عاودت السلطات المصرية تشديد قبضتها على جماعة «الإخوان المسلمين» ونفّذت حملة اعتقالات واسعة في صفوفها شملت نائب المرشد وعضوين في مكتب الإرشاد. وفُسّرت الخطوة بأنها تعني أن «شهر العسل» بين «الإخوان» والنظام المصري وصل إلى نهايته بعد قرابة ثلاثة أشهر رفعت الدولة خلالها يدها عن الجماعة لتجري انتخابات داخلية (مكتب الإرشاد والمرشد العام) ويخرج قادتها في وسائل الإعلام للرد على الانتقادات التي شابت تلك الانتخابات وتحليل مستقبل الجماعة في ظل قيادتها الجديدة. وشنّت أجهزة الأمن المصرية في خطوة تصعيدية غير متوقعة حملة اعتقالات واسعة قبل فجر أمس شملت نائب المرشد العام للجماعة الدكتور محمود عزت وعضوي مكتب الإرشاد الدكتور عصام العريان والدكتور عبدالرحمن البر، إضافة إلى 13 آخرين من قيادات «الإخوان» في ست محافظات إقليمية. ورحّلت أجهزة الأمن الموقوفين في ظل حراسة مشددة إلى القاهرة تمهيداً لعرضهم ظهر اليوم على نيابة أمن الدولة في ضاحية التجمع الخامس (شمال شرقي القاهرة) للتحقيق معهم على خلفية تهمتي «الانضمام إلى جماعة محظورة ومحاولة الترويج لأفكار جماعة محظورة بما يخل بالنظام العام». وربط مراقبون بين خطوة أجهزة الأمن وتسريبات خرجت أخيراً في شأن استعدادات تجريها جماعة «الإخوان» قبيل مشاركتها في استحقاق نيابي يجرى نهاية نيسان (أبريل) المقبل، واعتبروا أن الاعتقالات تحمل «رسائل تحذير شديدة اللهجة»، متوقعين أن ترفع أجهزة الأمن من سقف الاعتقالات خلال الفترة المقبلة من دون أن تصل سياسة الدولة مع الجماعة إلى حد «الإقصاء النهائي» للجماعة. وسارعت جماعة «الإخوان» إلى استنكار الخطوة، ووصفتها بأنها «عدوانية» تضر بأمن الوطن وتسيء إلى سمعة مصر في العالم. وأكدت بلهجة «تحد» أن الاعتقالات لن تثني «الإخوان» عن المشاركة في انتخابات التجديد النصفي لمجلس الشورى (الغرفة الثانية في البرلمان) والتي تجرى بعد أسابيع. وشددت على أن «هذه الممارسات لن تزيد الإخوان المسلمين إلا قوة وثباتاً واستمراراً في القيام بدورهم الوطني بالمنهج السلمي والنضال الدستوري المستمر مهما بلغت التضحيات». وبرزت توقعات الأوساط المصرية خلال الفترة الأخيرة بحدوث اختراق في العلاقة البالغة السوء بين الدولة وجماعة «الإخوان» على مدى الأعوام الثلاثة الماضية، بعدما انتخبت الجماعة الدكتور محمد بديع مرشداً عاماً. وبُنيت تلك التوقعات على ترجيحات بأن يعتمد بديع الدعوة كسياسة عامة خلال فترة ولايته على حساب المشاركة السياسية، وهو ما تريده الدولة. وقالت مصادر أمنية ل «الحياة» إن معلومات أفادت أن جماعة «الإخوان» تسعى إلى الانتشار في الأوساط الشعبية المصرية تمهيداً لانتخابات التجديد النصفي لمجلس الشورى، مشيرة إلى أن تعليمات صدرت بدهم منازل قادة «الإخوان» في ست محافظات وتوقيف من فيها. وأوضحت «أن عمليات الدهم تمت في توقيتات متزامنة وتحت إشراف قيادات أمنية عليا وتنفيذ مديريات الأمن في المحافظات». وشددت على أن أجهزة الأمن تتابع عن كثب النشاط «المحظور» لجماعة «الإخوان» وأنها لن تسمح بأي تحركات تخل بالأمن العام في البلاد. وتعد الاعتقالات الأعنف منذ عقود، إذ أن من بين المعتقلين نائب المرشد العام الدكتور محمود عزت وعضو مكتب الإرشاد الدكتور عصام العريان وعضو مكتب الإرشاد أستاذ علم الحديث في جامعة الأزهر الدكتور عبدالرحمن البر. ودهمت السلطات منزل عضو مكتب الإرشاد محيى حامد، لكنه لم يكن موجوداً في منزله. وجرت الاعتقالات في محافظات القاهرةوالجيزةوالإسكندريةوأسيوطوالشرقيةوالغربية. وأوضح محامي جماعة «الإخوان» عبدالمنعم عبدالمقصود أن الاعتقالات شملت من القاهرة أحمد عباس، ومن الجيزة رئيس قسم المسالك البولية الدكتور محمد سعد عليوة، وفي محافظة الشرقية (دلتا النيل) جرى اعتقال عضو المكتب الإداري في الشرقية إيهاب إبراهيم والدكتور محمد عبدالغني والكاتب الإسلامي وليد شلبي. ومن أسيوط (جنوبالقاهرة) اعتُقل أستاذ الهندسة علي عبدالرحيم وخلف ثابت هريدي (من المسؤولين التربويين والتعليميين هناك). وفي محافظة الإسكندرية الساحلية جرى اعتقال ثلاثة من أعضاء المكتب الإداري ل «الإخوان» هناك هم إبراهيم السيد وأحمد عبدالعاطي ومصطفى الشربتلي. وفي الغربية اعتقلت قوات الأمن مسعد قطب. كما شملت حملة الدهم مسؤول المكتب الإداري ل «الإخوان» في الدقهلية محمد السيد الدسوقي. وأكدت مصادر أمنية ل «الحياة» أن المعتقلين تم توقيفهم بعدما بدأوا في تنفيذ «مخططات تنظيمية» تهدف إلى زيادة شعبية «الإخوان» في المحافظات الإقليمية. وأوضح ل «الحياة» المحامي عبدالمنعم عبدالمقصود أن حملة الاعتقالات الأخيرة تحمل رسائل عدة مفادها «أن الاعتقالات ليس لها سقف وأنها من الممكن أن تطاول أي شخص مهما بلغ منصبه التنظيمي، كما أن أجهزة الأمن تريد إبلاغ الجماعة أن سياستها تجاه الإخوان لم تتغير على رغم التغييرات في المناصب التي حدثت في الآونة الأخيرة، وأنها جماعة محظور نشاطها». وشدد عضو مكتب إرشاد «الإخوان» الدكتور محمد المرسي على أن «لا تراجع في سياسية الإخوان أمام تصرفات النظام»، معتبراً أن حملة الاعتقالات هي «امتداد لسنوات سابقة وليست بداية وأنها سلسلة متصلة من تجاوزات النظام في حق أعضاء جماعة الإخوان». ورأى المرسي في تصريحات إلى «الحياة» أن «النظام يستخدم قوات الأمن للعدوان على حرية المواطنين وإضعاف الأمن القومي الداخلي، لا لشيء سوى لأنه يخشى منافسة الإخوان ولا يريد منافستهم في انتخابات إذا حدثت في مناخ من الحرية والديموقراطية».