لم يرفَّ لهما جفن ولم يُظهرا أي مشاعر عندما سمع الأخوان البالغان من العمر 11 سنة و12 سنة، قرار القاضي البريطاني بسجنهما لما لا يقل عن خمس سنوات، بعد إدانتهما بتهمة الاعتداء البدني على تلميذين من جيلهما، في قصة صدمت الشعب البريطاني وسلّطت الضوء مجدداً على المشكلات الاجتماعية الناتجة من تفكك الأسر. تعود قصة الأخوين اللذين يمنع القضاء البريطاني نشر اسميهما، إلى نيسان (أبريل) الماضي، عندما أقدما في منطقة دونكاستر (شمال إنكلترا) على تعذيب طفلين آخرين يبلغان من العمر 9 سنوات و11 سنة، من خلال جلدهما بسوط، وتقطيعهما بأسلاك شائكة، وإرغامهما على ممارسات جنسية، وضربهما ضرباً مبرحاً وحرقهما بأعقاب السجائر وركلهما والقفز عليهما طوال تسعين دقيقة... حتى وصلت الشرطة لتجد الضحيتين مضرّجين بدمائهما، وأحدهما في حالة خطرة. مع انتهاء محاكمة الأخوين، قبل نحو أسبوعين، وصدور الحكم عليهما، بدأت الأنظار تتركز على البيئة التي نشآ فيها والإهمال الذي عانياه منذ صغرهما في منزل ذويهما. فقد كان الأب مدمناً على شرب الخمر بشراهة، وكانت الأم مدمنة على المخدرات وتعاني نوبات اكتئاب، إضافة إلى تعرضها للضرب على يد زوجها، الذي لم يكن يتورع عن ضرب طفليه أيضاً. وهكذا نشأ الطفلان في أسرة مفككة، وبدآ «يتدرجان»، كما قال متخصصون نفسيون، في العنف والوحشية، بدءاً بسرقة الحلويات من المحال إلى تخريب ممتلكات بغير عمد (كتكسير نوافذ المنازل)، والتصرف في شكل غير اجتماعي، وصولاً إلى القيام بتصرفات وحشية ضد الحيوانات، وإحراق ممتلكات الناس. وتبيّن من خلال جلسات المحاكمة أن الأخ الأكبر، البالغ حالياً 12 سنة، لديه سجل حافل من الاعتداءات على رغم صغر سنّه. فهو يدخن يومياً ما لا يقل عن 20 سيجارة، وأدمن على تعاطي الكحول منذ كان في التاسعة من عمره، كما أنه دأب على تعاطي مخدر «الماريجوانا» التي كانت تُرزع في قطعة أرض تعود إلى والده، مع العلم أن والدته كانت أيضاً تضع «الماريجوانا» في طعامه وطعام شقيقه بهدف «تهدئتهما»، ومساعدتهما على النوم مبكراً كي ترتاح. وتبيّن خلال المحاكمة أن الأخ الأكبر دين باعتداءات أخرى، في السابق، بما في ذلك تهديد امرأة بقتل ابنها البالغ من العمر ثماني سنوات. وكان يشاهد مع أخيه الصغير، أفلاماً إباحية وأفلام رعب، يقول محامي الدفاع عنهما انها تركت بلا شك تأثيراً كبيراً فيهما. واعتبرت سوزان بايلي، الاختصاصية في علم نفس الأطفال، أن ما قام به الأخوان كان مجرد «تقليد» لما كانا يشاهدانه في حياتهما اليومية، سواء في الحي أم عبر الشاشة. فالعائلة التي نموَا فيها كانت تتميّز بعنف دائم وفوضى عارمة، ما أدى إلى إهمال تربيتهما. ويلفت الدفاع إلى أن والدهما، المدمن على الكحول، كان يضرب زوجته باستمرار، حتى أنه حاول حرقها وخنقها، وكان يعتدي على ولديه إذا حاولا التدخل للدفاع عن أمهما. أما الأخ الأصغر الذي كان يبلغ 10 سنوات عندما ارتكب جريمته، فتبيّن أن لديه «سجّلاً» في المخالفات، كشقيقه، الذي كان يفر