ظل «فايسبوك» في مصر حتى ثورة 25 كانون الثاني (يناير) 2011، وثيق الصلة بالشباب، الذين اعتبروه عالمهم الخاص البعيد من عيون الأكبر سناً. وبعد سنوات تقل عن عدد أصابع اليد، اقتحم الآباء والأمهات عالم الأبناء الافتراضي، بل أصبح لمعظمهم حساباتهم الخاصة على «فايسبوك». الجديد، هو أن من تجاوزوا الستين من أعمارهم، دخلوا ذلك العالم، من طريق أبنائهم، بل أحفادهم أحياناً. وفي مصر، غالباً ما يشكّل كبار السن في العائلة عبئاً ما على الأهل. فعلى رغم انشغال الأبناء ذكوراً وإناثاً في العمل وعدم قدرتهم على تلبية حاجات كبار السن، إلا أن فكرة إيداعهم في دار للمُسنّين لا تلقى قبولاً في المجتمع المصري. وفي ذلك الصدد، وجد بعض الأبناء أن شبكات التواصل الاجتماعي التي يتصدّرها «فايسبوك»، يمكنها أن تكون ملاذاً للقضاء على إحساس الوحدة الذي يعاني منه المسنون. وبذا، شكّل إهداء «تابلت» أو «لاب توب» مع اشتراك في خدمات إنترنت، حلاً لجزء كبير من مشكلة كبار السن في العائلات المصريّة. تفاوتات في الحل الشبكي بديهي القول إن لكل عائلة تفاعلها الخاص مع ذلك الحل الشبكي. إذ توضح السيدة لوريس، وهي أرملة لديها ابنان وحفيدان، أن حياتها تبدّلت تماماً بعدما أصبح لها حساب على «فايسبوك». وتضيف: «في عيد ميلادي الواحد والستين، أهداني ابناي «تابلت» وعلّماني كيفية استخدامه. ولم أكن أتوقّع أنني سأتعلّم التعامل معه بتلك السرعة. وبدأت بعمل «شير» Share لصور الحفيدين. وفي البداية لم أجد إعجاباً ولا تعليقاً إلا من أسرتي وحدها. وبمرور الوقت، زاد أصدقائي على الصفحة. وتبادلنا الصور والتعليقات. وشغل «فايسبوك» وقتي. لم أعد أشعر بالملل أو الوحدة، بل تواصلت حتى مع أصدقاء الدراسة الذين باعدت بيننا السنين. وبات ال «تابلت» رفيقي في كل مكان أحلّ فيه». ويبيّن شوقي جاد الذي تجاوز السبعين من عمره، أنّه لا يستطيع الاستغناء عن ال«لاب توب» والإنترنت، بل أصبح له نظام يومي يشغل فيه «فايسبوك» نصيباً كبيراً فيه. ويضيف: «بعد تناولي الفطور صباحاً، وبعد أن أتصفح الجرائد إلكترونيّاً وأرسِل تعليقاتي على ما يهمني من أخبار، أسارِع في الدخول إلى حسابي على «فايسبوك». ثم أتجوّل بين ما ينشره أصدقائي وأولادي وأحفادي، كما أسجّل «لايك»اتي وتعليقاتي ومعارضتي ورفضي، على ما أطالعه في تلك الصفحات. وكثيراً ما يسرقني الوقت، فأنسى موعد أدويتي، ما يقلقني ويقلق أبنائي. وأخيراً، وجدوا حلاً إلكترونيّاً لتلك المشكلة أيضاً. إذ تدخل ابنتي على «فايسبوك»، وتعثر علي مطالعاً ال «فايسبوك»، فتكتب رسالة تذكّرني بموعد الدواء». نداء بمجانيّة التواصل! في سياق مشابِه، تفيد رانيا بأنّها لم تستطع أن تدخل السعادة إلى قلب والدها عقب تقاعده، إلا بعد أن أهدته هاتفاً يسمح بالدخول على الإنترنت، كما أنشأت له حساباً على «فايسبوك». وتؤكد رانيا أن والدها كان سريعاً جداً في التفاعل الإلكتروني، فعادت البشاشة إلى وجهه ولم يعد يعاتبها لتأخّرها في العودة إلى المنزل. لم تشعر السيدة سلوى، وهي أم لابنة وحيدة هاجرت إلى أميركا، بوطأة الفراق إلا بعد تقاعدها. إذ كانت تنتظر بفارغ الصبر أن تتصل بها ابنتها وأن تسمع أصوات أحفادها. ثم اخترقت عالم التكنولوجيا الحديثة الذي لم تكن تفكر فيه مطلقاً لأنّها عاشت حياتها دائماً في شكل تقليدي. وأخيراً، وجدت ضالتها المنشودة في جهاز «تابلت» واشتراك في خدمة الإنترنت، فباتت تتواصل يومياً مع ابنتها وأحفادها صوتاً وصورة عبر «سكايب». وبلغ إحساس المُسنّين في مصر بفاعلية الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي ك «فايسبوك» و «تويتر» و «سكايب»، و «واتس آب»، إلى حدّ مطالبة محمود متولي، بأن يصبح من حق المتقاعدين الاشتراك مجاناً في خدمة الإنترنت، أسوة بمن ينادون باشتراكات مجانيّة في بعض الأندية الاجتماعية أو المواصلات العامة. وعلى رغم أن تلك المجانيّة ربما تكون بعيدة عن التحقّق، إلا أن المُطالبة بها تدل على احتياج جديد تولَّد لدى المُسنّين، وأنهم يسعون إلى إشباعه. والحقيقة أن تلك القصص الإنسانية هي بالتمام ما أظهرته دراسات علمية أخيراً بأن التواصل عبر مواقع التواصل الرقمي الاجتماعي من شأنه أن يبعد الاكتئاب عمن تزيد أعمارهم على 50 عاماً، من مستخدميها. وفي السياق نفسه، أظهر مسح إحصائي لمركز «بيو» للبحوث، حدوث زيادة في عدد المستخدمين المُسنّين للإنترنت، بل أن ثلث من يتخطى عمرهم ال 65 عاماً يستخدمون مواقع التواصل الاجتماعي، بالمقارنة ب 6 في المئة قبل 3 سنوات. وبيّن بحث مُشابِه أن استخدام الإنترنت له أثر إيجابي على المُسنّين، إذ إنه يثير نشاط الخلايا العصبية ويحفز وظائف الدماغ.