أذكر من أيام الدراسة الجامعيّة خبراً طريفاً عن كيفية تأثر الفرد بالمجموعة. وفحوى الخبر أن مواطناً عربيّاً رأى حشداً يهتف في تظاهرة كانت تقترب منه. وأحب المشاركة فيها. فنزل من بيته. وانضمّ إلى الحشد. وبدأ يهتف: «فليسقط واحد من فوق»، وهو ما اعتقد أن الحشد كان يقوله، في حين أن هتاف التظاهرة كان: «فليسقط وعد بلفور»! كان ذلك في زمن لا وجود فيه للتلفزيون. كانت القرارات تصنع في المقاهي والجامعات. ويحتاج الأمر إلى التقاء مجموعة كبيرة من الناس على أهداف موحّدة، كي يبدأوا في إحداث تأثير على القرارات والمجتمعات. بعد قرن تقريباً، وكنتاج للثورة التقنيّة، يستطيع فرد في مجتمع أن يحرك الشارع من المقهى أو الجامعة. إذ أن كل ما يحتاجه هو جهاز «لاب توب» أو «آي باد» أو هاتف ذكي مع حساب على «تويتر» و «فايسبوك» و «إنستغرام». بقول آخر، يمكن للمرء أن يحدِث ثورة في هذا العصر على فنجان قهوة صباحي. مواقع التواصل الاجتماعي باتت وسيلة لصنع القرارات على مستوى الدول والمؤسسات والأفراد على حد سواء. ويدفع ذلك الأمر الدول إلى إنشاء أجهزة وداوئر أمنية مهمتها مراقبة مواقع التواصل الاجتماعي على مدار الساعة. وفي حين يؤكّد خبراء التقنية أن مواقع التواصل الاجتماعي عبر الإنترنت باتت لاعباً رئيسياً في تحديد قرارات الأفراد اليوميّة، فإن دور هذه المواقع تعدى ذلك الأمر بكثير. ومثلاً، تحدّث كثيرون عن دورها في الثورة المصرية التي أطاحت بالرئيس المصري السابق حسني مبارك. النموذج الإماراتي بصورة عامة، تتميّز شبكات التواصل الاجتماعي بالسهولة سواء في الوصول إليها أو في استعمالها. ويتوقّع تقرير صادر عن مؤسسة «غارتنر» تداول ما يزيد على 260 مليون جهاز «تابلت» خلال عام 2014، إضافة إلى 280 مليوناً من أجهزة الكومبيوتر المكتبيّة والمحمولة. كذلك تتوقع «غارتنر» أن تتجاوز أجهزة ال «تابلت» نظيراتها من أجهزة الكومبيوتر التقليديّة في عام 2015. كذلك أشار بول ريتشر، المؤسّس المشارك لشركة «غنيسيس» Genesis البريطانية للاستشارات التقنيّة، إلى أن عام 2014 سيكون عام الأجهزة اللوحية المحمولة «تابلت» بامتياز. أظهرت إحصاءات «هيئة تنظيم الاتصالات» في الإمارات، أن عدد مستخدمي موقع «تويتر» النشطين داخل الإمارات، وصل إلى 360 ألفاً، فيما يتجاوز عدد التغريدات اليومية 2.5 مليون تغريدة. ووصلت نسبة مستخدمي موقع «فايسبوك» من الذكور 69 في المئة، والإناث 31 في المئة. وأوضح محمد الغانم، المدير العام ل «هيئة تنظيم الاتصالات»، أن الهيئة لديها فريق خاص للرد على الشكاوى الخاصة بإساءة استخدام شبكات التواصل الاجتماعي، مشيراً إلى أنها تحال كلها إلى القضاء. كذلك أطلقت شرطة دبي حملة «نحو مجتمع آمن من مخاطر الإنترنت»، مشيرة إلى أن ارتفاع عدد الشكاوى عن إساءة استخدام شبكات التواصل، تراق مع انتشار الهواتف النقالة الذكية. ووفق سجلات الشرطة، بلغ عدد البلاغات عن جرائم إلكترونية 1419 جريمة في عام 2013 مقابل 792 عام 2012. وأطلقت «هيئة تنظيم الاتصالات» مشروعاً يتّصل بشبكات التواصل الاجتماعي، سمّته «الأوراق البيضاء». يهدف المشروع إلى شرح جوانب قانونيّة متعلقة باستخدام شبكات اجتماعية ك «فايسبوك» و «تويتر» و «إنستغرام» و «يوتيوب» و «فليكر» و «لينكد إن» وغيرها. وتشدّد تعليمات المشروع على ضرورة عدم نشر تهديدات مباشرة ومحددة بالعنف تجاه الآخرين، وتحظر استخدام صور إباحيّة أو منافية للأخلاق. ولفتت التعليمات عينها إلى أن بعض تغريدات «تويتر» ربما تكون مخالفة لقوانين دولة الإمارات، حتى لو كانت متوافقة مع شروط «تويتر». ولا تزيد هذه القيود عما تتضمّنه قوانين دولة الإمارات العربية المتحدة، التي تحظر نشر محتويات مخالفة للأخلاق العامة ومبادئ الشريعة الإسلامية والأعراف الاجتماعية والأخلاقية للدولة. وتلفت التعليمات عينها إلى أن عمر مستخدم «فايسبوك» يجب ألا يقل عن 13 سنة. وذكّرت بوجوب التقيّد بعدم استخدام «فايسبوك» في نشر خطاب كراهية، أو تحريض على العنف، أو أشياء تتضمّن تهديداً، أو مواد تحتوي عنفاً مصوراً، أو ملفات فيها مواد إباحيّة. وكذلك ذكّرت التعليمات بضرورة ألا يسمح بتشغيل تطبيقات تشتمل على محتوى متصل بالكحول أو المواعدة الغراميّة وغيرها. واشتملت التعليمات على ضوابط وتوجيهات تتصل بالمنافسات والعروض الترويجية وغيرها من الاتصالات التجارية، بما فيها «البريد الإلكتروني غير المرغوب فيه» («سبام» Spam). الأرجح أن التكنولوجيا نمت وأصبحت أكثر شباباً ومفعمة بالحيوية والنشاط. وتعمل بسرعة وكفاءة. وبالتزامن مع ذلك، انتقلت التقنيّات الرقمية من زمن البروتوكولات الثقيلة إلى عصر المرونة. وكخلاصة، يذكر أن أحد كبار مدراء الاتصال المؤسسي في المنطقة ممن يتمتّعون بخبرة طويلة في هذا المجال، فقد عمله أخيراً بسبب عدم إتقانه لعبة وسائل التواصل الاجتماعي، ما وضعه في خانة «الجيل القديم». وحاضراً، تدفعني تلك المعطيات إلى الاعتماد على بناتي، وهنّ «جيل اليوم»، في تنمية مقدراتي في التواصل الاجتماعي، حتى لو كان ذلك على حساب حياتي الاجتماعية الفعليّة!