أن تُقرّ امرأة بأن ابنتها «بمئة رجل»، وبأنها لم تكن تشعر بالخوف على ابنتها، على رغم أن الأخيرة تعيش في أميركا منذ 14 عاماً، فهذا يعني الكثير. إنّه يعني أن هذه الأم التي تعود إلى جذور سعودية بحتة، لم تقف في وجه ابنتها، بحجة أن «البنت ما لها غير بيت زوجها»، أو بحجة «الغربة»، أو بحجة «الخوف عليها من الشارع الذي لا يرحم، والذكور الذين لا يوفرون»... لم تمانع هذه الأم أبداً من انتفاع ابنتها من نظام تعليمي يقدر العقول والدرجات العلمية، حتى إذا كان هذا النظام يقع في أبعد بقعة منها، لأنها تدرك أن ابنتها «بمئة رجل» بحسب وصفها لها. غريبٌ ألاّ يكون لقول كهذا أثر يُدوي صدىً يصدر ممن يُسمّون بالمهتمين بحقوق المرأة، لا في مقالاتهم فقط، بل على نطاق إعلامي أوسع. برأيي، تختزل عبارة «بمئة رجل»، الكثير وراءها، سواء قصدت السيدة نجاة بنت محمود المطيري – أم العالمة السعودية غادة المطيري – أو لم تقصد، فقناعتها بأن ابنتها «بمئة رجل» هو الحصن الحصين الذي جعلها لا تشعر بالخوف على ابنتها، على رغم أن الأخيرة تعيش في أميركا منذ 14 عاماً. لكن من أين أتت قناعتها بأن ابنتها «بمئة رجل»؟! ربما لا أحتاج أن أشرح ما الرمز وراء عبارة «ابنتي بمئة رجل»، ف «كلنا عيال قريّة، وكل يعرف خيّه»، لكني أجزم أن السيدة نجاة تعرف ابنتها إلى حد يُخولها بإطلاقها إلى أميركا أو أي مكان في العالم وحدها من دون الخوف عليها. والمؤكد أن هذه المعرفة مبنية على يقين، وهذا اليقين مبني على معرفة السيدة نجاة نفسها، قبل معرفتها بابنتها. وبعبارة أخرى، السيدة نجاة «ربّت» ابنتها، بكل ما يحمل فعل «ربّت» من أبعاد بلهجتنا المحكية. ولأنها تدرك، في وعيها أو في لا وعيها، أنها أحسنت وضع الأساسات، وأحسنت البناء، وأحسنت الإشراف كما يفعل المهندسون، أطلقت العنان لابنتها لكي تُكمل قصة «ناطحة السحاب» – غادة، التي «لن يهزها ريح» حتماً بقناعة أمها، فكيف يمكن إقناع بناء خبير أن بناءه سيقع أو سيهتز، وهو يدرك أن ذلك لن يحدث حتماً. إن السيدة نجاة بنت محمود المطيري، «خبيرة في البناء»، وتشعر بالفخر تماماً كما يشعر المهندسون حين ينجزون ما بدؤوه. تقول نجاة لصحيفة «الجزيرة»: «إنها تشعر بالفخر الكبير نظراً إلى ما حققته ابنتها من درجات علمية وهي لا تزال في هذا العمر الباكر». أما شهادات خبرة السيدة نجاة «الكبيرة» – لقب أطلقته عليها - فهي: إضافة إلى ابنتها غادة، ابنها الأكبر خالد «اختصاصي جراحة تجميلية، ويقيم في كندا»، وابنها عامر «يحمل شهادة دكتوراه في الطب الباطني»، وابنتها هبة «معيدة في كلية الطب، وتكمل دراستها الآن في مدينة نيويورك»، وأخيراً ابنها الأصغر أحمد الذي تخرج قبل أسبوعين في كلية طب الأسنان. عصير الكلام اللهم ارزقنا مثل نجاة «الكبيرة»، بعدد نسائنا اللاتي لا يكتفين من الشراء و«اللفلفة» في الأسواق، ومن مشاهدة التلفزيون، ومن الثرثرة، وحضور المناسبات والنميمة... اللهم أنت كريم وقادر، ومجتمعنا في أمس الحاجة... اللهم واكفنا شر من لا يفخر بمثل السيدة نجاة المطيري.