معه من المدرسة باستمرار، ما أدى إلى طردهما منها وإلحاقهما بمدرسة خاصة. وتبيّن أن الأخ الأصغر كان تعرّض للتأنيب في المدرسة التي يرتادها بسبب «نطحه» معلّمة حاولت منعه من ضرب زميلته. وبعكس شقيقه الكبير، أبدى الصغير بعض المشاعر خلال المحاكمة، إذ بكى في القاعة وأوقف المداولات لمدة 15 دقيقة. لكن بكاءه لم يكن على ضحيتيه بل على نفسه. وخلال سرد الوقائع الفظيعة لما حصل للطفلين، لم يبدِ الأخ الأصغر أي تفاعل وكان يحدق شارداً معظم الوقت. وقد وصفه محلل نفساني بأنه يمثّل خطراً كبيراً على المجتمع، وأن هناك احتمالاً لأن يصبح مجرماً يعاني اختلالاً نفسياً في المستقبل. أما الأخ الأكبر فقد كان لافتاً طريقة دفاعه عن نفسه أمام الشرطة، إذ قال إنه لا يعرف سبباً لإقدامه على تصرفه هذا غير القول إنه «الملل... ليس هناك شيء نقوم به». كما أقر بأنه لم يتوقف عن الضرب بعد 90 دقيقة سوى لأن يديه بدأتا تؤلمانه. وقالت الشرطة البريطانية بعد صدور الحكم إنها تدرس إمكان محاكمة والد الطفلين ووالدتهما بتهمة الإهمال، مع العلم أن الوالد كان هجر زوجته قبل ثلاثة أسابيع من التصرف الذي قام به الولدان، فانهارت الزوجة نفسياً. وإثر ذلك نقلت سلطات الخدمات الاجتماعية الطفلين من منزل أمهما للعيش مع عائلة أخرى تتبنى رعايتهما (رجل وامرأة في الستين من عمرهما). لكن ذلك لم يحصل وفق دراسة متأنية، إذ كان منزلهما «العائلي» الجديد لا يبعد كثيراً عن منزل العائلة، وكانا يعودان إليه باستمرار. كما أن سلطات الخدمة الاجتماعية لم تستمع إلى نصيحة الأم بضرورة فصل الأخوين عن بعضهما، لكونهما لا يقومان بأعمال عدائية سوى عندما يكونان معاً، كما أكدت الأم. وسارع زعيم حزب المحافظين المعارض، ديفيد كاميرون، إلى استخدام قضية الطفلين لشن هجوم على التدني الأخلاقي الذي اعتبر أنه وراء تفكك القيم الاجتماعية في المجتمع البريطاني. وقال: «عندما يعرف الشبان أنهم سيحصلون على المال حتى ولو لم يقوموا بأي عمل، وعندما تُثبَط عزيمة ذوي النيات الحسنة عن القيام بعمل جيد في مجتمعهم، فهل هناك من داعٍ للاستغراب أن يكون مجتمعنا مفككاً؟». وأعادت هذه الحادثة إلى الأذهان قصة الطفل جيمس بلجر الذي كان يبلغ سنتين فقط من عمره عندما تعرّض للخطف والتعذيب والقتل عام 1993، على يد طفلين في العاشرة من العمر، شمال غربي إنكلترا (قرب مدينة ليفربول). ودان القضاء الإنكليزي آنذاك الطفلين جون فينيبلس وروبرت تومسون بجريمة خطف بلجر من مركز تجاري للتسوّق عندما كان مع أمه، وحكم عليهما بالسجن لمدة لا تقل عن ثماني سنوات، وكانا أصغر طفلين يُدانان بهذا العمر في تاريخ القضاء الإنكليزي. وهما خرجا من السجن في عام 2001 ومُنحا هويتين جديدتين ومُنعت وسائل الإعلام من كشف هويتهما الجديدة أو مكان إقامتهما خشية تعرضهما لأعمال انتقامية. وسيكون مصير الطفلين في الجريمة الجديدة مماثلاً لهما، إذ إنهما سيخرجان بعد سنوات قليلة من السجن وسيمنحان اسمين جديدين لتلافي كشف ماضيهما «الدموي».