دفعت درجات الحرارة المرتفعة والتي لامست في الأحساء 54 درجة مئوية في بعض الأيام، العائلات إلى الهروب إلى المزارع والاستراحات والتي فتحت ذراعيها للهاربين من حرارة الصيف إلى أحضان العيون والبرك الباردة، لتشكل هذه الأجواء زحفاً وعودة إلى أحضان الطبيعة، وتكراراً لصور قديمة كانت المزارع فيها الوجهة الوحيدة للتخلص من حرارة الصيف القاسية. وتشكل طبيعة الأحساء الزراعية الهوية الأهم والأبرز في مجال السياحة الداخلية، وتبرز بشكل كبير في فصل الصيف، إذ تجتذب عيونها الجوفية الباردة الكثيرين، وخصوصاً مع تحول الكثير من المزارع ومن النشاط الزراعي إلى النشاط الاستثماري من خلال تأجير تلك المزارع بشكل يومي أو نصف يوم، وتحويلها إلى منتجعات واستراحات، وتمثل هذه الأجواء الحارة، مصدر استثمار وجذب مهمين للمحافظة. ويوضح صالح الخليفة (صاحب استراحة) «وجدنا إقبالاً كبيراً من الناس على استئجار الاستراحات، وأول ما يسألون عنه، هل توجد بركة باردة؟، ويركزون بشكل كبير على وجود البناء المكيف المريح، والذي لا يقل أهمية عن العيون والبرك»، مضيفاًَ: «الآن الحداثة أثرت حتى في الاختيار، فنحن سابقاً لا نجلس في غرف المزارع بل خارجها». ويضيف: «مبلغ استئجار الاستراحة يبدأ من 250 ريالاً للاستراحات المتواضعة جداً، إلى مبلغ 3800 ريال لنصف اليوم في بعض المنتجعات المعروفة بخمس نجوم»، مشيراً إلى أن «الجلوس في المنازل وأمام أجهزة التكييف يصيب الجسم بالأمراض، ولا شيء أمام العائلات سوى المزارع والاستراحات. والحرارة المرتفعة التي عشناها ونعيشها تفتح الأبواب أمام أرباح مرتفعة لأصحاب الاستراحات». ويتجاوز عدد الاستراحات والمنتجعات في الأحساء 750 موقعاً، تتركز معظمها في القرى الشرقية والشمالية من واحة النخيل كما يحب الكثيرون أن يطلقوا عليها، وللأحسائيين طقوسهم الخاصة في مواجهة موجة الحر في تلك المزارع، بدءاً من الهروب الجماعي لتلك الأماكن ووصولاً إلى ممارسة الكثير من الأنشطة العائلية هناك. ويؤكد عبدالله السليم: «كنا في الماضي نتكدس داخل البرك المكشوفة في وسط المزارع، وغالبيتها مبني بشكل بسيط جداً من الأسمنت، وتتجمع فيها الطحالب الخضراء وحتى الضفادع لكن لا يهم فنحن نسبح بسعادة وسط المياه الباردة»، مضيفاً: «أما الآن فهذه البرك اختفت وتم التركيز على تلك المبنية بشكل حديث والمزينة بالفسيفساء والإضاءة الخاصة، والمبنية على الطراز الحديث». ويوضح «تمثل برك السباحة بالنسبة لنا، المصدر الرئيس لمواجهة ارتفاع درجات الحرارة القاسية في الأحساء وخصوصاً فترة الظهيرة والعصر، أما الليل ففي الغالب تعود الأجواء لحال الاستقرار»، مؤكداً أن «حجوزات المزارع والاستراحات تبدأ منذ الصباح الباكر إلى منتصف الليل، والبعض يفضل الحجز لنصف يوم». ولا تستقطب هذه الاستراحات سكان الأحساء فقط، بل أصبحت موطن جذب للسياح من خارج المحافظة من المدن المجاورة، وحتى دول خليجية مجاورة أيضاً، يقول فتحي السعد (صاحب استراحة) «في الشتاء يقل الطلب على الاستراحات، وذروة عملها في هذه الفترة وخصوصاً مع فترة الإجازة وارتفاع درجات حرارة الصيف، ولا تستقطب المنتجعات إلا طبقات معينة ذات الدخل المرتفع وذلك لارتفاع أسعار إجاراتها، بينما الاستراحات تتنوع لتناسب ذوي الدخل المحدود والمتوسط، بينما المنتجعات تستقطب الزائرين الخليجيين الذين يجدون في أسعارها أنها مناسبة جداً ورخيصة». وأدخلت ضمن حدود برك السباحة أحواض الجاكوزي، وهو أمر طارئ وحديث على تكوين المزرعة الأحسائية، إلى جانب غرف السونا والبخار في بعض المنتجعات، الأمر الذي عَدّه البعض تشويهاً لبساطة المزارع الأحسائية، إلا أنه تغيير بسيط لم يعمم على استراحات أخرى. وتنقسم العائلات فترة الظهر بين المجبرين على عدم مغادرة المنازل لشدة الحرارة، وبين الزائرين للمزارع والاستراحات، وتبقى الشوارع خاوية إلا من أشعة الشمس الحارقة التي تتزاحم على الطرقات.