تعتمد الحكومات في شكل كبير على السياستين النقدية والمالية لتنفيذ سياستها الاقتصادية. وتتعامل السياسة النقدية على الأقل مع ثلاثة جوانب اقتصادية مختلفة هي، تحديد متوسط معدل التضخم، ومواجهة تقلبات دورة الأعمال على مستوى الاقتصاد ككل، وتحديد سعر صرف العملة المحلية. لكن عندما تنضم دولة إلى وحدة نقدية مع دولة أخرى أو أكثر، فإنها تخسر استقلاليتها في اختيار معدل التضخم في الأمد الطويل وفي الاستجابة لصدمات دورة الأعمال، بما يتناسب وحاجة الاقتصاد المحلي. كما تثبت عملتها بطريقة لا يمكن تغييرها تجاه عملات الدول الأخرى الأعضاء في الاتحاد النقدي. لذلك يعتبر التخلي عن العملة المحلية لصالح عملة الاتحاد النقدي عملية مكلفة للدولة المعنية لأنها تجردها من استقلالية استعمال السياسة النقدية في الشكل المذكور أعلاه. ولهذا السبب يفترض أن يكون الاتحاد النقدي بين دول تربح الكثير من تبني عملة موحدة ومن استقرار الأسعار النسبية للسلع المنتجة في كل دولة، وتكون كلفة التخلي عن استقلالية السياسة النقدية قليلة لكل منها على حد سواء. وهي في العادة الدول التي لها الأفضلية ذاتها في التغيرات النسبية لمعدلات التضخم والإنتاج، وتكون هياكلها الاقتصادية قريبة من بعضها في شكل كافٍ يضمن أنها تتعرض إلى أنواع الصدمات ذاتها وتستفيد بالمقدار ذاته من السياسة النقدية المطبقة على مستوى الاتحاد النقدي. وأظهرت مفوضية الاتحاد الأوروبي في الفترة الأخيرة قلقها من أن عدم تمكن بعض دول الاتحاد من المحافظة على شروط الوحدة النقدية الأوروبية، قد يعرض هذه الوحدة إلى الانهيار. وتبرز في مقدم هذه الدول، اليونان التي سُلطت عليها الأضواء أخيراً بسبب ارتفاع نسبة حجم الدين العام إلى إجمالي الناتج، إلى 113 في المئة، ونسبة عجز الموازنة إلى 12.7 في المئة في 2009. لكن القائمة لا تقتصر على اليونان بل تشمل دولاً أخرى أعضاء في الوحدة النقدية الأوروبية مثل البرتغال وأرلندا واسبانيا. وتبلغ توقعات نسبة عجز الموازنة في هذه الدول إلى إجمالي ناتجها في عام 2010 ، 14.7 في المئة في أرلندا و12.3 في اليونان و10 في إسبانيا و8 في البرتغال، وهي كلها أكثر بكثير من معدل 3 في المئة المسموح به بموجب «اتفاق ماسترخت» المنظم للوحدة النقدية الأوروبية. والسبب في ذلك أن اقتصادات هذه الدول لا زالت اقتصادات ناشئة وتمر في تغيرات هيكلية يؤمل أن توصلها فيما بعد إلى تحقيق مستويات الإنتاجية والمعيشة ذاتها في دول الاتحاد الأكثر تقدماً. إضافة إلى ذلك فإن تأثيرات الأزمة الاقتصادية العالمية الراهنة والتي تسببت في رفع معدل البطالة في دول الاتحاد إلى 10 في المئة، ليست ذاتها في كل الدول حيث إن وطأتها تبدو جلية في بلد كاليونان، وبدأت تمس استقراره السياسي الهش. وبسبب عضويتها في الوحدة النقدية الأوروبية، تجد هذه الدول نفسها مكتوفة الأيدي لا تستطيع استعمال سياسة نقدية خاصة بها لمواجهة التغيرات الهيكلية التي تمر بها من جهة، ومواجهة تأثيرات الأزمة الاقتصادية الحالية من جهة أخرى. وقد أعلنت المفوضية الأوروبية أخيراً عن قرارها تقديم مساعدة مالية عاجلة إلى اليونان للحد من تأثير الظروف الاقتصادية الحالية عليها، لكن تطالبها في الوقت ذاته بتطبيق إجراءات إصلاحية للحد من ارتفاع عجز الموازنة وإجمالي الدين العام إلى إجمالي الناتج المحلي. لكن يستبعد أن تستطيع هذه الدول الالتزام بإصلاحات، استجابة لمطالب مفوضية الاتحاد. لذلك قد نرى في المستقبل غير البعيد انسحاب بعض الدول من الوحدة النقدية الأوروبية لأجل تبني سياسات نقدية تلائم متطلبات اقتصاداتها المحلية في الأمدين القصير والمتوسط. كما ستؤخر هذه الحالة موافقة مفوضية الاتحاد على انضمام دول وسط أوروبا وشرقها الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، إلى الوحدة النقدية على رغم رغبتهم بالانضمام إليها بسرعة. * كاتبة وباحثة اقتصادية