أثارت الحرب على العراق عام 2003 أسئلة عدة. ومعروف أن هناك دائماً أسباباً متعددة وراء الحروب، وقلما كان السبب واحداً. ولا تختلف حرب 2003 عن غيرها من الصراعات. ففي هذه الحال، هناك السؤال حول أسلحة الدمار الشامل، أو الصراع الحضاري مع الإسلام بعد الاعتداءات على نيويورك وواشنطن في 2001، أو التبشير بالديمقراطية في البلاد العربية، أو إزاحة النظام البعثي، أو التفاهم ما بين المحافظين الجدد في الحزب الجمهوري الأميركي وإسرائيل لتدمير جيش العراق ومؤسساته، أو السيطرة على نفط العراق. تشير المعلومات المتوافرة الى حصول تفاهم لشن حرب على العراق قبل عام 2001، وأن موضوعي الإرهاب وأسلحة الدمار الشامل لم تكن الا ذرائع غير مؤكدة عند الإدارة الأميركية في ربيع 2003 عندما شنت الحرب. لكن من غير الواضح حتى الآن الهدف من شن حرب والانتصار فيها عسكرياً، وخسارة السلام لاحقاً وضعضعة البلد وفتحه أمام نفوذ إيران، العدو اللدود للولايات المتحدة وإسرائيل. من غير الواضح أيضاً دور النفط في الحرب. فمن المعروف أن إدارة الاحتلال لم تحاول منذ العام 2003 وحتى عام 2008، إعطاء دفع قوي لدعم القطاع النفطي. والحقيقة أن مستوى الإنتاج تدهور خلال تلك الفترة عن مستواه في النظام السابق. بل ان انفتاح العراق على الشركات النفطية الدولية في 2009 لم يتبعه انفتاح ملحوظ على الشركات الأميركية. فقد فازت الشركات الآسيوية الحكومية (بخاصة الماليزية والصينية) بحصة الأسد، ولم يفز من الشركات الأميركية سوى «اكسون موبيل» و«أوكسيدنتال». والأهم من ذلك، ان الشركات الأميركية لم تساهم في شكل واسع في مناقصتين عراقيتين. وكان غيابها عن المنافسة ملحوظاً ولافتاً، خصوصاً لشركة «شيفرون» التي انسحبت من المنافسة في اللحظة الأخيرة. هناك تفسيرات محتملة عدة لهذه المشاركة الخجولة للشركات الأميركية. فمن الممكن أن بعضها قرر ألا يعمل الآن مباشرة في العراق، بل من خلال شركات أجنبية له حصص فيها. فشركة «كونوكو فيليبس» مثلاً، تملك حصة مهمة في شركة «لوكواويل» الروسية. ومن المحتمل أيضاً أن امتناع المشاركة في المناقصات مرده استياء هذه الشركات من عدم أتباع مبدأ المفاوضات الثنائية بينها وبين وزارة النفط مباشرة، والتي تتيح لها مجالاً أوسع للفوز والحصول على الشروط التي تبتغيها، بدلاً من الخسارة أمام الشروط الأفضل والأكثر منافسة للشركات الحكومية الآسيوية، نظراً لهامش الربح الواسع الذي تبغيه الشركات الأميركية مقارنة ببقية الشركات، وكذلك نظراً إلى الغضب الذي عبر عنه بعض رجال الكونغرس في «أفضلية» شركات النفط الأميركية في الاستثمار في العراق، بعد أن قادت الولاياتالمتحدة حلفاءها في الحرب وقدمت ما قدمته من جنود وأموال لإسقاط النظام السابق. وتبنت شركات أميركية هذا المنطق، ومن ثم لم تشارك في المناقصات. أين دور النفط في هذه الحرب؟ فعلى رغم الكثير من الكتب والمقالات عن احتلال العراق، يبقى الغموض يلف هذا الموضوع. ويتركز الكلام عنه على العموميات من دون ذكر التفاصيل المهمة. فعلى سبيل المثال، هناك تصريحان من مسؤولين أميركيين شاركا في اتخاذ القرار في حينه، أو على الأقل كانا مطلعين على المناقشات الدائرة، هما محافظ البنك المركزي ووزير المال، وهما تصريحان مقتضبان يؤكدان أهمية النفط في الحرب، لكن من دون إضافة تفاصيل حول العلاقة الحقيقية بالحرب. هذه الوقائع تضع المسؤول النفطي العراقي أمام وضع صعب. إذ أن محاباة الشركات الأميركية، كان سيفتح انتقادات واسعة لدعوة الشركات الدولية للاستثمار في العراق مجدداً. لكن، في الحالة هذه، يستطيع المسؤول العراقي ان يقول: كان من المهم فتح الاحتياط النفطي العراقي أمام الشركات الدولية لتستطيع البلاد الاستفادة بسرعة (خلال عقد من الزمن) من مئات بلايين الدولارات الإضافية التي من الممكن جنيها، بدليل النتيجة التي تم التوصل إليها. إن فتح الاحتياط النفطي العراقي الضخم بهذه السرعة ممكن أن يكون في حد ذاته هدفاً أساساً من أهداف الحرب، وذلك لإغراق الأسواق بالإمدادات النفطية، وعدم الاعتماد على دولة او دولتين أساسيتين (السعودية وروسيا). أما بالنسبة للشركات الأميركية ، من المحتمل جداً أننا سنشاهد فيلماً طويلاً، لا يزال في بدايته، إذ من الممكن أن تشتري الشركات الأميركية في وقت لاحق حصص بعض الشركات العاملة، وهذا إجراء متبع وطبيعي في صناعة النفط العالمية. لكن هذه الفرضية بإغراق الأسواق تصطدم هي أيضاً بسؤال محير: هل من مصلحة الولاياتالمتحدة والغرب تدهور أسعار النفط في وقت يبدأ العمل بجدية لإحلال مشاريع طاقوية بديلة تنافس النفط اقتصادياً؟ * كاتب متخصص في شؤون الطاقة