من دون العقاب القاسي للمتسبب وتشديد النظام سنقف دائماً على حالات غريبة، وقصص تُخْرِجُ الابتسامة جبراً ولكنها في الوقت ذاته تترك أكثر من علامة استفهام لتكرار الحال من دون استيقاظ حل يحفظ الحقوق ويوقف المتجاوز والمستغل عند اللحظة الأولى لتجاهل النظام والالتفاف على نصوصه. القصة الأخيرة كان بطلها شاباً سعودياً عاطلاً مظلوماً يحمل شهادة في أنظمة الشبكات ابتسم له «الحظ» - للمرة الأولى - في الحصول على وظيفة، ولكن الحظ كشر عن أنيابه من الجهة الأخرى التي لم تكن ضمن أجندته ولا حساباته، فوجد نفسه على وظيفة سابقة من دون علمه باستثناء أن أرقام بطاقة هويته الشخصية ذهبت لتملأ مربعاً «ما» في ركن «ما» ليصبح صاحبها رقماً «ما» في المسكينة «السعودة». الوظيفة التي وجد نفسه مدرجاً عليها كانت «معلم جَمْر في مقهى شعبي» وهي قريبة من وظيفته التي ينتظرها، وأقصد أنه حلم بأن يصبح معلماً للحاسب وشبكاته فجاد له الزمن بأن يكون معلماً للجمر الذي يشبه مشوار حياته المليء بحبات الانتظار الماضية، انتظر وظيفته سنوات طوال على أحر من «الجمر»، فكان معلماً في مقهى شعبي على أبرد من الثلج، قد تكون نصيحتي الثمينة المهداة لكل شاب سعودي عاطل أن يحافظ على أرقام هويته العَشرَة ويعتبرها أرقاماً سرية كما لو كانت مفتاحاً سرياً للدخول على حساب مغرٍ في بنك، إضافة شاب سعودي لسجل التأمينات الاجتماعية من دون التأكد حتى من مطابقة الوجه وأخذ توقيع عابر هما حلول البدو الأولى كما يقال، فلم تعد تجدي الثقة الممنوحة لكل من هب ودب للتفاعل مع معضلة «السعودة» التي يعتبرها جزءاً من قومي مثل الشوكة في الحلق، تعالج بأقرب بطاقة شخصية وإدخال رقمي عبر أسهل شاشة لتنتهي القضية. هذا الشاب كان سليماً صحيحاً معافى يعادل في نظام العمل سعودياً واحداً، لكن ألا يدور في رؤوسكم كما يدور في رأسي، اعتقاداً بأن هناك عدداً من ذوي الاحتياجات الخاصة تم الاستفادة من هوياتهم الشخصية لتفادي العقبات؟ إذا ما علمنا أن السعودي في هذه الحالة يعادل ثلاثة أصحاء، وقوفاً مع حالته وتشجيعاً لأهل المال والعمل في استقطاب ودعم هذه الفئة بتخفيف العبء الذي يقع عليهم بطريقة ذكية. لن يقف أمام هذه الألعاب الفردية سوى وقفة صارمة وحساب شديد عن المسبب والمتساهل والكسول والقافز، ثم تعويض للشاب عن كل يوم كان يحسب فيه كموظف رسمي براتب شهري، لم يحدث أن ذهب لجيبه يوماً واحداً، لتُوقَفْ المؤسسة التي اقترفت الخطأ ولو لبضعة أشهر، فاستغلال الناس ليس لعبة، إنه من السوء بمكان، وقد يكون التصحيح الأول للقضاء على «السعودة الوهمية» هو العقاب بالاسم والخطأ، من أجل ألا يصبح لدينا معلمون قادمون للجمر من دون أن يعلموا أو حتى يتعرفوا على موقع العمل الجديد وفنونه. وبالطبع يستحق كل شاب تعرض لمثل هذا الموقف حقاً مادياً ومعنوياً، نظراً للتعدي الفاضح على هويته وإضاعة مستقبله، وينتظر إرضاءً وإقناعاً كاملين لا إسكاتاً وتطميناً موقتاً ينتهي إلى ما يعرف محلياً ب «لا شيء». [email protected]