يفسح قرار الولاياتالمتحدة بالتخلي عن برنامج العودة الى القمر، المجال أمام الصين لتكون الأمة المقبلة التي تغزو التابع المنير للارض, ما يعتبر نصراً رمزياً لبرنامج أكثر تقشفّاً وبراغماتية من نظيره الاميركي. ففي مطلع الشهر الجاري، أعلن الرئيس الأميركي باراك أوباما اعلن عزمه التخلي عن برنامج "كونستيليشن" (وترجمتها "كوكبة النجوم") المرتفع الكلفة، الذي أطلقه سلفه الرئيس جورج بوش. وتبلغ موازنة "كونستيليشن"، الذي يتضمن العودة للقمر واستعماله منصة لغزو الفضاء، أكثر من عشرة مليارات دولار، ما يقارب عشرة أضعاف موازنة برنامج الفضاء الصيني، بحسب ارقام رسمية في الجانبين. وإذا وافق الكونغرس على مشروع أوباما لموازنة العام 2011, فان الاميركيين لن يعودوا الى القمر في مستقبل قريب، علماً بأنهم نظموا ست رحلات اليه بين عامي 1969 1972. وفي الصين، لم يصدر رد فعل من أي مسؤول حيال ما أعلنه أوباما، كما تجنب الخبراء الخوض في تحليل أثر ذلك التخلي على الصين. وقال فو سونغ من "مدرسة علوم الفضاء" في "جامعة شينغهوا" ببيجين: "لا يمكننا ان نقول ان القرار الاميركي بوقف برنامج العودة الى القمر، يمنح أفضلية للصين, كما لا يمكننا بالتأكيد القول بأن الصين لحقت فضائياً بالولاياتالمتحدة". واضاف: "ستتابع الصين في هدوء برنامجها المقرر لاستكشاف الفضاء". وتبنى الصينيون مقاربة براغماتية جداً في غزو الفضاء، منذ ان اطلقوا برنامجاً لإرسال مركبات مأهولة الى الفضاء الخارجي، في العام 1992 ، اعتمادا على تكنولوجيا روسية. ولم ترسل بكين أول روادها الى الفضاء الا في 2003 لتصبح ثالث بلد يقوم بذلك بعد الولاياتالمتحدة وروسيا. وأوضحت ايزابيل سوربي-فيرجي المُديرة في "المركز الوطني للبحوث العلمية" بفرنسا، وهي إختصاصية في برنامج الفضاء الصيني: "ان برنامج بيجين في الفضاء غير مكلف نسبياً، ومحستب بعناية لجهة العلاقة بين التسيير الذاتي والنجاعة والاستقلالية". ولا يتضمن البرنامج الصيني لغزو القمر موعداً دقيقاً لارسال رائد فضاء إليه. ويشير مهندسون الى إحتمال حدوث ذلك الأمر في العام 2020 ، خصوصاً إذا نجحت الصين في إرسال صاروخ غير مأهول الى القمر قبل 2013. ولاحظ بيتر كوغلاي المتخصص في شؤون الصين في "مركز سي ان ايه" الأميركي للبحوث أنه: "حتى لو لم يهبط الصينيون على القمر بحسب الجدول المقرر, فان أكثر ما يهم الحزب الشيوعي الصيني هو الخبرة التقنية المكتسبة وتعزيز صورة وطنهم". ويرى كثير من الخبراء، أن زمن السباق لغزو الفضاء قد ولى، بعد ان استعر في ستينات القرن العشرين وسبعيناته، بفضل سباق محموم بين الولاياتالمتحدة والاتحاد السوفياتي، جاء في سياق مواجهة ايديولوجية وتكنولوجية للهيمنة على العالم. وقال جيمس لويس من "مركز البحوث الاستراتيجية والدولية" في واشنطن: "على وجه العموم، تتخلف الصين عن الولاياتالمتحدة من في التكنولوجيا والحضور في الفضاء. وتشغّل الولاياتالمتحدة عشرات الاقمار الصناعية، اما الصينيون فلا يشغلون الا بضعة منها". واضاف: "يتعلّق القلق الحقيقي بالتوجه العام، إذ تتزايد القدرات الصينية في صورة مطردة، في حين يبدو ان الاميركيين عالقون في وضع صعب، على رغم مليارات الدولارات التي انفقوها". وعلى رغم ذلك، من المستطاع النظر إلى هذا الوضع باعتباره يسجّل صعوداً متنامياً للصين، كقوة من الطراز الاول في مواجهة الولاياتالمتحدة. وقال لويس: "أرى في ذلك تأكيدا لأفول نجم الولاياتالمتحدة. ربما يكون أيضاً تراجعاً مؤقتاً ناجماً عن الاخطاء الكثيرة التي ارتكبت في ظل إدارة بوش". وقد يتخذ مشي اول رائد فضاء صيني على سطح القمر شكل الانجاز غير المسبوق في بلاد "العم ماو". وقالت سوربيس-فيرجي: "في العام 1969 لم يكن عدد الصينيين الذين يشاهدون التلفزيون كبيراً، وبالتالي فان مشاهدة صيني يمشي على سطح القمر، سيشكل حدثاً غير مسبوق بالنسبة اليهم... فالانجاز الاميركي الاول ليس محفوراً في الذاكرة الصينية".