أكدت هيئة الإحصاء ووزارة العمل الأميركيتين في الإحصاءات النهائية لحركة التجارة في 2009، أن الولاياتالمتحدة خرجت من أسوأ ركود وأزمة مال بمكاسب ضخمة غير متوقّعة، بعدما قلصت عجزها التجاري ومعه عجز ميزان مدفوعاتها الخارجية إلى ما دون المستوى الذي يعتبره الاقتصاديون الحد الأدنى المستدام. في المقابل شهد الفائض القياسي الذي حققته الدول العربية في تعاملاتها التجارية مع أميركا في 2008 انكماشاً قاسياً نسبته نحو 75 في المئة. وأرجع وزير التجارة غاري لوك المكاسب المحققة على صعيد العجز التجاري العام الماضي إلى ازدياد الصادرات الأميركية في كانون الأول (ديسمبر) 3.3 في المئة للشهر الثامن على التوالي، مشدداً في بيان عقب صدور التقرير التجاري الأربعاء على «حاجة أميركا إلى مضاعفة جهودها لتعزيز تنافسية سلعها وخدماتها من أجل تحقيق الهدف الذي أعلنه الرئيس باراك أوباما في خطابه الأول عن حالة الاتحاد بمضاعفة صادراتها في السنوات الخمس المقبلة». ولم ينجُ هدف مضاعفة الصادرات، ما أطلق عليه اسم «مبادرة التصدير الوطنية،» من الشكوك والمحاذير، فقد لفت محلل اقتصادي في مركز البحوث الأميركي «مجلس العلاقات الخارجية» إلى أن «مفتاح» مبادرة أوباما التجارية والمتمثل في نمو الصادرات بنسبة 15 في المئة سنوياً تحقق فعلاً في فترتي منتصف سبعينات القرن الماضي وتسعيناته، موضحاً أن هذا النمو العالي الوتيرة كان «سراباً» إذ نجم عن ارتفاع معدل التضخم في الفترة الأولى وانخفاض القيمة الشرائية للدولار في الفترة الثانية. وقلص الركود وأزمة المال العجز التجاري الأميركي إلى 380 بليون دولار في 2009 من 696 بليوناً في 2008 و760 بليوناً في 2006. وكنسبة مئوية من الناتج المحلي انخفض العجز من 6 في المئة في 2006 إلى 4.8 في المئة في 2008 ومن ثم إلى 2.7 في المئة في 2009. وما يعنيه ذلك أن عجز ميزان المدفوعات الأميركي تراجع إلى ما دون المستوى المستدام فيما انخفضت حاجة أميركا إلى الاقتراض لتغطية العجز التجاري إلى النصف بعدما تجاوزت تريليوني دولار يومياً قبل الأزمة. ونجم انحسار أخطار عجز الحساب الجاري، في معظم الحالات، عن تراجع حاد في واردات أميركا وتراجع أقل حدة في صادراتها وتفاوتت أحجام التراجع حتى في حال كبار الشركاء التجاريين إذ انخفض العجز مع كندا العام الماضي بنحو 60 بليون دولار إلى 20 بليوناً، ولعبت الواردات الدور الأهم في انكماش العجز مع الصين بمقدار 40 بليوناً إلى 227 بليوناً بينما هبط العجز مع الاتحاد الأوروبي بنحو 30 بليوناً مستقراً عند 60 بليوناً. لكن النفط ساهم بنحو نصف الانخفاض الإجمالي في العجز التجاري الأميركي بعدما هوت قيمة فاتورة ورادات النفط الخام الأميركية إلى 189 بليون دولار مقارنةً مع 342 بليوناً في 2008، بوفرٍ يتجاوز 150 بليوناً. ولم ينعكس ذلك سلباً على الفائض التجاري للدول العربية المصدّرة للنفط فحسب بل امتد ليطال الفائض التجاري للدول العربية التي ترتبط بعلاقات تجارية مع الولاياتالمتحدة. وتراجعت القيمة الإجمالية للتجارة العربية الأميركية 25 في المئة منخفضة من مستوى قياسي 165 بليون دولار في 2008 إلى 123 بليوناً في 2009. وسجلت الصادرات العربية انكماشاً حاداً على العكس تماماً من الواردات العربية، فبينما انخفضت الصادرات من 116 إلى 55 بليوناً وبنسبة 53 في المئة قفزت الواردات من 49 بليوناً إلى 67 بليوناً وبنسبة 38 في المئة. وفي المحصلة انخفض الفائض التجاري العربي 74 في المئة من 45 بليوناً إلى 12 بليوناً. وعكس تراجع الفائض التجاري العربي هبوط فائض الدول العربية المصدرة للنفط من 67 بليون دولار في 2008 إلى 31 بليوناً في 2009. وجاء الانخفاض في الفائض التجاري السعودي أكثر حدة إذ ساهم ارتفاع واردات السعودية بنسبة 13 في المئة (إلى 11 بليوناً) وتراجع صادراتها بنسبة 60 في المئة (إلى 22 بليوناً) في انخفاض فائضها من 42 بليوناً إلى 11 بليوناً وبنسبة كبيرة بلغت 74 في المئة.