لا يعني القرار الذي اتخذه رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع بعدم المشاركة في الحوار الذي دعا اليه رئيس المجلس النيابي نبيه بري بعد غد الأربعاء إلا في حال عودة «حزب الله» عن مقاطعته لجلسات انتخاب رئيس جمهورية جديد للبنان، انه على خلاف استراتيجي مع حلفائه في «قوى 14 آذار» الذين أجمعوا في اجتماع قيادي عقد أخيراً للتشاور في الموقف من الحوار على أن البحث يجب أن يكون محصوراً في بند انتخاب الرئيس وان لا شيء آخر يستدعي منهم الاستمرار فيه خصوصاً إذا تم ترحيل البند الرئاسي لمصلحة البنود الأخرى. وقال مصدر قيادي في «14 آذار» ل «الحياة» ان حلفاء جعجع لم يفاجأوا بقراره عدم المشاركة في الحوار، لكنهم ارتأوا ضرورة إعطاء فرصة جديدة لعلها تدفع هذه المرة في اتجاه فتح ثغرة في جدار الأزمة اللبنانية تقود الى التوافق على ضرورة الإسراع في انتخاب الرئيس الجديد باعتبار ان تعذر انتخابه لم يعد يحتمل لأن البلد يقف على حافة هاوية انحلال الدولة بكل مؤسساتها وان المفتاح لوقف الانهيار السياسي والاقتصادي يكمن في تهيئة الأجواء لانتخاب الرئيس. وأكد المصدر نفسه أن لا اختلاف بين مكونات «14 آذار» على الموقف الذي تتخذه في حال تبين لها ان المراوحة في الحوار ستكون سيدة الموقف وان لا جدية في السعي الى انتخاب الرئيس وبالتالي ستضطر الى تعليق مشاركتها فيه. ونقل المصدر عينه عن رئيس حزب «الكتائب» النائب سامي الجميل قوله في الاجتماع التقويمي لقيادات «14 آذار» : «ان عدم تأمين حل لمشكلة النفايات هذا الأسبوع سيضطرنا الى تعليق مشاركتنا في الحكومة، كما ان تعذر التفاهم على أولوية انتخاب الرئيس سيضطرنا الى اتخاذ موقف من الحوار يقضي بالامتناع عن المشاركة فيه». وسأل المصدر عن السبب الذي يمنع رئيس الحكومة تمام سلام من ان يبادر في مستهل انعقاد الجلسة الأولى للحوار، وفي حال عدم التوصل الى تفاهم على آلية لجمع النفايات وطمرها من خلال انعقاد جلسة طارئة لمجلس الوزراء في الساعات المقبلة، الى الضرب على الطاولة مخاطباً المشاركين: «انكم جميعاً مع بقاء هذه الحكومة وتعارضون تحويلها حكومة تصريف أعمال أو للإشراف على ادارة الأزمة ولهذا أطلب منكم الآن وقبل أن نباشر البحث في جدول الأعمال التوافق على تأمين مطامر لطمر النفايات وبصورة مؤقتة الى حين التوافق على إيجاد حلول جذرية لهذه الأزمة الخانقة التي كانت وراء اتساع رقعة الحراك الشعبي». ورأى المصدر ان في وسع سلام ان يحشر الجميع في الزاوية، لا سيما ان معالجة ملف النفايات لم تعد تعنيه فحسب، وانما تحولت أزمة سياسية لأن كل فريق يحيل المشكلة الى الآخر بدلاً من التعاون لتأمين مطامر مؤقتة لطمر النفايات. واعتبر ان المبادرة الآن، والى حين بدء الحوار، هي بيد سلام وان تأخير الاتفاق على المطامر سيؤدي الى إغراق البلد في النفايات، خصوصاً انه سيفقد هذه المبادرة بسبب انشغال المشاركين في الحوار في مواضيع أخرى مع انها ليست ملحة باستثناء انتخاب الرئيس الذي يعيد انتظام المؤسسات لتولي اهتمامها لإدارة شؤون الناس وتوفير الحلول لمشكلاتهم التي لن تجد مكاناً لها على طاولة الحوار. موقف «المستقبل» وفي هذا السياق قال قيادي بارز في تيار «المستقبل» ل «الحياة» ان التجارب السابقة في الحوار لم تكن مشجعة لأن ما جرى التوافق