تُفتتح اليوم في اسطنبول، الدورة الثالثة لمعرض «ART INTERNATIONAL» المخصّص للفن المعاصر والحديث، الذي يضمّ 87 داراً فنية من 24 دولة. وتقام على هامشه، لقاءات ومحترفات وعروض فنية موازية. وللمناسبة، أجرت «الحياة» حواراً مع مديرة المعرض ديالى نسيبة، المتخرجة في جامعة كامبردج وكلية كريستيز للتربية في لندن، وكانت لها باع طويلة في إدارة المعارض الفنية في الشرق الأوسط، وعملت مع غاليريات عالمية مثل «ساتشي» في لندن. لماذا اخترتم اسطنبول لهذه المنصة؟ - طلبت منّي ساندي أنغوس، وهي من مؤسسي المعرض، أن أجري أبحاثاً عن احتمال تنظيم معرض في اسطنبول في العام 2010. فحققت مطلبها. وقد أذهلها عدد الغاليريات التي أطلقت برامج مثيرة للاهتمام، والمساحات العامّة المموّلة من القطاع الخاص، والمبادرات غير الربحيّة، واستوديوات الفنانين، وهواة التجميع المرموقين، ومستوى الأعمال الخيرية الثقافيّة. ووسط مشهد فنّي حافل كهذا، لفتتني على الفور فكرة إنشاء منصّة جديدة لمجتمع الفنون العالمي في اسطنبول. وكانت المزايا الجغرافيّة مهمة، من بينها مثلاً أنّ اسطنبول تبعد أقل من أربع ساعات طيران من خمسين دولة. وقد أشارت هذه العناصر كلّها، إلى أن اسطنبول مدينة يمكن أن يزدهر فيها معرض مخصّص للفن المعاصر. تزخر اسطنبول في السنوات الأخيرة بفعاليات ومعارض تشكيلية ضخمة تتطوّر سنة بعد سنة، مثل «بينالي اسطنبول» و «CONTEMPORARY ISTANBUL» وغيرهما. ماذا يقدم معرضكم وسط هذا الكم من المعارض، من جديد ومميز؟ وكيف يخدم الارتقاء بالفن ونموّ سوقه وزيادة الوعي المجتمعي به؟ - شكّل التنويه الدولي ب «بينالي اسطنبول» أحد العناصر الأساسيّة التي شجّعتنا، ذلك المعرض الذي أطلقته بيرال مادرا في العام 1987، والمعروف بمساهمته في ازدهار ساحة الفنون المعاصرة محلياً في الشكل الذي نعرفه اليوم، وباستقدامه قيّمين فنّيين دوليّين أمثال دان كاميرون ورينيه بلوك، وبتطويره شبكة دوليّة جعلت اسطنبول من المراكز الرئيسية في عالم الفنون. ومع أن الأعمال التي نراها في معارض البينالي غالباً ما تموّلها الغاليريات، ليباع بعد ذلك قسم كبير منها، تصنّف معارض البينالي هذه ذاتها على أنّها غير تجاريّة. أمّا نحن في المعارض فمختلفون عنها في معظمنا، بالنظر إلى أنّنا نتمتع بطابع تجاري، وإلى أنّ الغاليريات تشارك في المعارض لبيع أعمالها. واليوم، تبيع بعض الغاليريات ما بين 60 و70 في المئة من أعمالها عبر معارض فنية بدلاً من أن تفعل في صالاتها، ما يجعلنا منصة مهمة لها. وما يجعلنا مختلفين عن معارض الفنون المحلية الأخرى، على غرار معرض الفن المعاصر، هو سعينا الدائم الى الحفاظ على النوعية، إذ لدينا لجنة اختيار تراجع الطلبات، للتأكد من أن الغاليريات المشاركة تلتزم معياراً محدّداً. هنا يكمن مصدر اختلافنا. وهنا تكمن أهمية المعارض في مجتمع الفنون، كونها تؤدي دور المنصة التي تصل الناس بعضهم ببعض، فتربط مثلاً الفنانين الأتراك بغاليريات دولية أو هواة التجميع العالميين بغاليريات محلّية. ونرى إذاً، أنّ هذه المنصّة تسمح بتوليد عدد كبير من الشراكات المثمرة. كثرت المعارض التشكيلية، خصوصاً المعاصرة، في العالم. وفي أوروبا، يدور النقاش حول دورها الحقيقي والتطويري بعيداً من الأرباح والتجارة والمضاربات. فهل ترين أننا في حاجة إلى مزيد من المعارض؟ أليس الأجدى دعم الإنتاج الفني وافتتاح مدارس ومتاحف فنية؟ - الإجابة هي نعم، فإن كنت أسعى الى ترك تأثير ملحوظ في مستوى الحكومة أو الأعمال الخيرية، فلا شكّ في أن مدارس الفنون والمتاحف تتمتّع بقيمة ضمنية أكبر بالنسبة إلى الأجيال القادمة. لكن المعارض تستقدم شبكات دوليّة وتصلها بقطاع الفنون المحلّي، ما يأتي بالمنفعة على مجتمع الفنون المحلّي. ويتمتع المعرض عادةً، ببرنامج فني ذي مضمون يتخطّى المعايير المعتمدة للبيع في الغاليريات، بما يشمل مثلاً عروضاً وتجهيزات فنية ولقاءات ومحاضرات تجعل المعرض غنياً بالمضمون، في ما قد يشكّل فرصة ممتازة ومنصّة للفنّانين أيضاً. وبالتالي، تحصل في المعرض أمور كثيرة تتخطى نطاق المبيعات الفنية المباشرة، يجدر الالتفات إليها ردّاً على هذا السؤال. لديكم هذا العام 87 غاليري من 24 دولة. ما حجم المشاركة العربية؟ - للأسف، ما من غاليريات عربية بينها! لدينا غاليري «آثار آرت» من إيران، كما أن عدداً من الغاليريات الأخرى المشاركة لدينا تعرض أعمال فنانين شرق أوسطيين وإيرانيين، على غرار غاليري Officine dell Immagine التي تعرض أعمال جوهر دشتي، أو Galeri Zilberman التي تعرض أعمال وليد سيتي. وبدورها، تستثمر مؤسسة «ستارت» الخيرية في دبي، معرضنا كمنصة لتعزيز الدعم المقدّم لأعمالها الخيرية في المنطقة، عبر بيعها أعمالاً فنية في المعرض. وأتمنى رؤية مشاركة عربية أكبر في دورات المعرض المستقبلية. ما هي المعايير التي اعتمدتموها لمشاركة هذه الغاليريات؟ وما الذي يجمع بينها؟ هل ثمة تيمة أو موضوع محدّد للأعمال المشاركة؟ - تقدّم الغاليريات طلباً للمشاركة في المعرض باعتماد مفهوم الزاوية الخاضعة للرعاية الفنية، أو ذكر قائمة من الفنانين الذين ترغب في عرض أعمالهم. وبعد ذلك، نجتمع بلجنة الاختيار لمراجعة الطلبات. ونقبل بالطلبات أو نرفضها استناداً إلى نوعيّة العرض، علماً أنّه ما من موضوع شامل للمعرض. إلا أننا نتعاون مع أطراف مختلفة لإطلاق عناصر جديدة كل عام. وعلى سبيل المثال، سمح تمويل حكومة كاتالونيا بمشاركة 12 صالة من برشلونة للمرة الأولى. يشهد العالم اليوم أزمات مالية كبرى، كما أنّ الدول المنتجة للنفط، التي نشطت أخيراً في أسواق اقتناء أعمال الفن التشكيلي، تشهد بدورها انخفاضاً في العائدات النفطيّة. فهل يؤثر ذلك في سوق اقتناء الأعمال الفنية؟ - تقلّصت موازنات الاستحواذ في الشرق الأوسط، الأمر الذي أثّر وسيبقى يؤثّر في السوق في شكل ملحوظ. وتُعتَبر قطر من أبرز المشاركين في عالم الفن التشكيلي المعاصر، وقد خفّضت إنفاقها في شكل ملحوظ خلال هذه السنة، في حين أنّ أبو ظبي تعمد هي التالية، إلى مراجعة موازناتها. عالم الفنون يتمتع ببيئته الخاصة، لكنه متّصل أيضاً بالاقتصاد العالمي على نطاق أوسع. ومع ذلك، لا تزال دور المزادات تسجّل أرقام مبيعات قياسية، لأنّ الأعمال العظيمة ستباع بغضّ النظر عن الظروف. زار معرضكم العام الماضي، 22 ألف شخص. ماذا تتوقعون هذا العام؟ هل سيتضاعف العدد؟ وما هوية هؤلاء الزوار؟ - لدينا هذه السنة عدد كبير من الزوار الدوليين، وأعتقد أن عددهم يزيد عمّا كان عليه في النسخة الماضية من المعرض. إلا أن المدارس الحكومية لم تفتتح أبوابها بعد لبداية السنة الدراسيّة في اسطنبول، وبالتالي بعض السكّان لم يعودوا إلى المدينة بعد العطلة الصيفيّة. وأتوقع قدوم نحو 25 ألف زائر، وزواراً أجانب أكثر من الماضي.