ربما يكون التصعيد الملحوظ في الصراع السوري بما في ذلك احتدام القتال قرب دمشق هذا الشهر مؤشراً على أن الأطراف المتحاربة تحاول تعزيز مواقفها التفاوضية في حالة إذا قادت مساع ديبلوماسية إلى إجراء مفاوضات. وتواجه المحادثات رفيعة المستوى التي تشمل دولاً متنافسة لها صلة بالحرب عقبات هائلة أبرزها الخلاف المستعصي على الحل في شأن مستقبل الرئيس بشار الأسد في بلد دمرته الحرب المستمرة منذ أكثر من أربعة أعوام. لكن حتى في ظل المشهد القاتم يعتقد البعض أن التصعيد مؤشر على إمكان بدء مرحلة جديدة يتم التفاوض فيها بين دول تتمتع بنفوذ على أطراف الحرب في سورية. وقال ديبلوماسي غربي يتابع الصراع: «الوضع لا يزال هشاً. لكن هذا أكثر تحرك متضافر حتى الآن لإيجاد حل سياسي. الكل يحتاج لحل سياسي. الكل منهك. هناك تصعيد في النشاط العسكري للإعداد لحل سياسي». وتصاعدت وتيرة الحرب للمرة الأولى في آذار (مارس) فيما حققت جماعات مسلحة مكاسب كبيرة ضد قوات الحكومة المستنزفة التي حصلت على دعم حيوي من إيران و»حزب الله» اللبناني. وبعد هدوء تصاعدت وتيرة الحرب إلى مستوى أعلى منذ بداية آب (اغسطس) تزامناً مع بدء نشاط ديبلوماسي جاء في أعقاب إبرام الاتفاق النووي التاريخي بين إيران والقوى العالمية الست ومن بينها الولاياتالمتحدة. وبدأت جماعات مسلحة تسعى لزيادة الضغط على الأسد هجمات جديدة في مناطق ينظر لها باعتبارها ضرورية لاستمراره في السلطة بما في ذلك مركز الحكم في دمشق والمعاقل الساحلية للطائفة العلوية التي ينتمي لها. وخلال هذا الشهر شنّ المقاتلون هجومين قرب دمشق في حرستا إلى الشمال الشرقي من العاصمة ودرايا إلى الجنوب الغربي. وأطلق المقاتلون أيضاً صواريخ على مدينة اللاذقية الساحلية التي تجنبت ويلات شهدتها مدن أخرى خلال الحرب. كما زاد المقاتلون جهودهم لطرد ما تبقى من قوات الحكومة من درعا في الجنوب. وقال إياد شمسي رئيس «جبهة الأصالة والتنمية المعارضة»: «الشهر الماضي كان يختلف كثيراً عن كل شهور الثورة. إنو (أنه) كان فيه ضغط قوي على النظام لإرضاخه لحل». واضاف ل «رويترز»: «عندما يكون موقف المعارضة قوياً جداً على الأرض ستفرض شروطها أكثر». وتابع: «كان فيه (كانت هناك) نتائج إيجابية جداً، لكن أصبح واضحاً أن النظام له تصعيد كبير وارتكب مجازر كبيرة جداً». وردت الحكومة بالضربات الجوية ضد مقاتلي المعارضة الذين يعجزون عن صدها. وقتل أكثر من مئة شخص في ضربة جوية على سوق في ضاحية دوما في دمشق الأحد في هجوم وصفه مسؤول كبير بالأممالمتحدة بأنه «جريمة حرب». وتواصلت الضربات الجوية في دوما والمناطق القريبة التي يسيطر عليها المقاتلون المعارضون حيث يقول عمال إنقاذ من الدفاع المدني إن 180 شخصاً في المجمل قتلوا في قصف هذا الأسبوع. ولا يزال سلاح الجو نقطة تفوق للأسد على خصومه رغم أن الجيش يعاني نقصاً في أعداد جنوده. وقال مسؤول عسكري إن الجيش النظامي يعتقد أن التصعيد الذي يشمل شن هجمات صاروخية عنيفة على دمشق يهدف لإحباط المساعي الدبيلوماسية التي تقودها إيرانوروسيا وهي الحليفة المهمة الأخرى للأسد. واضاف المسؤول: «في حال أي تصعيد باتجاه مدينة دمشق سيكون هناك رد حاسم». ومن ناحية أخرى كثّف الأسد و «حزب الله» جهودهما للسيطرة على الزبداني قرب الحدود اللبنانية حيث منحت هدنة تم التوصل إليها هذا الشهر بصيصاً من الأمل لم يدم طويلاً قبل أن تنهار. كما كثّفت قوات الحكومة المساعي لاستعادة المناطق التي تقع في شمال شرق البلاد وهي ضرورية للدفاع عن الجبال العلوية التي يتحدر منها الاسد ومعظم مسؤولي مدينة حماة ومن ثم استمرار الأسد في الحكم. وقال رامي عبدالرحمن مدير «المرصد السوري لحقوق الإنسان»: «التصعيد هو محاولة لتحسين ظروف المفاوضات بين الأطراف والقوى في المنطقة التي تحاول دعم الأطراف بكل قوتها». بالتوازي مع ذلك صعد تنظيم «داعش» الذي يسيطر على أراض في سورية أكثر من أي مجموعة مسلحة أخرى هجماته فتقدم غرباً باتجاه المناطق التي تسيطر عليها الحكومة في وسط سورية ومناطق يسيطر عليها معارضون مسلحون في الشمال. ويبدو أن تقدمه شمالي حلب ضربة استباقية للمسلحين الذين من المرجح أن ينضموا للولايات المتحدة وتركيا في جبهة جديدة ضد التنظيم المتشدد قرب الحدود التركية. وقال الديبلوماسي: «الكل يستعد لحقبة جديدة. رغم أن المعطيات لم تتحدد بعد فإن تنظيم الدولة الإسلامية يدرك بشكل ما أن الحقبة الجديدة ستكون موجهة ضده». ويقول ديبلوماسيون إن روسياوإيران هما المحركان الرئيسيان للمساعي السياسية الأحدث والتي تواجه عقبات كبيرة. وتقوم فكرة روسيا على ضم دمشق لتحالف واسع ضد تنظيم «داعش»، فيما تصر المعارضة ودول اقليمية على انه لا يمكن يمكن لبشار الاسد أن يلعب أي دور في مستقبل بلاده المدمرة. وقالت إيران إنها ستطرح قريباً خطة سلام على الأممالمتحدة استناداً إلى مبادرة من أربع نقاط تتضمن وقفاً فورياً لإطلاق النار. وقال ديبلوماسي روسي الأربعاء إن الكل الآن بالفعل يناقشون أمر تنظيم «داعش» وأرجأوا الحديث عن الأسد لوقت لاحق وهو أمر مرض بالنسبة للروس.