته الأخيرة مبعوث الرئيس الأميركي جورج ميتشل لكسر الجمود الذي يغلف مسار السلام منذ 2008. على أن احتمالات نجاح الفرصة الأخيرة تبقى ضئيلة، كسابقاتها، بسبب تعنت إسرائيل حيال شروط المفاوضات والشرخ على الجبهة الفلسطينية، الذي دخل عامه الرابع. رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، والأردن الذي يراهن على خيار الدولتين لضمان أمنه واستقراره، ومصر يرغبون في أن تبدأ المحادثات غير المباشرة خلال ثلاثة أسابيع لتستمر أربعة شهور في حد أقصى. بعد ذلك يعبر المشاركون إلى مفاوضات مباشرة حول ملفات الحل النهائي تفضي إلى قيام دولة فلسطينية مستقلة داخل حدود 1967 مع تبادل أراض متساو في المساحة والقيمة بالتزامن مع انتهاء ولاية الرئيس أوباما أواخر 2013. مسؤولون وديبلوماسيون عرب وأجانب توقعوا في تصريحات متطابقة ل «الحياة» أن تبدأ «المفاوضات بالإنابة» خلال ثلاثة أسابيع بعد أن تلقى عباس توضيحات وضمانات أميركية «شفهية» حيال أسئلة طرحها قبل أسبوعين خلال لقاء مع ديفيد هيل، نائب السيناتور ميتشل. هيل عاد الى المنطقة يوم الخميس الفائت، وأعطى الفلسطينيين تطمينات حيال مرجعية المفاوضات المقترحة وطبيعة الدور الأميركي «الفاعل» والإطار الزمني لها إضافة إلى تحديد الخطوة التالية في حال فشل المفاوضات بعد مدة معينة، بحسب ما يرشح من معلومات رسمية في عواصم عربية معينة. وستعقد لجنة المتابعة العربية الخاصة بمبادرة السلام اجتماعاً في القاهرة خلال أيام، بناء على طلب الرئيس عباس، لتتخذ قراراً باطلاق المفاوضات قبل يوم 13 من الشهر المقبل. وقال أحد المسؤولين إن الهدف من الاقتراح الأميركي الأخير المدعوم من عمان والقاهرة، يسعى الى «الدخول فوراً الى الامور الجوهرية التي تتعلق بقضايا الحل النهائي بما فيها ترسيم حدود الدولة الفلسطينية ما قد يعني فعلياً تجميد الاستيطان لفترة ثلاث شهور، بدلاً من تدوير المواقف والأفكار». وستدور المفاوضات الأولية بين وفدين على مستوى الخبراء، وبمشاركة فاعلة لوسيط أميركي إما في المنطقة أو خارجها. ميتشل فشل حتى الآن في انتزاع موقف إسرائيلي قاطع بوقف المستوطنات بما فيها داخل القدسالمحتلة، ولو لفترة معينة، لتحقيق شرط الفلسطينيين الرئيس قبل استئناف المفاوضات. وتعتقد كل من مصر والأردن، الدولتان العربيتان الوحيدتان المرتبطتان بمعاهدتي سلام مع إسرائيل، أن تعثر المفاوضات يصب في مصلحة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي نجح في تسريع وتيرة الاستيطان على رغم أنف أميركا، بما يقوّض فرص قيام دولة فلسطينية متصلة جغرافياً وقابلة للحياة. غياب حل الدولتين واستمرار الاستيطان يهدّدان مصالح الأردن الاستراتيجية ويضعفان موقف الفلسطينيين، كما يشجعان على سحب مبادرة السلام العربية المقترحة منذ ثماني سنوات. أحد الديبلوماسيين يؤكد أن عباس حثّ الإدارة الأميركية، بتشجيع من عمان والقاهرة، على أن تقدم «موقفاً واضحاً يرسم ما ستؤول إليه المفاوضات المباشرة، وتتعهد بضمان إنجاحها وصولاً إلى اتفاق حول قضايا الحل النهائي في حد أقصاه 24 شهراً من تاريخ بدء المفاوضات بالإنابة. ويعني ذلك تسوية قضايا اللاجئين، ومصير القدس، والمستوطنات، والحدود، وتقاسم المياه والأمن. وفي التفاصيل أيضاً ان اجتماعاً غير معلن عقد في القاهرة بداية الشهر الجاري بمشاركة وزيري خارجية الأردن ناصر جوده ومصر أحمد أبو الغيط إلى جانب رئيس دائرة المفاوضات في منظمة التحرير الفلسطينية صائب عريقات ساعد على تليين موقف عباس الذي كان متمسكاً بشرط وقف الاستيطان بالكامل قبل العودة للتفاوض. وهكذا أظهر الرئيس الفلسطيني لمحاوريه العرب والأجانب خلال الأيام الماضية رغبة في مباشرة هذا النمط من المفاوضات من دون تبريرات, في حال الحصول على تطمينات أميركية «جدية ومقنعة». في المقابل يسعى نتانياهو الآن الى تعزيز موقفه الداخلي وتسريع الاستيطان على حساب تردّد إدارة أوباما في طرح منهجية واضحة للسلام، وتراجع شعبية الرئيس الأميركي وسط انتقادات من أن جهوده لإنعاش الاقتصاد وإصلاح الرعاية الصحية أثقلت الموازنة من دون تحقيق مكاسب ملموسة. كما أن استمرار الانقسام الفلسطيني بين «فتح» و «حماس» يغذي ذرائع نتانياهو حول غياب شريك فلسطيني جاهز