أعلنت غير مرة تقديري لجائزة نادي حائل الأدبي للرواية، وأوضحت أنها أوجدت مكاناً جيداً للاحتفاء بالرواية المحلية في موطنها، وفي ظل قصور نقدي واضح لم يستطع مواكبة المد الروائي الراهن. غير أن هذا التقدير لا يمنعني من إبداء رأيي في بعض التفاعلات التي صاحبت الجائزة بعد تشكيل الروايات العشرين التي سلمت للجنة التحكيم، والتي منها تظهر القائمة القصيرة، ثم تعلن النتيجة النهائية، وهي تفاعلات بعضها إعلامي طبيعي يرافق الجوائز في العادة، تفاعل إعلامي وليس تفاعلاً نقدياً، أؤكد هنا، غير أن محاولة استباق النتيجة التي ليس سوى لجنة التحكيم من يتخذ القرار بشأنها، يعود بأثر سلبي في بعض الأحيان على روايات مشاركة توقع الإعلام فوزها بمبادرة استباقية منه، وحادثة بوكر الأخيرة ما تزال قريبة من الذاكرة، لكني أشير إلى ما تحدث عنه الناقد والشاعر اللبناني عبده وازن في إحدى مقالاته في «الحياة» في موضوع جائزة نجيب محفوظ للرواية، فقد تطرق إلى الاحتفال الإعلامي السعودي (العفوي) برواية «ستر» للمبدعة رجاء عالم، وذلك عندما سرت أخبار بأنها الرواية الأكثر حظاً بالحصول على الجائزة، وكيف شكل هذا الاحتفال ضغطاً على لجنة التحكيم إذ كان (السبب الأول والأخير) بحسب رأيه في «حجب الجائزة عن رجاء عالم والبحث عن اسم آخر يستحقها». في هذا الشأن تحديداً، أعتقد أن روايتي «المنهوبة» واجهت المصير نفسه الذي واجهته رواية «ستر» لرجاء عالم، لا أقول هذا دفاعاً عن الرواية، لكن لو تتبعنا القراءات النقدية التي نشرت في صحف محلية وعربية كتبها نقاد أشادوا بالعمل على مسمع ومرأى من اللجنة، سنجد أن هذا الأثر النقدي المبكر يمثل احتفاء حراً يضع اللجنة في اختبار أن تكون هي سيدة القرار والتقييم، على الأقل من جهة أن تكون قوية في مقاومة هذا الأثر، ولو تتبعنا التوقعات الصحافية التي صاحبت جائزة حائل، سنلحظ أنها تتحدث عن «المنهوبة» كعمل روائي أقرب إلى الفوز، برأي بعض من كتب حول هذا الأمر، وكان من التأثير بحيث اضطر معه رئيس نادي حائل الأدبي محمد الحمد إلى نشر تصريح (متذمر) في أحد أعداد صحيفة الوطن السعودية يوضح فيه أن تلك الاجتهادات الصحافية لا تعدو كونها تكهنات ليس إلا، وهذا صحيح، لكنه لم يخل في رأيي من إحداث عامل ضغط نفسي وإعلامي على هدوء العملية النقدية التي تصدت لها اللجنة بصفتها سلطة استحواذية مهيمنة، تحسس لجنة التحكيم من ظهور القرار وكأنه في يد الإعلام وليس في يدها. إبداء الصلابة النقدية التي تنزع إلى اتخاذ القرار كرد فعل يعاكس التوقعات، ويحاول إثبات أن الرأي النقدي لا يتأثر بالرأي الصحافي، لا أعرف ماذا أسمي هذا السلوك خارج (الأمراض الثقافية العربية) التي تحدث عنها الناشر رياض الريس في معرض انتقاده لما لاحظه على جائزة بوكر العربية، وإن كان هذا ما حدث بالفعل في كواليس لجنة جائزة حائل، وهو شيء متوقع في حال اعتبرنا (كلنا في الهم شرق)، فإن ذلك مجرد عرض مرضي محلي في سياقه العربي، وسيقلل هذا السلوك من أهمية التحكيم في جائزة حائل للرواية، وسينعكس بالسلب على قبول الجائزة من لدن روائيين محليين إذا أدركنا الحذر الذي يبديه روائيون كثر تجاه الجوائز العربية عموماً. بيد أن دخول الناقد (الروائي)، الناقد المعروف تحديداً، في معترك المسابقات الأدبية يرافقه قربه الشخصي والعملي من الوسط النقدي، وتصحبه سمعته الأكاديمية أو دراساته النقدية أكثر مما لو نُظر إليه كروائي فقط، ما قد يسمح بدخول عوامل أخرى كعامل (الزمالة) في مسألة تقويم الأعمال من باب آخر، باب أن الناقد في لجنة التحكيم