أظهرت الجماعات المسلحة في مصر تغيراً واضحاً في استراتيجيتها لاستهداف مصالح الدولة والحكم الجديد، فركزت على «الأهداف الرخوة» التي يُحقق ضربها صدى محلياً ودولياً واسعاً، بعد تشديد الإجراءات الأمنية في محيط الأهداف المحتملة من مؤسسات حكومية وأمنية وعسكرية. ومنذ عزل الرئيس السابق محمد مرسي في 3 تموز (يوليو) 2013، تشهد مصر موجة من الإرهاب تستهدف مؤسسات الدولة، خصوصاً الأمنية والعسكرية منها. وتتركز المواجهة الأبرز في سيناء، حيث بايعت جماعة «أنصار بيت المقدس» تنظيم «داعش» وأطلقت على نفسها اسم «ولاية سيناء». وتخوض القوات المسلحة معارك مستمرة مع التنظيم، خصوصاً في المنطقة الواقعة بين مدينتي رفح والشيخ زويد في شمال سيناء، وفيها تُفرض حال الطوارئ. ونُقلت غالبية المصالح الحكومة خارج هذه المنطقة التي باتت خالية من أي وجود رسمي إلا للجيش والمؤسسات الأمنية التي تزيد تحصيناتها يوماً تلو الآخر في شكل يُصعب على المسلحين استهدافها. وتواجه الدولة هجمات تستهدف البنية التحتية لمحطات وأبراج الكهرباء تحديداً تُرجح مسؤولية مؤيدين لجماعة «الإخوان» عنها، فضلاً عن الاعتداء على منشآت اقتصادية ومصارف خلال تظاهرات اعتاد أنصار مرسي تنظيمها من فترة إلى أخرى. وبعد عزل مرسي، استهدفت الجماعات المسلحة مؤسسات أمنية في عمليات كبرى خارج شمال سيناء، إذ استهدفت سيارات مُفخخة مقر محافظة جنوبسيناء ومديريتي أمن القاهرة والدقهلية ومقر الاستخبارات الحربية في الإسماعيلية، وانفجرت عبوات ناسفة في قوات تأمين جامعة القاهرة وقصر الاتحادية الرئاسي. واستدعت تلك الهجمات تعزيز التحصينات الأمنية في محيط المقرات الأمنية والعسكرية وأيضاً المؤسسات الحكومية المهمة، فطوقتها السلطات بكتل خرسانية توارت خلفها. وفرضت إجراءات أمنية مشددة حول تلك المنشآت، حتى أنه في أوقات كثيرة يُمنع المرور إلى جوار منشآت محددة مثل وزارة الدفاع في حي كوبري القبة (شرق القاهرة). ويبدو أن الجماعات المتطرفة عدلت استراتيجيتها للتعامل مع تلك المستجدات، فوجهت ضرباتها صوب «أهدف رخوة»، وفق القيادي السابق في «الجماعة الإسلامية» ناجح إبراهيم. وأحبطت قوات الأمن قبل شهور هجوماً استهدف مجموعة من السياح الألمان والفرنسيين في محيط معبد الكرنك الأثري في الأقصر، وقُتل شرطي من قوة تأمين منطقة الأهرامات الأثرية في الجيزة، واستهدفت سيارة مُفخخة مقر القنصلية الإيطالية في وسط القاهرة، وقُتل شرطي من قوة تأمين مقر سفارة النيجر، وأخيراً خطف مسلحون مواطناً كرواتياً يعمل في فرع شركة نفط فرنسية في القاهرة، وأعلنت «داعش» مسؤوليتها، قبل أن تنشر صوراً للرهينة وهو مذبوح. وخُطف الكرواتي عند طريق الواحات المتاخم للقاهرة، ما يشير إلى أن للتنظيم موطئ قدم في العاصمة. غير أن إبراهيم لفت إلى أن تلك المنطقة قريبة من مدينة الفيوموجنوبالجيزة، حيث ينتشر التشدد بين شباب تلك المناطق لأسباب عدة. وأوضح أنه «ربما بايعت مجموعات من الشباب المتطرف من سكان تلك المناطق داعش، وكونوا خلايا تُركز على الأهداف الرخوة في العاصمة ونطاقها، لصعوبة استهداف الأهداف الصلبة، كما يحدث في شمال سيناء». وأشار إلى أن «كثيرين من أهالي الفيوم وقرى