لم يعد محامو الحسبة وحدهم يمثلون خطراً على حرية الفكر والإبداع في مصر، فالمعلومات التي كشف عنها تقرير حقوقي صدر في القاهرة تؤكد ان الرقابة في أشكالها المتعددة تمارسها مؤسسات رسمية وأهلية، وكذلك أفراد لا يرغبون في تعزيز الحريات في بلد تؤرقه الرقابة. ورصد التقرير الصادر عن مؤسسة «حرية الفكر والتعبير» في مصر، وجود نحو 55 حالة تعدٍّ على حرية الفكر والإبداع في النصف الثاني من السنة المنصرمة 2009، تنوعت ما بين أعمال الرقابة على السينما والمسرح والتلفزيون والفضائيات والصحف والمطبوعات. وأفاد التقرير بأن مصر شهدت خلال تلك الفترة نحو 18 محاكمة للمبدعين والمفكرين و12 حكماً قضائياً، تنوعت بين دعاوى لوقف أعمال سينمائية أو إرجاء منح الترخيص بتصوير سيناريوات، عطفاً على المطالبة بوقف قنوات فضائية، وحجب المواقع، والمطالبة بسحب جائزة الدولة التقديرية، ورفض تداول الصحف في مصر. و«حرية الفكر والإبداع» مؤسسة قانونية مستقلة نشأت عام 2006 تهتم بالقضايا المتعلقة بتعزيز حرية الفكر والتعبير وحمايتها في مجال الإبداع في مختلف تجلّياته. وأشار التقرير الى تواصل أعمال الرقابة على السينما، والتلفزيون، والفضائيات. ووصف التقرير تلك الفترة بفترة «الحذف والمنع وقطع الإرسال». وحذر التقرير مما سمّاه «أخطار رقابة المؤسسات الدينية» ممثلة في الأزهر والكنيسة القبطية. ولفت الى ان الأزهر أصدر توصية بمُصادرة كتاب لمحمد عمارة، وأن الأنبا بيشوى بعث رسالة إلى جهاز الرقابة يطالب فيها بمنع الفيلم الإسباني «أغورا» لتطرقه الى الحقبة المسيحية القديمة، برؤية «مهرطقة». وأكد التقرير كذلك أن الرقابة مورست في حق عدد من الأفراد، بصفتهم الفردية. وقدم مثالاً على ذلك ما أثير من جدال حول منح جائزة الدولة التقديرية لحسن حنفي وسيد القمني، وما تبع ذلك من ممارسات رقابية، بمبادرات من أفراد كان أبرزهم يوسف البدري، الذي تقدَّم بدعوى قضائية ضد وزارة الثقافة، والأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة. ويقدم التقرير رؤية قانونية حول مدى الضرورة الاجتماعية الملزمة لتجريم بعض أشكال الإبداع، باعتبار هذه الضرورة إحدى الضمانات الدستورية المتعلِّقة بحرية الفِكر والإبداع، وذلك في ضوء أحكام المحكمة الدستورية العُليا، إضافةً إلى عرض بعض الأمثلة حول قضايا تناولها التقرير. ولاحظ معدو التقرير أنَّ قضايا الرقابة على السينما كانت محلَّ إثارة في النصف الأول من السنة أكثر منه في النصف الثاني. أما القضايا التي امتدت على مدار السنة، فتمثلَّت في قضية فيلم «الرئيس والمشير» للمخرج خالد يوسف، والمنتج ممدوح الليثي. وكذلك قضية رواية «مترو» للروائي مجدي الشافعي، إضافة إلى ما أُثير من جدال واسع حول رواية «عزازيل» ليوسف زيدان، وامتدَّ على مدار السنة. وحذر التقرير من الآثار السلبية المترتبة على الحق القضائي الذي صدر الشهر الماضي بمعاقبة مجدي الشافعي مؤلِّف «مترو» والناشر محمد الشرقاوي، والقاضي بتغريم كلٍّ منهما خمسة آلاف جنيه، ومُصادَرَة النُّسَخ المتوافرة من الرواية. ورأى مشاركون في التقرير ان حكم محكمة القضاء الإداريِّ في القاهرة القاضي بإلغاء قرار الإدارة المركزية للرقابة على المصنفات الفنية في وزارة الثقافة، الداعي الى إرجاء مَنح الترخيص لتصوير فيلم «الرئيس والمشير»، إلى حين موافقة الاستخبارات العامة والعسكرية، هو بادرة طيبة داعمة لحرية الإبداع. ودعا التقرير المُهتمّين بمجال حرية الفِكر والإبداع الى دراسة مُختَلَف الأحكام القضائية التي صدرت فيها أحكام مُسانِدَة لحرية الفِكر والإبداع، بغية إيجاد حالة من الوعي القانونِيِّ في هذا المجال.