للتفاوض ما يساعده على مواجهة الضغوط الدولية. وتخشى أوساط عربية أن يستغل نتانياهو المفاوضات غير المباشرة للامعان في المماطلة ريثما يبدأ أوباما التركيز على الانتخابات النصفية، فتستغل إسرائيل الظرف الأميركي لتوجيه ضربات عسكرية انتقائية ضد برنامج إيران النووي. مثل هذه المغامرة تفتح الباب أمام ردود فعل قوى ودول في الإقليم، ويقوّي حجة الأطراف التي تروّج أن الأجواء في المنطقة غير مواتية لصنع السلام، بحسب سياسي أردني. ديبلوماسي أوروبي لا يأمل خيراً من فرص نجاح المسعى الأميركي الأخير يرى ان «المطلوب دور أميركي فاعل ومحادثات على مستوى سياسي وليس على مستوى الخبراء». الرئيس المصري حسني مبارك وملك الأردن عبد الله الثاني يكثفان وتيرة الاتصالات الديبلوماسية مع واشنطن، وعواصم أوروبية وعربية أساسية لدعم فرصة استئناف المفاوضات المتعثرة. بالتزامن، حض ميتشل الاتحاد الأوروبي على تقديم الدعم المالي لحكومة سلام فياض الذي يسعي للاعلان عن دولة فلسطينية من جانب واحد خلال عام ونصف. وقبل أيام اتصل عبدالله الثاني بالرئيس اوباما. وقبل شهر زار وزيرا خارجية مصر والأردن واشنطن لاستيضاح مضمون الجهد الأميركي الجديد. كما بعث عبدالله الثاني برسالة إلى الرئيس السوري بشار الأسد نقلها رئيس الوزراء سمير الرفاعي. وقبل أيام حط رئيس وزراء فرنسا فرنسوا فيون في المنطقة لدعم جهد السلام. وبموازاة هذه الاتصالات، سيبدأ العمل على تطبيق خمس نقاط اقترحها ميتشل لبناء الثقة على الأرض؛ منها الإفراج عن أسرى فلسطينيين على دفعات، ووقف اقتحام المدن الفلسطينية أي العودة إلى ما كانت عليه الأمور قبل أيلول (سبتمبر) 2000 عندما اندلعت الانتفاضة الفلسطينية الثانية. وبالتزامن ومع الاتصالات غير المباشرة المزمع إجراؤها، بحسب طروحات ميتشل، سيتم تحويل مناطق «(ب) إلى مناطق (أ) وتحويل جزء من مناطق (ج) إلى (ب) و (أ)» داخل الضفة الغربية، كما ستنتظم إسرائيل في تحويل مستحقات الضرائب الفلسطينية شهرياً للسلطة الوطنية وتسمح بإعادة فتح المكاتب الفلسطينية التي أغلقتها في القدسالمحتلة خلال الانتفاضة، وللأمن الفلسطيني حق دخول مناطق (ب) و (ج) بحسب الحاجة، ومن دون تنسيق مع إسرائيل والسماح بإدخال مواد البناء والغذاء لقطاع غزة». تصنيف (أ) يطلق على المناطق التي تخضع لسيطرة السلطة الفلسطينية أمنياً ومدنياً. أما (ب) فتقع تحت السيطرة الأمنية الإسرائيلية والمدنية الفلسطينية فيما تسيطر إسرائيل في شكل كامل على ما يعرف بالمناطق (ج). الملك عبدالله الثاني كان حذّر خلال مداخلة حوارية في المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس من أنه «ما لم تكن هناك منهجية عمل واضحة (مدعومة أميركياً) خلال الشهر المقبل أو أكثر، فلن أكون مقتنعاً بأننا سننجح في دفع عملية السلام إلى الأمام». ورأى أن الجمود «سيفتح المجال أمام الدول المشاركة في القمة العربية المقبلة لتعبر عن أرائها بعدم قناعتها بأنه سيكون هناك تقدم إلى الأمام». ولا يجد الأردن أي خيار غير استمرار الرهان على حل الدولتين لضمان مستقبل مستقر في مملكة نصف سكانها من أصول فلسطينية، غالبيتهم لم يحسموا بعد آمر هويتهم السياسية وولائهم بانتظار ممارسة حق العودة والتعويض. ويفاقم الوضع الداخلي الاردني تناسل تصريحات ومواقف القوى السياسية اليمينية في اسرائيل والتي تطالب بدور أردني في الضفة الغربية، أو بإطلاق مبادرة سلام إقليمية بين تل أبيب وكل من القاهرة وعمان، في غياب الشريك الفلسطيني، للتوصل إلى تسوية مضمونة. وهذه الخيارات ترفضها عمان باستمرار. فالملك عبدالله الثاني يشدد في تصريحاته على أن الأردن لا يريد «على الإطلاق أي دور في الضفة الغربية. فكل ما سيؤدي إليه ذلك في هذه الحال هو استبدال الجيش الإسرائيلي بالجيش الأردني وهذا ما لا يريده الفلسطينيون. هم يريدون دولتهم». ويقول: «لن يكون هناك خيار أردني... فالبديل الوحيد لحل الدولتين هو حل الدولة الواحدة، وهذا ما يخيف اكبر عدد من الإسرائيليين من أولئك الذين يخشون حل الدولتين». باختصار، انها المرة الأولى التي يعلن فيها الملك عبدالله الثاني أنه «متشائم بعض الشيء» منذ اعتلى العرش قبل 11 عاماً، على وقع تنامي البرودة في العلاقات السياسية بين عمان وتل أبيب.