يقول «لسانياغو» في رواية «الخيميائي» ل «باولو كويهلو» عبارته الشهيرة التي لخص بها أحداث الرواية: «عندما تريد شيئاً ما حقاً، فإن الكون بأسره يطاوعك للحصول عليه»، وهذا ما فعله رئيس تحرير مجلة «المجلة» عادل الطريفي الذي مضى في عالم الورق والأرق مصمماً على أن يكون اسماً مهماً وثابتاً في عالم يملأه التغير، فكان له «طواعية» ما أراد. «عادل» رئيس تحرير لمطبوعة تخلصت من ضجيج «المطابع»، وتفرغت لصخب «الأخبار» والتقارير، محافظة على «رصانتها» في تجربة جديدة على الوسط الصحافي العربي، يكشف ل«الحياة» بعضاً من تفاصيلها في الحوار التالي: تقنيات الإعلام الجديد (مجلة المجلة مثال)، كيف تتناسب مع ما اعتدنا عليه في الصحافة الورقية؟ - حينما بدأنا المشروع في مجلة المجلة الجديدة لم يكن في ذهننا إعادة إنتاج التجارب السابقة، وانما الشروع في تجربة غير مسبوقة في المنطقة العربية، وهي إنتاج مجلة ذات مواصفات دولية، وفي الوقت ذاته جذابة وسهلة لعموم القراء، والفكرة الراهنة لم تختصر في اصدار مجلة واحدة وانما نفذ المشروع لتكون بوابة للاخبار وللتحليلات الإخبارية والآراء، وأكثر من ذلك كله التركيز على استضافة أقلام دولية أمثال مايكل هاستنغ وستيفان هايد مان ووجو ناثان هاولت وآخرين. هل القارئ العربي مهيأ لتقبل تحولات مثل التي أقدمت عليها مجلة «المجلة»؟ أعتقد أن هذا صحيح، فعلى رغم وجود تخوفات من التحديث التكنولوجي في وسائل الاعلام، لكن التجربة الأخيرة لنا، أثبتت أن الجمهور لديه تقبل للتكنولوجيا الجديدة، وعموماً يجب أن نعترف أن هناك جدلاً بين رعاة الإعلام الورقي والالكتروني والتغيير هنا مسألة وقت فقط، و لا أظن أن الإصدارات الورقية ستختفي، لكن لدينا مجالات لنمو وتطوير الإعلام ووسائله يجب أن نستغلها. نشأت فكرياً في وقت كانت تتنازع فيه المذاهب الثقافية الجديدة «اليسارية - الواقعية الجديدة - البنيوية»، إلى أي حد تأثرت بهذه التوجهات؟ والى أيها تميل؟ - قرأت الكثير وتأثرت بثقافات ورؤى مختلفة، لكني أعتبر نفسي ما زلت في طور النمو والتغيير، البعض يصنّفني على أنني من أصحاب الواقعية الجديدة، على رغم أنني لا أنفي استخدامي لكل المناهج التي ذكرت في التحليل السياسي، أنا أحاول اكتشاف عوامل جديدة وقراءة أفكار أخرى من شأنها تغيير طريقة أفكارنا ورؤيتنا للسياسة الخارجية، وقد قرأت أخيراً كتاباً حديثاً للمفكر «والى نصر» عن صعود الطبقة الوسطى الجديدة في الشرق الأوسط، هذا النوع من الكتب يطرح نوعاً من الجدل، ويجبرنا على محاولة إعادة التفكير في أنظمتنا وحياتنا كمراقبين لها من الخارج. غياب «مراكز استقراء سياسي» في الشارع الإعلامي، إلى أي حد أثر في وعي وثقافات الصحافيين العاملين في الأقسام السياسية بالصحف العربية؟ - لعل تجربتي القصيرة في الإعلام كونت رؤية خاصة في هذا الصدد، وما لمسته من خلال متابعتي هو أن هناك صنفين من الكتاب، صنف يعتمد على تجربته الشخصية وبعض العلاقات مع السياسيين، وهؤلاء لديهم حس سياسي وخبرة، لكن مثل هذه الحالة تحجب عنه الرؤية وقراءة التغيرات الكبرى التي تحدث حوله «أحياناً». الصنف الآخر وهم الذين يلجأون للكتابة السياسية إما بسبب الوظيفة أو محاولة التجريب وهؤلاء غالباً يخرجون بآراء بعضها سيئ، ينقصها بشكل رئيس الوعي السياسي، لذا تجد آراء متناقضة وتحليلات تصل لحد الإشاعة أو الخرافة، لكن كما تعرف فهذا جزء من متعة العمل الصحافي. وبالنسبة لغياب المراكز الخاصة بالاستقراء السياسي أرى أن جزءاً كبيراً من ذلك وراءه أسباب سياسية ثم أن هذه المراكز إن وجدت يجب أن تعتمد على شفافية المعلومات وهذا غير متوافر في منطقة الشرق الأوسط التي ما زالت تعاني من صراعات وانشقاقات ولا أعتقد أن الصحافي السياسي الجيد يمكن أن يتوقف عمله فقط على هذه المؤسسات بل بإمكانه الابتكار فالبيئة المعقدة حبلى باختراع مهارات شخصية غير اعتيادية. بعد 1967 زادت موجة «المد الإسلامي» وبعد أحداث 11 ايلول (سبتمبر) قيل ان هذا المد سيتوقف، وهو ما لم يحدث حتى الآن، هل من الممكن أن تقدم قراءة موجزة لما ستكون عليه المنطقة العربية خلال العشر سنوات المقبلة في هذا الجانب بحكم عملك؟ - لست متنبئاً ولا ارجم بالغيب، ومنذ سنوات قال هنري كسينجر «ان اسبوعاً في السياسة هو وقت طويل» فما بالك بعقد كامل من الزمن، لقد قرأت كتاب «نهاية التسعينات» ل»اولفيرو» يقول فيه بنهاية «الإسلام السياسي» وقد صدرت كتب عدة في العالم الغربي تبشر بزوال أو اضمحلال الحركية الإسلامية، لكنني أرى أن الأصولية الإسلامية وصلت لحدها الأقصى مع حادثة الحادي عشر من ايلول «سبتمبر» ولكن يلزمها عقود من أجل أن تتراجع على المستويين الاجتماعي والسياسي. لماذا لا يتجاوز «الكتاب العربي» جغرافيته، نحو «الآخر» كما فعلت كتب ل «صموئيل هنتجتون» وغيره في الساحة الأميركية؟ - أغلب الكتاب العرب لا يكتبون للخارج، بل يكتبون للنخبة في الداخل وهذا أحد أسباب أن كتبهم لا توزع سوى آلاف عدة، لكن هناك حالات استطاعت اختراق هذا الحاجز، يحضرني منهم الآن الكاتب «عبدالله العربي». القيادة السعودية تتمتع بصدقية كبيرة على الساحة الدولية، إلى أي حد في رأيك يتم توظيفها لخدمة القضايا العربية إجمالاً؟ - الثقل الذي تتمتع به المملكة بني خلال عقود ماضية، ويعتمد على بعض المبادئ الأساسية التي يشترك العالم العربي بها مع المملكة، وأعتقد أنها تستغل موقعها الطبيعي وهي لا تتطلب الحاجة من الآخرين وتجعل نفسها دائماً يداً ممدودة لهم، يجب أن نعتبر أن السعودية غير مؤدلجة على ايديولوجيا ما، فهي ليست مثل إيران وليست لها أجندة، ويبقى دورها معتمداً على التأثير الإيجابي بعيداً عن الضغوطات السياسية. إن شخصية كالملك عبدالله هو نموذج مشرف للسياسة العربية الخارجية، وتمثل مبادراته الدولية المثال البارز للمستوى الذي وصلت إليه السعودية في السنوات الخمس الأخيرة من نضج وحكمة.