الجيزة وبني سويف قُتل أقارب لهم في فض اعتصام رابعة العدوية، وهم يتحركون من مبدأ الانتقام، فضلاً عن اقتناعهم بالخطاب التكفيري الذي روجته منصة رابعة، وقد يكون داعش استقطب خلايا أو مجموعات من هؤلاء الشباب، وبات هناك تواصل مع مجموعة سيناء». وأضاف أن «مثلث الفيوم - بني سويف - الجيزة تأثر بفكرة الشرعية، وشباب كثر في تلك المنطقة انخرطوا في مجموعات مسلحة، وهي منطقة مُرشحة للعنف، لأن السيطرة بالأمن والسلاح فقط لن تُجدي، فهناك حلول اقتصادية واجتماعية يجب أن تتم». ولفت إلى أن «تلك المجموعات اختارت أن تضرب أهدافاً سهلة ويكون لها صدى كبير في العالم كله، كتفجير قنصلية إيطاليا الواقعة في منطقة تعج بالفوضى أو خطف مواطن كرواتي يعمل في شركة أجنبية وذبحه. تلك العملية لها أثر اقتصادي كبير في الاستثمار والسياحة». ولا يخضع كثير من القنصليات الأجنبية لإجراءات تأمين مشددة، بخلاف السفارات، خصوصاً سفارات الدول الكبرى التي توضع إجراءات استثنائية للمرور في نطاقها. وقال إبراهيم إن «تأمين كل شيء في الدولة صعب جداً، لذلك يجب النظر في حلول غير أمنية مثل تحييد بعض الفصائل الإسلامية عن الصراع بين الدولة والإخوان، وهو أمر سهل. على الدولة أن تعلم أن الحرب المستمرة مع تلك المجموعات ستؤدي إلى ضرب الأهداف الرخوة، وهي كثيرة ومؤثرة، ومن ثم السلطات مطالبة بأن تجد طريقة أخرى للمواجهة. أتوقع أن تشهد المرحلة المقبلة مزيداً من استهداف الأهداف الرخوة». لكنه توقع أن تنتهي تلك الموجة من العنف خارج شمال سيناء، إن تمكنت السلطات من توقيف أحد أعضاء تلك المجموعات العاملة في مثلث الفيوم - الجيزة - بني سويف، إذ سيمكنها ذلك من تعقب تلك المجموعات. غير أن إبراهيم أكد أن «الخطر المستمر يتمثل في مجموعات العنف الفردي العشوائي التي تنال دعماً غير مباشر من الإخوان، على الأقل الدعم المعنوي والمادي، خصوصاً في هذا المثلث الذي ينتشر فيه الإخوان وأيضاً الفكر التكفيري المتشدد. هؤلاء أعدادهم كبيرة، وتصعب السيطرة عليهم أمنياً». وقال ل «الحياة» مسؤول أمني إن «وزارة الداخلية دائما تُحدّث خططها الأمنية للتعامل مع المستجدات في الحرب ضد الإرهاب». وأوضح أن «نقطة الارتكاز تبقى دائماً في المعلومات ومحاولة اختراق تلك المجموعات لإحباط مخططاتها استباقياً. لا يتم إعلان كل العمليات التي يتم إحباطها». ولفت إلى أن «التواصل مستمر مع السفارات الأجنبية من أجل تأمينها وأيضاً التأكيد على إجراءات السلامة لرعاياها». من جهة أخرى، أعلن الناطق باسم الجيش في بيان إن 4 من أفراد طاقم طائرة حربية قتلوا بعد أن «تعطل محركها في شكل مفاجئ» أثناء مطاردة «عناصر إرهابية» قرب واحة سيوة في الصحراء الغربية. وقال: «أثناء أعمال المطاردة والملاحقة للعناصر الإرهابية بمعرفة القوات الجوية والقوات البرية حدث عطل فني مفاجئ لإحدى الطائرات نتج منه سقوطها ما أسفر عن استشهاد أربعة أبطال من طاقمها وإصابة اثنين». وأضاف: «بناء على معلومات مؤكدة من الأجهزة الأمنية، نجح رجال القوات المسلحة في تدمير 4 سيارات للعناصر الإرهابية والإجرامية في منطقة سترة جنوب شرقي واحة سيوة، كما تمكنت عناصر قوات حرس الحدود من ضبط 5 سيارات أخرى».