«اريدكم ايها الرفاق ان تتصوروا العالم من دون ادولف هتلر في حال نجحت عمليات الاغتيال التي قام بها عملاء بريطانيون عامي 1938 و 1939. وقد توقفت بسبب حملات المعارضين الذين احتجوا على هذا الاسلوب غير الحضاري وغير الديموقراطي. ولكنني اذكّر بأن وقف تلك العمليات كلف العالم ملايين القتلى بينهم ستة ملايين يهودي». بعض المعلقين في اسرائيل نشر هذه الفقرة من الخطاب الذي ألقاه وزير الزراعة في حكومة مناحيم بيغن، ارييل شارون عندما ايد قرار رئيس الحكومة بضرورة تسديد ضربة وقائية استباقية لمفاعل «تموز» العراقي (1981). بينما قارن البعض الآخر بين الرئيسين صدام حسين ومحمود احمدي نجاد، معتبراً ان السلاح النووي في يدي اي منهما سيرعب زعماء المنطقة ويجعلهم رهائن تبحث عن منقذ. ولم تكن هذه المقارنة سوى ذريعة تحريض تهدف الى تبرير عملية ضرب المفاعل النووي الايراني، مثلما حرض شارون سابقاً على ضرب مفاعل «تموز» العراقي قبل سنة تقريباً من موعد صنع القنبلة. واستند المحللون والمحرضون الى تصاريح احمدي نجاد الداعية الى ضرورة تصحيح الاخطاء التاريخية التي زرعت دولة صهيونية وسط محيط لن يقبلها. وكان الرئيس الايراني قد دافع عن اقتراحه أمام الجمعية العامة بالقول انه لا يطالب بتدمير اسرائيل، بل بإيجاد وطن في اوروبا لشعب اضطهده الالمان الاوروبيون وليس عرب فلسطين. فالظلم، بحسب رأيه، لا يعالج باقتراف ظلم آخر نحو شعب مسالم بريء. وهو يرى ان الدول المستفيدة من إبعاد اليهود عن اراضيها، قد حرفت اقواله من اجل غايات مبيتة، وجعلت من مسألة بناء مفاعل للأغراض السلمية، قضية سياسية جديدة تلهي بها المجتمع الدولي. علماً ان واشنطن هي التي شجعت الشاه على بناء مفاعل بوشهر عندما اختاره هنري كيسنجر حارساً لآبار نفط الخليج. في احتفالات عيد الثورة الايرانية، اعلن الرئيس احمدي نجاد ان بلاده بدأت انتاج اليورانيوم المخصب بنسبة 20 في المئة. كذلك صرح وزير الدفاع احمد وحيدي، بأن طهران على وشك صنع صواريخ اعتراض تساوي السلاح الروسي ارض – جو «اس – 300» قوة وفاعلية. واعتبر هذا التصريح بمثابة رد غير مباشر على موسكو التي رفضت تزويد ايران هذا السلاح. وقد اتخذ الكرملين هذا القرار قبل زيارة نتانياهو لروسيا، وقبل الوعد الذي اعطاه الرئيس ديمتري مدفيديف بأنه لن يزود اعداء اسرائيل بالسلاح الروسي. والسبب ان بوتين تلكأ في اتخاذ قرار نهائي في هذا الشأن خوفاً من خسارة الارباح التي تجنيها روسيا من ايران ثمناً لصفقات ضخمة من الاسلحة. ولما تم التعويض عن ذلك بشراء اجهزة دفاع جوي بمبلغ بليوني دولار دفعتها دولة خليجية، تبدلت لهجة المسؤولين الروس. وقال بوتين لنتانياهو انه لا يؤمن بجدوى العقوبات المشددة في مجال مشتقات النفط، لأن الضرر سيلحق بالشعب الايراني وليس بالنظام. ومع انه وعد بعدم تسليم طهران صورايخ «اس – 300»، الا انه اعترف بمواصلة بيعها اسلحة دفاعية. وهنا يختلف الخبراء العسكريون حول الفرق بين مهمات الاسلحة الدفاعية