قاموس ضخم يضم تلك الألفاظ والتعابير التي تدخلها اللغة الانكليزية تحت ما تسميه Politicaly correct أي ما يمكن أن ينقل إلى لغتنا ب «تهذيب الألفاظ». يتعلق الأمر بألفاظ ينعتها المنطق التقليدي بأنها ألفاظ «منفية»، أي أنها لا تثبت صفة ما تصدق عليه وإنما تنفيها عنه. فما نلحظه في كثير من لغاتنا المعاصرة هو أن هناك ميلا نحو «تهذيب» هذه الألفاظ بتخفيفها ما أمكن من حمولتها السلبية وجعلها أقرب إلى الإثبات منها إلى النفي. وهكذا لم تعد اللغة الإنكليزية، على سبيل المثال، تقول disabled وإنما تفضل استعمال differently abled، كما لم تعد تستخدم لفظ slave وإنما توثر استعمال unslaved person، وبدل لفظ black تستخدم اللفظ المركب colored people، وهو اللفظ الذي تستخدمه اللغة الفرنسية كذلك homme de couleur. وهذه الأخيرة مثلا أخذت تفضل استعمال mal voyant بدل aveugle... السؤال المباشر الذي قد يتبادر إلى الذهن هو: لماذا هذا النفور، كي لا نقول التخوف، من إثبات السلب وتثبيته والإبقاء عليه؟ قد يبدو للوهلة الأولى أن الأمر لا يكاد يعدو «تهذيبا» للغة بالمعنى الأخلاقي للكلمة، أي صقلها من كل ما من شأنه أن يجرح المتلقي ويمسه في كرامته. وربما كان هذا مبررا لكون الأمر لا يتعلق بلغة بعينها، وإنما يكاد يشمل معظم اللغات الحية في عالمنا المعاصر. بهذا المعنى يَمثل التهذيب في تقريب المسافة بين المتكلم وبين المعنيّ بالأمر، وذلك بإلغاء «السلب» والنفي الذي يبعده عنه ويجعله «آخر» بالنسبة إليه. إلا أن الملاحظ هو أن ما يميز الألفاظ البديلة التي أوردنا بعضا منها، هو أنها لا تلغي الحمولة السلبية، وإنما تعمل فقط على التخفيف من حدتها. فعندما أنعت المعاق بأنه من «ذوي الاحتياجات الخاصة» فأنا لا أنفي عنه خصوصيته، وكذا هو الأمر حينما أقول عن «أسود البشرة» بأنه «من ذوي الأصول الأفريقية»، أو كما نقول في دارجتنا المغربية «اللِْوييِّينْ».الا أنني ان كنت لا أنفي عنه الخصوصية، فأنا لا أبقيه ضمن الأقليات، وإنما أجعله فقط حالة من الحالات و«لونا» من الألوان. يظهر إذاً أن وراء «التهذيب» آلية إيديولوجية غير مهذبة تتكفل بها اللغة بهدف فرض «معيار» الأغلبية، ورفع صفة الأقلية عن الأقليات، لجعل أفرادها مجرد حالات خاصة لا تحيد عن معيار الأغلبية وضوابطها. عندما يستبدل الأميركي لفظ indian ويضع موضعه اللفظ المركب native Amercan، الذي سبق للمستعمر الفرنسي أن استعمل مرادفهl'indigène ، فانه لا يكتفي ب «تهذيب» اللفظ، وإنما هو يرمي إلى استبعاد الفروق ورفع الاختلافات، وجعل الأقلية مجرد حالة خاصة للأغلبية. فهدف التخفيف من الحمولة السلبية، ليس تلطيف العلاقة وتحسين المعشر، وإنما إلغاء الأقليات كأقليات، إيمانا بأن لا وجود في النهاية إلا للأغلبية، ولا سيادة إلا ل «معيار» ها. * كاتب مغربي.