24 دقيقة كانت كافية لتحول موقف وزير الصحة المهندس خالد الفالح، من «التحذير» إلى «الطمأنة» حول فايروس كورونا، فعلى رغم الفترة الزمنية القصيرة بين التغريدتين اللتين أطلقهما من حسابه الرسمي في «تويتر» أخيراً، إلا أن بوناً شاسعاً حول دلالتها. ودونّ الفالح في الأولى: «كما صرحنا به من وزارة الصحة هناك تفشي لفايروس كورونا وارتفاع عدد الحالات ما زالت واردة، الوضع الحالي يستدعي الحذر من دون الإفراط في القلق». بيد أن الفالح الذي تسلم حقيبة الصحة قبل أشهر، استدرك في تغريدة لاحقة بفاصل 24 دقيقة عن سابقتها، مُدوناً فيها: «أطمنكم بأن الانتشار الحالي محدود نسبياً، كل الحالات التي رُصدت في الرياض أخيراً هي أحادية المصدر، ونسعى بوتيرة متسارعة ومهنية عالية للسيطرة عليها». وكشفت مصادر ل«الحياة» أن الشؤون الصحية في وزارة الحرس الوطني بدأت اتخاذ إجراءات احترازية في فرز الحالات المشتبه بإصابتها بالفايروس قبل وصولها إلى الطوارئ، مبينة أنه تم وضع «خيام» خارج مبنى للطوارئ، للتأكد من الحالات المرضية، وفرزها قبل الدخول. وقالت المصادر: «إن هناك عدداً من الاحتياطات الأمنية، تتزامن مع انتشار حالات الإصابة، تتمثل بقيام رجال أمن يتبعون وزارة الحرس الوطني بمنع أي شخص من الوصول إلى الطوارئ. إلا إذا كانت حالات طارئة خاصة»، مضيفة: «إنه تم تقليص ساعات العمل لمنسوبي المستشفى إلى أربع ساعات ونصف الساعة، بدلاً من الدوام الرسمي السابق البالغ 9 ساعات». وتأتي تلك التطورات في وقت اقتربت فيه الرياض من حاجز ال100 إصابة بفايروس متلازمة الشرق الأوسط التنفسية (كورونا) خلال أقل من شهر، منها 41 إصابة مؤكدة، و12حالات وفاة، سُجلت بعد تغريدتي الفالح، إضافة إلى إغلاق قسمي الطوارئ والعيادات الخارجية في مستشفى الملك فهد بمدينة الملك عبدالعزيز الطبية في وزارة الحرس الوطني، وتحويل عدد من الحالات إلى مستشفيات تابعة لوزارة الصحة في الرياض. ويواصل مركز القيادة والتحكم التابع لوزارة الصحة تسجيل حالات إصابة جديدة، كان آخرها ما رصده البيان اليومي أول من أمس، بتسجيل ست حالات جديدة، جميعها في الرياض، تزامناً مع بدء العام الدراسي والتحاق ما يزيد على خمسة ملايين طالب وطالبة بمقاعد الدراسة، في ظل تأكيدات وكيل وزارة الصحة للصحة العامة الدكتور عبدالعزيز بن سعيد، على أن الفايروس لا يهدد هذه المرحلة العمرية بشكل مباشر. بدوره، أكّد الاختصاصي الدكتور سامي باداود أن التنسيق بين الجهات المسؤولة عن مكافحة فايروس كورونا لم يصل إلى الدرجة المطلوبة، مشدداً على قيام وزارتي الصحة والزراعة، والجامعات الحكومية بدورها لكشف الغموض في ازدياد الحالات، ومعرفة الناقل الرئيس للمرض. وقال باداود ل«الحياة»: «إن من أسباب التفشي الكبير للفايروس عدم تكامل الجهود بين مقدمي الخدمات الصحية في البلاد، وانضمامها تحت مظلة وزارة الصحة»، لافتاً إلى أن كوريا الجنوبية نجحت في احتواء المرض بسبب معرفتها طريقة انتقاله، ووجود منظماتها الصحية تحت مظلة واحدة». وأضاف: «أن هناك حلقة مفقودة في معرفة آلية انتقال المرض وعلاقة الإبل بذلك»، مؤكداً أهمية «دعم الأبحاث العملية، للتأكد من الآلية التي يتم من خلالها انتقال المرض، والسعي إلى احتواء الفايروس بشكل عاجل». اختصاصي ينتقد غياب التنسيق بين مقدمي الخدمة والتباطؤ في المكافحة أكّد الأستاذ في كلية الطب بجامعة الملك عبدالعزيز أحمد المنجومي، أن هناك مشكلة رئيسة في انتشار فايروس كورونا، تتحمل وزارة الصحة جزءاً منها، إضافة إلى عدد من الجهات في الدولة، ومن بينها وزارة الزراعة، وكذلك الجامعات، مشدداً على ضرورة «دعم أبحاث علمية للتأكد من تفاصيل الفايروس، وطرق انتقاله بشكل كامل، خصوصاً بعد مضي أربعة أعوام على اكتشاف الفايروس من دون أدلة قاطعة على طرق مكافحته والسيطرة عليه». وقال المنجومي في تصريحه ل«الحياة»: «هناك خلل في عدم تبعية جميع الجهات المقدمة للخدمات الصحية إلى وزارة الصحة، على غرار ما هو معمول به في جميع دول العالم»، لافتاً إلى أن الوضع في السعودية «مختلف» من خلال مرجعية عدد من المستشفيات إلى جهات أخرى غير «الصحة»، من دون أن تكون هناك أية سلطة لوزارة الصحة عليها. وبيّن أن أبرز الأخطاء التي وقعت فيها وزارة الصحة خلال الفترة الماضية «عدم معرفة الأسباب الكاملة لانتقال الفايروس»، بحسب المنجومي، الذي أكد أن هناك «أسباباً مفقودة»، مضيفاً: «جميعنا نعرف أن الفايروس ينتقل من طريق المخالطة. بيد أن عدداً من الأبحاث تؤكد أن الفايروس له علاقة بالإبل. ولم تقم (الصحة) ببحث الأمر مع وزارة الزراعة، أو الجامعات السعودية، لتقديم أبحاث تؤكد هذه الشكوك أو تنفيها». وأضاف الأستاذ في كلية الطب بجامعة الملك عبدالعزيز: «هناك تباطؤ من عدد من الجهات الحكومية، منها وزارة الصحة، في اتخاذ إجراءات كان يفترض أن تتخذ في بداية ظهور المرض، بالبحث والتقصي عنه، ودعم الأبحاث العملية، وتكاتف الجهات ذات العلاقة»، لافتاً إلى أن همّة المسؤولين عن هذا الملف تقلّ بعد تناقص عدد الحالات. وعزا المنجومي انتشار الفايروس في البيئات الصحية إلى «تهاون الممارسين الصحيين في تطبيق الإجراءات الوقائية الأساسية في التعامل مع الحالات المرضية، لأسباب عدة، منها قلة الوعي، أو أسباب اجتماعية تتعلق بالتعامل مع المرضى، إضافة إلى وجود أعداد كبيرة من المرضى يقابلها عدد قليل من مقدمي الخدمة».