«مصر خطت أولى خطواتها نحو المستقبل»، بهذه العبارة استهل مقدم حفل افتتاح قناة السويس الجديدة كلمته أمس من موقع الاحتفال شرق قناة السويس في مدينة القنطرة شرق، حيث سادت روح من التفاؤل والأمل. وقناة السويس الجديدة أُنجزت بحفر 35 كيلومتراً بعرض 317 متراً وعمق 24 متراً، شرق القناة الأصلية. وبدأ الحفر من الكيلومتر 60 بترقيم القناة الأصلية، لينزوي صانعاً جزيرة كبرى تفصل القناتين اللتين تلتقيان مجدداً عند الكيومتر رقم 95، مخلفاً نحو 250 مليون متر مكعب من الرمال. كما تمت توسيعات في القناة الأصلية بطول 37 كيلومتراً، وتعميقها ل 24 متراً، لتسمح بمرور السفن بعمق 66 قدماً. وستحقق القناة الموازية ازدواجية مرور السفن في الاتجاهين ما يُقلل من زمن العبور إلى 11 ساعة بدلاً عن 18 بعد تقليص ساعات الانتظار لثلاث ساعات على أقصى تقدير، بدلاً عن انتظار السفن نحو 11 ساعة، ما سيحد من نفقات عملية النقل ويرفع تصنيف القناة دولياً. ولا تتوقف آثار مشروع القناة الجديدة عند حد المكاسب الاقتصادية المباشرة، المتمثلة في زيادة عائدات القناة المالية لتتخطى 13 بليون دولار في العام 2023 مرتفعة من نحو خمسة بلايين في العام الماضي، إذ قدرت الحكومة زيادة القدرة الاستيعابية للقناة إلى 97 سفينة بدلاً عن 49 سفينة، لكن الأمل معقود على أثر تلك القناة في جذب استثمارات مشاريع مخطط تنمية إقليم قناة السويس، المزمع تنفيذه في الأعوام المقبلة، من خلال تحالف «دار الهندسة». قناة السويس التي بدت منطقة بكراً، ظهر أن نظام الرئيس عبدالفتاح السيسي يراهن عليها لتحقيق التنمية الاقتصادية المبتغاة. وقال وزير الاستثمار أشرف سالمان ل «الحياة» إنه من المقدر أن تشكّل المشاريع المقرر إنشاؤها في محور تنمية قناة السويس ثلث الاقتصاد المصري، متوقعاً أن يجذب المخطط استثمارات بنحو مئة بليون دولار. وجمعت الحكومة أكثر من 60 بليون جنيه مصري في أيام من خلال بيع شهادات استثمار للمواطنين، ستستخدم عوائدها أيضاً في تمويل أنفاق عدة تُحفر أسفل القناة، لربط غربها بشرقها، ما سيّسهل الوصول من الدلتا إلى شبه جزيرة سيناء. وقال وزير الري حسام مغازي إن الوزراة تنفذ مشروعاً لحفر ثمانية أنفاق أسفل القناة لنقل مياه النيل لشبه جزيرة سيناء بهدف زراعة مئة ألف فدان. وإن بدت الصحاري المترامية غرب قناة السويس، وقد دب فيها العمران، فإن الرمال الصفراء هي المعلم الأبرز لضفتها الشرقية التي خلت من أي مظاهر للحياة، ما عدا طرق ما زالت في مراحل التمهيد الأولى ومزارع متناثرة في الصحراء، تتوسطها عشش بسيطة بعضها مهجورة، فيما البنايات الخرسانية العشوائية تظهر من بعيد كذرات الرمال. لكن رغم هذا الواقع، الذي يُنذر بعمل صعب من أجل التعمير، خصوصاً في ظل الأوضاع الأمنية المضطربة في شبه جزيرة سيناء، خصوصاً في شمالها، لكن الإرادة التي حفرت القناة في عام واحد ظهر أنها عازمة على إنجاز هذا المخطط الضخم، إذ تراصت الجرافات والرافعات على جانبي طريق مُهد لنقل المدعوين في حفل افتتاح القناة الجديدة للموقع، إيذاناً ببدء العمل في المنطقة الاستثنارية في القنطرة شرق وغرب القناة. وقرب موقع الاحتفال شارفت «قرية الأمل» على الانتهاء. وتضم القرية مساكن للعمال في تلك المنطقة، وبجوارها «قرية التقدم» التي وضعت لوحتها التذكارية إيذاناً ببدء العمل فيها. واختارت الحكومة المصرية تحسين ظروف المرور في قناة السويس قبل تحويلها إلى المزمع لمركز تجاري عالمي اعتماداً على كونها مركز نقل دولي، فمثلاً توقعت وكالة الطاقة الدولية زيادة حصة قناة السويس من ناقلات النفط بعد فتح القناة الجديدة. كما توقعت منظمات دولية معنية بالنقل البحري ارتفاع حصة القناة من حجم التجارة العالمية المنقولة عبر البحار لأكثر من 30 في المئة. وقدر تحالف «دار الهندسة» الفائز بمخطط مشروع تنمية إقليم قناة السويس كلفته ب 15 بليون دولار. وقال رئيس الوزراء إبراهيم محلب إن المخطط سيوفر مليون فرصة عمل خلال 15 عاماً، فيما تخطت نسب البطالة في مصر 13 في المئة، حسب الإحصاءات الرسمية. وسيبدأ مشروع محور تنمية القناة بثلاث مناطق استثمارية، في شرق بورسعيد والقنطرة والعين السخنة. وقال وزير الاستثمار ل «الحياة» إن حفر القناة الجديدة كان ضرورياً قبل البدء في مشروع تنمية إقليم القناة، وتحويلها لمركز تجارة عالمي، إذ إن تحسين ظروف المرور في القناة سيجذب مزيداً من حركة التجاة بين آسيا وأوروبا، وسيغري الشركات الكبرى على إقامة مصانع قرب القناة، لتقليل نفقات النقل. وأشار إلى أن المشروع من المقرر أن يضم مناطق صناعية، في مجالات الأمصال والأدوية، والمواد الغذائية، والتعبئة والتغليف، وتجميع السيارات والمعدات، إضافة إلى مناطق سياحية، وترسانة بحرية لخدمة السفن. وقالت هيئة قناة السويس في مناقصة طرح مشروع تنمية قناة السويس إن المشروع «يمثل أول خطوة متكاملة لاغتنام الطاقات الاقتصادية لهذا المكان الفريد بالنظر إلى استمرار النمو في التجارة العالمية، وزيادة الحاجة إلى تقارب الأسواق». وأوضحت أنها تعتزم «تحويل القناة إلى محور اقتصادي عالمي للمساهمة في التنمية طويلة الأجل». وأوضحت أنها تسعى إلى خلق منطقة صناعية بحرية عالمية ولوجستية وصناعية وعمرانية متميزة، وتنويع وتوسيع نطاق الأنشطة القائمة في المنطقة. وذكرت الهيئة أن من بين أهدافها «ملء الفراغ في سيناء وتطوير هذا الجزء المهم من مصر». وامتدت الأجواء الاحتفالية إلى القاهرة ومدينة الإسماعيلية، حيث انتشرت على مداخلهما لافتات تقول «قناة السويس الجديدة هدية مصر للعالم»، وأخرى تشيد ب «معجزة المصريين» مصحوبة بصور للسيسي. ونشرت مصر أمس عشرة آلاف شرطي عبر البلاد تحوطاً لأي هجمات إرهابية. وتعتبر قناة السويس من الممرات التي تشهد أكبر حجم من الملاحة في العالم، إذ شكّلت حركة الملاحة عبرها 7,5 في المئة من حركة الملاحة التجارية العالمية في 2007، بحسب مجلس الملاحة العالمي. وسبق وأُغلقت قناة السويس لمدة ثماني سنوات بسبب الحرب المصرية الإسرائيلية 1967-1973، ليعيد الرئيس المصري السابق أنور السادات افتتاحها في 1975 في حفل صاخب، ارتدى فيه الزي العسكري على متن اليخت «المحروسة» أيضاً. ويجري تدشين المجرى الجديد في وقت تسعى مصر لترسيخ مكانتها كلاعب لا يمكن تجاوزه على الساحة الإقليمية، فيما خفض حلفاؤها الغربيون نبرة انتقاداتهم لها.