والهجومية. المهم في الامر ان الادارة الاميركية تعمل بالتنسيق مع قادة الحلف الاطلسي، على بلورة مشروع قرار عقوبات اقتصادية في حال رفضت طهران التجاوب مع مطالب الاسرة الدولية في شأن السلاح النووي. وقد استبقوا هذا الامر بنشر منظومة دفاعية متطورة في منطقة الخليج، مضادة للصواريخ الباليستية التي تملكها ايران. كذلك نشر الاميركيون وسائلهم الموزعة فوق الاراضي الاسرائيلية. وقد قام الشهر الماضي بتفقد هذه الوسائل نائب قائد القطاع الاوروبي في الجيش الاميركي الجنرال جون غاردنر. وحرص اثناء جولته في اسرائيل على زيارة عناصره التي تشرف على تفعيل الرادار المسمى «العيون الزرق». وهو اسم مشفر اطلق على منظومة الرادارات التي نصبها الاميركيون فوق جبل الكرمل. وتتولى هذه «العيون» مهمة مراقبة الجنوب اللبناني، اضافة الى العمق الايراني، على ان تتولى الاقمار الاصطناعية عملية نقل الانذار عند اطلاق الصواريخ الباليستية باتجاه اسرائيل. ومعلوم ان هذه المنظومة نصبت بأمر من الرئيس جورج بوش قبل انتهاء ولايته. الديبلوماسية الاميركية تنشط خلال هذه الايام، من اجل تليين موقف «الجوزة الصلبة» الممثلة بالصين. وتقول بكين ان من الافضل اعطاء طهران فرصة اضافية قبل فرض الحصار الاقتصادي – العسكري. وهي متضايقة من استفزازات الادارة الاميركية التي بدأت بتسليح تايوان وانتهت باستقبال الدالاي لاما في البيت الابيض. وربما توقعت ان تطلب وزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كلينتون من السعودية التدخل مع بكين على اعتبار ان وارداتها النفطية للصين تصل الى 20,5 بليون دولار، اي اكثر من ايران (11,3) وأنغولا (10,8). ولكن هذا الطلب لم يعرض بخلاف ما اشار اليه المعلق لاكلان كارمايكل في صحيفة «الصن». وفي انتظار الجواب النهائي الذي تعدّه الصين، باشرت الولاياتالمتحدة تعزيز دفاعات الخليج لمواجهة اي هجمات صاروخية محتملة عبر نشر بوارج وصواريخ اعتراضية في اربع دول هي: قطر والإمارات العربية المتحدة والكويت والبحرين. وفي واشنطن بدأت الادارة تسريب اسماء بعض الشركات التي يملكها اشخاص من «حرس الثورة». وادعت ان بوارج «ايجاكس» المزودة صواريخ «اس ايه – 3» ستقوم بتفتيش كل البواخر المارة في الخليج، وذلك بعد انقضاء المهلة النهائية المحددة بآخر ايار (مايو) المقبل. وقد ردت طهران على هذه التهديدات، بنشر سفن حربية في منطقتي باب المندب ومضيق هرمز. ومعروف ان منطقة باب المندب تربط خليج عدن بالبحر الاحمر حيث الممر الوحيد لأكثر من 35 في المئة من التجارة العالمية. وبما ان قراصنة الصومال وقوات الحوثيين قد حاولت فرض سلطتها على مضيق باب المندب، لذلك ازدادت وسائل الحماية بواسطة السفن الحربية التابعة لحلف شمال الاطلسي. ويبدو ان ايران فضلت نقل المعركة الى مضيق هرمز بدليل ان الجنرال يحيى صفوي اعلن مطلع هذا الاسبوع ان بلاده مستعدة لاغلاق المضيق في حال تعرضها لهجوم من الخارج. وعلق وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل