تعيش مصر هذه الأيام حال حراك سياسي غير مسبوق. جماهير غفيرة، اشتهر عنها طول الصمت، خرجت أول من أمس لاستقبال المدير السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية الدكتور محمد البرادعي لدى عودته إلى القاهرة، في مشهد احتفائي بدا كأنه محاولة لحض الرجل على عدم التراجع عما أعلنه سابقاً في شأن إمكان ترشحه لمنصب رئيس الجمهورية العام المقبل. ويقول مراقبون للشأن الداخلي المصري إن هذا المشهد الاحتفائي ستكون له تبعات عدة خلال الفترة المقبلة في طليعتها ضرورة مراجعة الأحزاب المصرية بانتماءاتها كافة خطواتها المقبلة بعدما فقدت كثيراً من رصيدها في الشارع المصري خلال الأعوام القليلة الماضية. ويشير مراقبون إلى أن مشاركة المئات أول من أمس في استقبال البرادعي في مطار القاهرة أظهر أن الشارع المصري ليس «سلبياً»، بعكس ما يوصف، وأنه منشغل فعلاً بالمشاركة في العمل السياسي. ويقول أحد المراقبين: «يبدو أن كثيرين من المصريين ألقوا بآمالهم بحصول تغيير في البلاد على عاتق هذا الرجل (البرادعي)». ويلتقي الدكتور البرادعي الثلثاء في منزله في القاهرة عدداً من ممثلي القوى السياسية وناشطي المعارضة. ويقول القيادي البارز في حركة «كفاية» جورج إسحاق إن الاجتماع «سيبحث في خطوات عمل الفترة المقبلة»، مشيراً إلى أن قوى المعارضة ستطالب البرادعي «بضرورة الالتحام بالشارع المصري والمشاركة في مؤتمرات جماهيرية يعرض خلالها رؤيته للإصلاح السياسي». وأعلن البرادعي قبل نحو شهرين انه يمكن أن يترشح لمقعد الرئاسة ضمن شروط تتلخص في إجراء «إصلاحات حقيقية» تفتح الباب أمام الراغبين في الترشح في شكل مستقل في الانتخابات المقرر أن تجرى في خريف العام المقبل. وأعاد موقفه هذا قضية الإصلاح السياسي وتعديل مواد في الدستور إلى صدارة المشهد السياسي في مصر، كما أنه شكّل احراجاً كبيراً للحزب الوطني الحاكم الذي أعلن انه لن تُجرى أي تعديلات دستورية خلال السنتين المقبلتين. ويقول الناشط المعارض جورج إسحاق ل «الحياة»: «من دون تحرك شعبي فاعل لن يتحقق أي شيء مما نطلبه .. سندعو البرادعي في الاجتماع (بعد غد) إلى الالتقاء مع المواطنين وحضور مؤتمرات شعبية نقوم بتنظيمها لعرض رؤيته وأفكاره نحو التغيير وجمع أكبر عدد من المناصرين خلفه». وأوضح إسحاق أن البرادعي سيمكث في البلاد عشرة أيام بعدها سيسافر إلى الخارج لتسلم عدد من الجوائز عن فترة خدمته في الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ثم يعود إلى القاهرة مرة أخرى «ليستقر فيها». وأضاف: «لدينا مطالب وأفكار عدة في سبيل الإصلاح السياسي سنطرحها عليه (البرادعي) ونسعى إلى أن يوضح رؤيته لنا وسنحاول الوصول إلى توافق بين الرؤيتين تمهيداً لوضع خطوات عمل نحو التغيير المنشود». أما رئيس حركة «لا للتوريث» أستاذ العلوم السياسية الدكتور حسن نفعة فيؤكد أن مشهد أول من أمس سيكون له انعكاسات كبيرة على تحركات البرادعي في الفترة المقبلة «فهو رأى بنفسه آمال الشارع بغد أفضل المعلّقة عليه». وأوضح ل «الحياة»: «سنبحث مع البرادعي (الثلثاء) في كيفية الضغط على النظام الحاكم لتنفيذ ما نطالب به كقوى معارضة وهو نفسه ما وضعه البرادعي من اشتراطات». وقال: «ليس لدينا تصور مسبق لما سنقوم به في الفترة المقبلة، والاجتماع سيكشف مدى استعداد الرجل لخوض هذه المعارك، وأظن أن استقباله (أول من أمس) أظهر أن لدى المصريين رغبة كبيرة في التغيير، وأن لا بد من وضع خطة وبرنامج للتحرك في الفترة المقبلة، وهو ما سندرسه مع البرادعي».