والناقد الروائي الذي شارك بعمله في الترشح للجائزة يتشاركان في الطرح النقدي في الأساس، وقد يتجاوران سكنياً في مدينة واحدة، فضلاً عن تقاسم الوقت وتطارح الآراء في لقاءات ينضمها الحراك الأدبي، واللقاءات البينية المعتادة. وهذه الإشكالية تحتل موقعاً معتبراً في تشابك العلاقات الظاهرة والخفية في خريطة المشهد الأدبي التي تشكلها التوجهات المتداخلة والمقاصد المتقاطعة في مسألة المنح والمنع، في بسط الرحمة والعذاب وفقاً لتقديرات هذه الإشكالية. استهزاء لمياء باعشن بالجائزة؟ لا أتهم ناقداً بعينه في هذا الشأن، ولكن حادثة عابرة في السيل الصحافي اليومي، قد تشير إلى مفارقات طريفة تستحق التأمل. من هذا الباب، يمكن أن نعود إلى الاستفتاء الذي طرحه الصحافي طامي السميري في جريدة الرياض ( عدد/15161 تاريخ 27 ديسمبر 2009 ) حول أفضل رواية محلية في عام 2009، فظهر في الاستفتاء صوت الناقدة لمياء باعشن. وهي رئيسة لجنة التحكيم في هذا الجائزة، صوتت لمصلحة رواية الناقد علي الشدوي «تقرير إلى يوليوس قيصر» وقالت بأنها العمل الأفضل، قالت هذا الحكم النقدي قبل الإعلان عن القائمة القصيرة بأكثر من شهر، وبعد تسلمها قائمة الروايات العشرين بأكثر من شهر أيضاً، ما يشير إلى أن الناقدة باعشن لم تتردد في طرح حكمها النقدي لمصلحة إحدى الروايات المشاركة (على حساب الروايات الأخرى) قبل انعقاد الجلسة النقدية المخصصة لإعلان القائمة القصيرة، وكان من المفترض، في رأيي، أن تعتذر عن التصويت بصفتها رئيسة اللجنة، وأيضاً بصفتها ناقدة ينتظر منها القراء الصدقية والموضوعية والنزاهة في ما تكتب من طروحات نقدية عن الأعمال المحلية. كيف سمحت لنفسها، وهي من هي في اللجنة، أن تصرح بهذا الحكم النقدي، وبتصرف فردي، لمصلحة إحدى الروايات في الوقت الذي ما تزال فيه النتيجة الرسمية بانتظار انعقاد جلستها الخاصة؟ هل يقبل هذا التفضيل العلني من عضو في جائزة بوكر مثلاً؟ هل هي مسألة استغفال للقارئ والمتابع؟ هل هو استهزاء بمعنى أن تكون هناك جائزة محلية للرواية السعودية، وهي الرواية التي ينظر إليها بعض النقاد المحليين بازدراء وتهكم، فضلاً عن بعض النقاد العرب؟ لا أشكك في الحضور النقدي الواضح للناقدة باعشن، ولا في دورها الثقافي أيضاً، كما لا أحب أن ألج في ضميرها ونواياها، علماً بأني أقدرها كناقدة ومثقفة، وأحترمها بالطبع. لكن هذه الحادثة التي لم تكن عابرة بالنسبة إلي، جعلتني أتساءل لماذا فضلت رواية واحدة على 19 رواية تستجير بذمتها من الحيف والظلم؟ هل قرأت هذه الروايات كلها بعين الناقدة المؤتمنة على قول الحق بصفتها رئيسة اللجنة الموكل إليها النظر بإنصاف وتجرد إلى كل الأعمال المشاركة؟ وهل بناء على هذه القراءة المركزة، توصلت إلى هذه الحكم الفردي المبكر؟ ولماذا انفردت بهذا الحكم من دون بقية الأعضاء؟ أم هو أمر محسوم وضع في الرأس منذ المراحل الأولى للجائزة؟ هي تساؤلات مشروعة بالنسبة إلي، لا أقصد منها سوى تأمل الوضع النقدي من خلال تصريحاته وسلوكياته وليس من خلال وجهة نظري الخاصة. نعرف الآن، أن رواية الناقد علي الشدوي، تضمنتها القائمة القصيرة، الرواية التي فضلتها الناقدة لمياء باعشن في 27 ديسمبر 2009، فهل ستفوز بالمركز الأول لأنه المسار الذي وضع في هذا الاتجاه؟ شخصياً، أتمنى للكل الاحتفاء الذي يستحقونه، ومنهم الناقد علي الشدوي الذي لا ينكر جهده الجميل في النقد والتأملات الثقافية، لكني ككاتب أطرح فقط التساؤلات من دون أن تعيقني عن مواصلة مشروعي السردي، بهدوء وبمحبة للجميع. * روائي سعودي.