على هذا التصريح بالقول انه يأمل ألا يكون ما قاله مستشار مرشد الجمهورية الاسلامية صحيحاً. «ذلك ان مضيق هرمز لا يخص دولة معينة، وانما هو موقع يخدم مصالح كل شعوب المنطقة. وإقفاله يعرض السلم والامن الدوليين لاخطار يصعب تقدير نتائجها». يوم الاثنين الماضي انضمت روسيا الى الولاياتالمتحدة وفرنسا في حض ايران على وقف تخصيب اليورانيوم بنسبة 20 في المئة. وقد كلف وزير خارجية تركيا احمد داود اوغلو بدور الوساطة مع طهران لعله يقنعها بتعديل برنامجها النووي. ولكن الرئيس احمدي نجاد كرر موقفه الداعي الى مواصلة التخصيب، مؤكداً ان المرحلة لا تفرض عليه مجاملة احد. ومثل هذا الرد المتشدد يوحي بأمرين: اما ان النظام الايراني ألغى اعتماده على الملالي من امثال محمد خاتمي، واختار «الباسيج» وأنظمة الامن بدلاً من الشارع... وإما ان الرئيس نجاد يعرف بواسطة سفرائه، ان ضجيج الاستعدادات العسكرية ليس اكثر من معارك تضليل وتخويف لعله يتراجع عن موقفه. وربما اعانه على اتخاذ قرار الرفض تقرير صادر عن الاستخبارات المركزية الاميركية نشرته «يديعوت احرونوت» وفيه يطمئن اوباما الى ان عام 2010 لن يشهد انتاج قنبلة نووية ايرانية، وأن موعد الانتاج يبدأ منتصف 2011. ومعنى هذا ان لدى اسرائيل الوقت الكافي للانتقال من حرب الديبلوماسية الى حرب فعلية. ولكن هل يعني اطمئنان ايران الى سلامتها وأمن نظامها، ان الحرب بالوكالة لن تنفجر في حال فرض عليها الحصار الاقتصادي براً وبحراً وجواً؟ الجواب لدى الرئيس نجاد الذي اتصل الاسبوع الماضي – اي قبل وصول الوفود الاميركية الى دمشق – بالرئيس بشار الاسد، داعياً اياه للمشاركة في الحرب اذا اعتدت اسرائيل على ايران. وقال له ايضاً: «لدينا معلومات موثوقة بأن النظام الصهيوني يبحث عن طريقة للتعويض عن هزائمه المخزية امام ابناء غزة ومقاتلي «حزب الله». وفي حال كرر اخطاءه وبدأ عملية عسكرية يجب التصدي له بكل قوة بحيث يشهد العالم نهايته الى الابد». دمشق كعادتها آثرت الصمت، وتركت امين عام «حزب الله» السيد حسن نصرالله، يتولى امر الرد على تهديد اسرائيل بقصف البنى التحتية اللبنانية. وفي خطابه يوم الثلثاء الماضي هدد السيد نصرالله بقصف كل بناها التحتية، بدءاً بقطاع الكهرباء... مروراً بمطار بن غوريون... وانتهاء بالشريط السكاني الواقع بين حيفا وتل أبيب. يقول المراقبون الدوليون في جنوب لبنان ان القيادة العسكرية الاسرائيلية مترددة في اتخاذ قرارات متهورة مثلما يفعل نتانياهو، ذلك انها رصدت طوال الاشهر الستة الماضية عمليات تخزين اكثر من ثلاثين الف صاروخ موزعة على 300 مخزن في 160 قرية. هذا، بالاضافة الى الصواريخ التي نقلها القيادي في «حماس» محمود المبحوح، الى قطاع غزة. وحول هذا الاحتمال الطاغي، يقول الجنرال جيمس جونز، ان سماء المنطقة ستضاء بأنوار الصواريخ، خصوصاً ان الحروب الكبيرة لم تعد مسموحة، الامر الذي يستعاض عنه بافتعال الحروب الصغيرة. * كاتب وصحافي لبناني