عليه اصطدم بمعارضة من قبل أطراف كانوا أجمعوا على ضرورة تنفيذه لكنهم سرعان ما انقلبوا على موافقتهم لأسباب خارجة عن إرادة الغالبية العظمى من اللبنانيين. وأضاف ان «المستقبل» لن يرفض المشاركة في الحوار لأنه من دعاته ولا يملك مشروعاً خاصاً به غير مشروع الدولة و»بالتالي استجبنا لدعوة الرئيس بري للحوار لأنه يتميز عن حليفه «حزب الله» لجهة تمسكه بتطبيق اتفاق الطائف وعدم مشاركته في القتال في سورية الى جانب رئيس النظام السوري بشار الأسد واصراره على تلبية الدعوات لانتخاب رئيس جديد اضافة الى اختلافه مع «التيار الوطني الحر» حول أمور عديدة». ولاحظ المصدر القيادي ان لمشاركة التيار في الحوار حدوداً سيتقيد بها ولن يفرط فيها وأولها انتخاب رئيس جديد لأن هذا البند هو البند التنفيذي الوحيد على جدول أعمال الحوار بينما البنود الأخرى تعتبر تفصيلية ولأن المدخل للتفاهم عليها لن يكون إلا بانتخاب الرئيس. وأكد ان «المستقبل» لن يكون شريكاً في تضييع الوقت، أي لن يسمح بالقفز فوق بند انتخاب الرئيس من دون حسمه بقرار واضح الى البنود الأخرى. وقال: «مشاركتنا تهدف أيضاً الى تظهير موقف الآخرين أمام الرأي العام اللبناني، خصوصاً أولئك الذين يحاولون ربط انتخاب الرئيس تارة بأولوية إجراء انتخابات نيابية بعد وضع قانون انتخاب جديد على أن ينتخب البرلمان الجديد الرئيس العتيد وأخرى بانتخاب الرئيس مباشرة من الشعب». وقال المصدر نفسه ان «كل هذه الأطروحات من خارج انتخاب الرئيس في أسرع وقت ممكن تهدف الى تضييع الوقت ولن نكون شركاء في ترحيل بند الانتخاب وسيكون لنا موقف حاسم في الوقت المناسب». وزاد ان الدعوة الى الحوار ليست للبحث في جنس الملائكة وإنما لإيجاد المخرج الذي من شأنه ان يسرع في انتخاب الرئيس من دون شروط ونقطة على السطر. ودعا الجميع الى تحمل مسؤولياتهم لأن البلد لم يعد يحتمل إطالة أمد الشغور في سدة الرئاسة الأولى وقال: «لن نتحول الى شاهد زور وسنضطر الى اتخاذ موقف يقضي بوقف مشاركتنا فيه، خصوصاً ان البلد بدأ يتفكك بسرعة ومؤسساته الى انفراط في ظل استمرار تعطيل الحكومة وتغييب التشريع عن البرلمان». وفي المقابل سألت مصادر سياسية مواكبة للتحضيرات الجارية لبدء الحوار عن مدى قدرة الرئيس بري على تمديد النقاش حول البند الرئاسي من خلال ابتداع مخارج تبرر إطالته، خصوصاً ان تجاوز هذا البند من دون مقاربته بموقف مشترك يشكل خطاً أحمر من وجهة نظر «14 آذار» التي ستضطر الى تعليق حضورها. أين المناخ الخارجي من الحوار؟ وتوقفت المصادر أمام الإعلان الذي صدر أخيراً عن مجلس الأمن وفيه دعوة الى انتخاب رئيس جديد للبنان في أسرع وقت ممكن، وسألت أين يصرف هذا الإعلان في تسريع عملية الانتخاب باعتبار ان صدوره يلقى دعماً مباشراً من الولاياتالمتحدة الأميركية وروسيا، وهل ستكون له مفاعيله العملية أسوة بالإعلان الذي كان صدر عن مجلس الأمن بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري وفيه اإصرار على إجراء الانتخابات النيابية التي تمت فعلاً في حزيران «يونيو» 2005؟ واعتبرت ان هذا الإعلان، حتى إشعار آخر، والى ان يتبين ان له مفاعيل سياسية ضاغطة على الأطراف المعنية بانتخاب الرئيس لا يمكنها الا الاستجابة الفورية لرغبة المجتمع الدولي، يبقى في حدود الدعم المعنوي للجهود الرامية الى إنهاء الشغور الرئاسي. وبكلام آخر، رأت هذه المصادر ان مجلس الأمن أراد أن يوجه من خلال اعلانه هذا رسالة معنوية للبنانيين وفيها ان بلدهم لا يزال في بال المجتمع الدولي وان الحرائق المشتعلة حوله لن تشغله عن الاهتمام به. وعزت السبب الى ان الظروف السياسية على المستويين الاقليمي والدولي ليست ناضجة بما فيه الكفاية لمساعدة اللبنانيين على الخروج من المأزق الذي يتخطبون فيه لتعذر انتخاب الرئيس. وقالت ان التواصل القائم بين الولاياتالمتحدةوايران لم يقترب حتى الساعة من اقناع الأخيرة بضرورة الضغط على حليفها «حزب الله» لتسهيل انجاز الاستحقاق الرئاسي. واضافت ان طهران تنتظر حالياً من الرئيس الأميركي باراك أوباما ان ينجح في تمرير الاتفاق النووي في الكونغرس وان الإدارة الأميركية تراقب التزام ايران بتطبيقه ليكون في وسعها استرضاء خاطر حليفتها اسرائيل. وكشفت هذه المصادر ل «الحياة» ان جهات فاعلة في طهران تبدي استعدادها للتعاطي بليونة مع الملف الرئاسي، لكن هذا الاستعداد لا يزال في طوره الأول ولا يعدو كونه «إعلاناً للنيات»، تحاول فرنسا تطويره الى موقف عملي يقود حتماً الى الافراج عن «الملف الرئاسي»، على رغم ان مصادر أخرى تعتبر ان الوضع في سورية لا يزال يتقدم على الوضع في لبنان. وتبرر هذه المصادر الاهتمام الإيراني بالملف السوري كأولوية في الوقت الحاضر بقولها ان طهران تستثمر حالياً بالمعنى السياسي في لبنان وسورية والعراق واليمن وبالتالي باتت على قناعة بأن النظام السوري لم يعد قادراً على الحياة لكنها تتطلع الى تدعيم موقفها في لبنان تعويضاً لها عن موقعها الحالي في سورية. وتضيف ان «حزب الله» وان كان يجاهر بتأييده العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية فإنه لن يتزحزح عن موقفه هذا، على الأقل في المدى المنظور ما لم يكن على بيّنة من موقعه السياسي ودوره قبل انتخاب الرئيس وهذا ما يعزز الاعتقاد برغبة البعض في ادخال تعديلات دستورية على النظام اللبناني. لذلك، فإن الحوار بصيغته الجديدة سيكون نسخة طبق الأصل عن حوار «المستقبل» - «حزب الله» الذي أريد منه خفض منسوب الاحتقان المذهبي والطائفي ما لم تتأمن له حاضنة دولية اقليمية تؤهله ليكون خلافاً للحوارات السابقة التي بقيت معظم قراراتها حبراً على ورق. اقتراح هيل «الوداعي» وعليه، لا بد من التمعن في الاسباب التي كانت وراء إعادة تحريك الجهود لترقية بعض الضباط من رتبة عميد الى لواء ومن بينهم قائد فوج المغاوير العميد شامل روكز، وقد تبين من خلال رصد الجهود الرامية الى تسويق مثل هذا الاقتراح ان السفير الأميركي في لبنان ديفيد هيل هو من نصح بوجوب استرضاء العماد عون اعتقاداً منه انه سيتهيب الموقف ويفتح الباب أمام البحث عن رئيس جمهورية توافقي يكون مدخله في عزوف «الجنرال» عن الترشح في مقابل التعامل معه على أنه أحد صانعي الرؤساء. ويظن هيل من خلال اقتراحه هذا انه يمكن الحكومة من أن تستعيد عافيتها وفاعليتها لأن البلد لا يحتمل تعطيلها في وقت أخذ الحراك الشعبي يتصاعد، كما انه يعتقد انه أسهم في تهدئة الوضع قبل أن يودع لبنان نهائياً، على رغم انه كان يتمنى ان ينتخب الرئيس وهو لا يزال سفيراً، لكنه اصطدم بإصرار عون على الترشح للرئاسة بصرف النظر عن استرضائه بترقية روكز أو لا.