تستثير وتُثير بعض الأخبار العابرة الدرجة القصوى من مشاعرنا، وتهبط بالثقة إلى الدرجات الدنيا منها من دون أن نمر على أخبار الإثارة والاستثارة بتوازن في القراءة وتعامل منطقي مع الأبعاد والتداعيات... الخبر المثير الأخير هو كشف أحد مراكز الهيئة عن تورط إمام وخطيب سعودي بأحد الجوامع بقضايا سحر وشعوذة، وتستر على ساحر آخر بمقر السكن، إضافة إلى احتواء هاتفه المحمول على 52 مقطعاً إباحياً، تقديس بعض الوظائف واعتبارها كاملة مكتملة مبرأة من الخطأ هو ما يثير في تفاصيل الخبر، فالنفس البشرية معرضة للخطأ والصواب ولا نلوم الإمام حين احتاج للحصول على إمامة الجامع للحية مشذبة وثوب قصير، وهذان المظهران انتقلا من وضعهما الطبيعي إلى ساترين للملامح ومظهرين من مظاهر الصلاح والتقوى ووسيلتين للوصول إلى أعمال دنيوية لمجتمع أعتاد منذ نعومة أظفاره على الافتتان بالمظهر واللسان والعجز عن تفكيك المخابر، تلك التي في العادة تعكس قيمة الإنسان وتحتفظ بالنيات التي تكون العماد في أي عمل. وظيفة الإمامة انضمت إلى قائمة الوظائف التي تدر دخلاً معيشياً وتوفر لقمة العيش ولينتفي منها البعد الديني للتساهل في آلية تعيين الأئمة والخطباء والنظر بجدية لما قد يخدشه إمام واحد بتصرفات فردية طائشة في ذهنية المجتمع المقدس لوظيفة كهذه وللمتدينين بصفة عامة. قبل أيام بسيطة من كشف فضائح «الإمام» كان هناك إمام آخر يستخدم كهرباء المسجد ويؤجر المسكن الذي منحه في بناية المسجد ذاته، وقبلها هرب آخر بمليون ريال قدمت من تبرعات إفطار صائم، الخطأ متلازمة بشرية تستحق منا التريث قبل إصدار الأحكام، إنما الوظائف والمناصب أيضاً عشق بشري لأهداف متعددة قد يبذل من أجلها الفرد ما وراءه وما خلفه ويتنازل عن كل مبادئه ويتقمص أي كاريزما شخصية قد توصله لها، ولذا التقديس وترميز البشر والوظائف عامل مهم يحول دون التوقف لنبش المجاهيل المختفية خلف المظاهر البراقة وإغراء اللسان. في مجتمعي الذي يتألم ولا يصدق مثل هذه الأخبار من يبحث جاداً ومجتهداً وبكل الطاقات عن مبرر لما فعله الإمام حتى توصل لأن المقاطع التي كانت بهاتفه الشخصي من بقايا شخص آخر حين كان الهاتف الشخصي مشترى بعد استخدام، والإمام - كما يبرر المتحمسون - لا يدري شيئاً عن المقاطع التي بداخله، فهو لا يستخدمه إلا للاتصال والرد، يضحكني هذا التحمس والتبرير الناجم عن ثقافة التقديس ونفي الأخطاء بالجملة والتفصيل لكل وظيفة ملائكية حساسة، ولكن لئن قبلنا التبرير بإغلاق العقول فكيف نبرر احتضانه واحتوائه لساحر آخر ومسايرته له جنباً لجنب في عمل سحري. يظل الإمام بشراً يمثل نفسه في التصرف والخطأ، إنما لا يقبل أن يكون بمثل هذا السوء في النيات والأعمال، ويجب أن نضيف معايير أخرى لاختيار الإمام والخطيب في المنبر والمحراب غير معيار المظهر الشرعي. ما لم أقله حتى السطر الأخير أن الإمام والخطيب يعمل معلماً للتربية الإسلامية بإحدى المدارس الابتدائية، وأعتقد انه لو خير بين وظيفتي الإمامة والتعليم لرمى بالأولى لأنها إضافة للمحصول الشهري، ووسيلة لا غاية في طريق الرزق، وسبيلاً للوجاهة الاجتماعية وكسب الثقة. [email protected]