هناك البرنامج النووي الإيراني وتعامل الدول الست معه، وهناك المعارضة الصاخبة المستمرة للنظام الإيراني منذ انتخابات الرئاسة في حزيران (يونيو) الماضي. وفي حين تبدو القضية الأولى خارجية والثانية داخلية، إلا أنهما في الواقع متشابكتان متداخلتان، وسير الواحدة يؤثر في سير الأخرى. قبل الانتخابات المتنازع عليها وخلال حملتها وحتى اليوم لم نسمع ولو مجرد تلميح من زعيم معارض عن موقف من البرنامج النووي يختلف عن موقف حكومة محمود أحمدي نجاد، وهو الموقف نفسه لمحمد خاتمي قبله، ولعلي أكبر هاشمي رفسنجاني قبلهما. مع ذلك نسمع ونقرأ من مصادر غربية، خصوصاً أميركية، كأن تغيير النظام سيعني نهاية الخلاف على البرنامج النووي الإيراني، وهل هو مدني فقط أو عسكري أيضاً. إدارة أوباما لم تعد تتحدث عن «تغيير النظام»، وإنما لا تزال تعتقد، على لسان وزير الدفاع روبرت غيتس هذا الأسبوع، أن هناك متسعاً من الوقت لفرض عقوبات وضغوط مؤثرة على إيران. وفي حين أن غلاة المحافظين الجدد لا يزالون يريدون اطاحة النظام في طهران، إلا أن آخرين غير متهمين، مثل ريتشارد هاس، يعتقدون أن بالإمكان «التشجيع» على تغيير النظام. ماذا سيستفيد الغرب لو سقط نظام محمود أحمدي نجاد؟ أصر على أن خَلَفه لن يكون صديقاً للغرب، أو لإسرائيل تحديداً، وأن البرنامج النووي لن يتوقف، وإنما ستكرر أي حكومة جديدة موقف كل حكومة إيرانية سابقة وهو أن البرنامج سلمي. شخصياً، لا أعتقد أن تغيير النظام في طهران وارد أصلاً، واليوم سيوفر بعض المؤشرات الى المستقبل مع الاحتفال بعيد الثورة الحادي والثلاثين، ودعوة زعيمي المعارضة مير حسين موسوي ومهدي كروبي أنصارهما الى التظاهر بقوة ضد حكومة أحمدي نجاد، وبالتالي المرشد علي خامنئي الذي أصبح هو أيضاً موضع انتقاد لم تسلم منه ولاية الفقيه كما أرساها الإمام الخميني. الحكومة الإيرانية هددت المتظاهرين، ويجب أن يؤخذ تهديدها بجدية، فمنذ حزيران الماضي قتل حوالى 90 إيرانياً في أعمال عنف في شوارع طهران وغيرها، وأعدم اثنان من المتظاهرين وصدرت أحكام أعدام على تسعة آخرين بتهمة الإخلال بالأمن. العنف لا يؤدي إلا الى عنف مضاد واشتداد المعارضة. غير أن هذا كله لن يفيد الغرب وإسرائيل في قضية أراها مفتعلة، ففي حين أنني أيضاً لا أصدق أن برنامج إيران النووي سلمي، فإنني أجد أن كل المعلومات المتوافرة لي، ومصادرها غربية، تقول إن إيران لا تستطيع انتاج قنبلة نووية حتى لو أرادت. اجتماع جنيف في تشرين الأول (اكتوبر) واجتماع فيينا التالي قالا هذا بوضوح، فعند إيران يورانيوم مشبع حتى خمسة في المئة، والمعروض عليها نقل ثلاثة أرباع مخزونها، أو حوالى 1200 كيلوغرام من أصل 1600 كيلوغرام، الى روسيا وفرنسا لرفع التخصيب الى 19.75 في المئة، ما يكفي لتشغيل مفاعل قرب طهران يجري تجارب طبية. هذا الكلام غربي وغير متنازع عليه، أما الأخبار من طهران فيناقض بعضها بعضاً، وأحمدي نجاد يقترح يوماً ارسال اليورانيوم الإيراني الى الخارج لرفع نسبة تخصيبه، ثم يتراجع في اليوم التالي، ويقول بعد ذلك إن الاتفاق لا يزال ممكناً، ثم يأمر منظمة الطاقة النووية الإيرانية برفع التخصيب الى 20 في المئة. قطعاً ليس في يد المنظمة الإيرانية أن ترفع التخصيب الى درجة تكفي لتشغيل المفاعل قرب طهران الذي كان هدية أميركية الى الشاه ضمن برنامج «الذرة من أجل السلام». وما نعرف من مصادر غربية خالصة هو أن إيران بعد أكثر من عقدين من برنامج نووي بدأ سرياً ثم فُضح أمره لم تستطع التخصيب الى أكثر من خمسة في المئة لأن أنابيب الطرد المركزي المتوافرة لها لا تقدر على أكثر من ذلك، والإنتاج السلمي يحتاج الى 19.75 في المئة (أو 20 في المئة كما قال أحمدي نجاد) في حين أن القنبلة النووية تحتاج الى يورانيوم مخصب حتى 95 في المئة، وهذا ما يستحيل على إيران تحقيقه اليوم أو غداً. ولا أجد تفسيراً سوى أن القنبلة الإيرانية المزعومة تعفي اسرائيل من السير في عملية السلام، والدول الغربية أصبحت طرفاً في الخلاف الداخلي بين النظام ومعارضيه كأنها تعتقد أن نظاماً آخر سيبدد مخاوفها من قنبلة نووية يستحيل على إيران انتاجها في المستقبل المنظور. وثمة تعاون مع جماعات معارضة ايرانية مسلحة، كما نشرت الولاياتالمتحدة أنظمة صواريخ دفاعية في الخليج وعززت وجودها البري أيضاً. وكل هذا سيؤدي الى زيادة درجة التوتر عند نظام متوتر أصلاً، وقد تطلق شرارة غير متوقعة مواجهة واسعة النطاق لا يريدها أحد غير اسرائيل... فالنظام الحالي مثل السابق، واللاحق سيكون مثله، ولا برنامج نووياً عسكرياً قيد التنفيذ. [email protected]