الملا عمر زعيم حركة «طالبان» الأفغانية .. واحد من أكثر الرجال المطلوبين في العالم على مدى أكثر من عقد وكان أيضا من بين أكثرهم قدرة على الإفلات من الاعتقال. ولا توجد صور واضحة للرجل طويل القامة ذي العين الواحدة ولم يقابله من الأجانب سوى نفر قليل. وحتى حين حكمت جماعته المتشددة أفغانستان لم يعرف عنه أحد سوى القليل. وقالت الحكومة الأفغانية اليوم (الأربعاء) إن لديها ما يكفي من "معلومات موثوقة" لتأكيد وفاة الملا عمر في نيسان (ابريل) العام 2013 في باكستان المجاورة. ولم تقدم أي أدلة أخرى. وأطيح بعمر وحكومة «طالبان» في أواخر العام 2001 بفضل القصف الجوي الأميركي بعدما رفض تسليم زعيم تنظيم «القاعدة» أسامة بن لادن عقب هجمات 11 أيلول (سبتمبر) العام 2001. وقال أتباع له إنه قام في وقت لاحق بتنسيق مقاومة «طالبان» للحكومة في كابول وللقوات التي يقودها حلف شمال الأطلسي في أفغانستان. لكن تناثرت الشائعات عن وفاته في أوساط المتشددين ودوائر الاستخبارات الإقليمية في السنوات القليلة الماضي وحتى إن كان حيا خلال تلك الفترة فإن دوره القيادي المباشر في «طالبان» بدا محدودا. واليوم بات مقاتلو «طالبان» في موضع الهجوم في مواجهة قوات الأمن الأفغانية التي تبذل جهودا مضنية لفرض سيطرتها بعد انسحاب معظم قوات حلف شمال الأطلسي في العام الماضي. واستولت «طالبان» على عدد من المناطق واجتاحت عشرات القرى في المناطق الشمالية بينما يقتل آلاف المدنيين والجنود وقوات الشرطة كل عام جراء أعمال العنف. ومع ذلك فإن الحركة منقسمة بشدة وتواجه خطرا خارجيا جديدا يتمثل في الفصائل المنشقة التي تدين بالولاء لتنظيم «الدولة الإسلامية» (داعش) وتهاجم «طالبان» نفسها. ومُني الملا عمر بانتكاسة مؤثرة عندما ألقي القبض على الرجل الثاني بحركة «طالبان» الملا عبد الغني برادار في مدينة كراتشيالباكستانية أوائل العام 2010 في عملية مشتركة بين وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية والاستخبارات الباكستانية. وقال مسؤولون أميركيون إن برادار أدلى بمعلومات مفيدة حول عمليات الحركة في أفغانستان. وكان برادار وهو أحد المقربين من عمر القائد الميداني الرئيسي المسؤول عن قيادة الحملة ضد الولاياتالمتحدة وقوات حلف شمال الأطلسي والذي يخطط لتنفيذ تفجيرات انتحارية وهجمات رئيسية أخرى. وفي سلسلة من التصريحات التي كان يطلقها عمر منذ العام 2008 سعى الرجل للتحدث بلهجة غلبت عليها لغة التصالح وطلب من المقاتلين الكف عن قطع رؤوس المتهمين بالتجسس لصالح الولاياتالمتحدة وكان يصر على أن حكومة «طالبان» لا يمكن أن تكون تهديدا عالميا. وقال عمر في أحد البيانات المنسوبة له "نريد علاقات مشروعة مع دول العالم ونحن لا نشكل تهديدا لأحد". وكانت إستراتيجية «طالبان» تستهدف إضعاف رغبة القادة والمواطنين في الغرب في الإبقاء على قواتهم في أفغانستان فضلا عن معاناتهم من استمرار سقوط الضحايا. ودعا الرئيس الأفغاني السابق حامد كرزاي للسلام مع «طالبان» حين كان يتولى السلطة وجعل خليفته الرئيس الحالي أشرف عبد الغني المفاوضات مع المتمردين أولوية. وأجريت الجولة الأولى الافتتاحية من المحادثات في باكستان في وقت سابق هذا الشهر لكن لم يعرف موقف عمر من المحادثات. وقد يشكل الإعلان عن وفاته انتكاسة للعملية الهشة إذ يرجح أن تتفاقم الانقسامات داخل حركة «طالبان» حول المشاركة في المفاوضات من عدمه بسبب الصراع على خلافة الزعيم الراحل. ولد الملا عمر عام 1959 أو1960 في قرية صغيرة بالقرب من قندهار لعائلة من الفلاحين الفقراء وفقد والده عندما كان صغيرا وتحمل مسؤولية إعالة أسرته. وحينما كبر وطالت لحيته أصبح الملا هو رجل الدين الأبرز في قريته وفتح مدرسة دينية تابعة له قبل أن ينضم للمجاهدين الذين كانوا يقاتلون الحكومة المدعومة من السوفيت من العام 1989 إلى العام 1992. وأصيب الملا عمر أربع مرات وفقد عينه اليمنى عندما أصيب بشظية في وجهه. ولا يوجد سوى عدد قليل من الصور الغامضة لعمر فقد حظرت «طالبان» التصوير والتلفزيون والموسيقى "ووسائل الترفيه". ووصف أحد الأجانب القليلين الذين قابلوه الهيئة المتواضعة التي كان عليها. وظهر عمر حافي القدمين ويرتدي ثيابا قصيرة تصل إلى أسفل ركبتيه. وبدأ نجم الملا عمر في الصعود مع تزايد الإحباط من الحروب بين فصائل المجاهدين الذين هزموا الروس قبل أن يقاتلوا بعضهم البعض منذ العام 1992. وتتردد رواية على ألسنة الناس تقول إن الملا عمر جمع في العام 1994 حوالي 30 من طالبان (أي الطلبة الذين يدرسون علوم الدين) بعدما سمع عن تعرض فتاتين مراهقتين للاغتصاب على يد أحد قادة المجاهدين. وباستخدام 16 بندقية هاجمت المجموعة قاعدة وحررت الفتاتين ووفقا لهذه القصة شنقوا هذا القائد على فوهة دبابة. وقال عمر لصحافي باكستاني "كنا نقاتل مسلمين مضوا في الطريق الخطأ. كيف كان لنا أن نلوذ بالصمت بينما كنا ترى جرائم ترتكب ضد النساء والفقراء؟". ومع تزايد شهرة حركته عثر عمر على مجندين متعطشين للانضمام له في المدارس الدينية على طول الحدود الباكستانية. وقال أحمد راشد مؤلف كتاب (طالبان) الذي حقق مبيعات ضخمة "بدأ كرجل دين بسيط من البشتون بدون أي رؤية للعالم أو رؤية لدولة أفغانية مستقبلية". وأضاف "بدأ وهو غير راغب في سلطة الدولة ولكنه كان يريد فقط أن يخلص أفغانستان من أمراء الحرب، وقد وضع رؤيته للعالم بمساعدة أسامة بن لادن". في نوفمبر العام 1994 استولت حركة «طالبان» على قندهار ثاني كبرى مدن أفغانستان وأصبح واضحا أن حملته حظيت بدعم باكستان. وفي أوائل العام 1995 اجتاح المقاتلون الشبان الشمال وبحلول نهاية العام باتت مدينة هرات بغرب البلاد في أيديهم. وأستغرق الأمر عاما آخر للاستيلاء على كابول وحتى يتحقق ذلك لجأ عمر إلى حيلة. فقد حصل على عباءة مقدسة يقال إنها كانت عباءة النبي محمد من ضريح في قندهار حيث كانت متروكة في الظلام لمدة 60 عاما. وظهر الرجل على سطح مبنى وهو يرتدي العباءة وسط تهليل الملالي المبتهجين الذين تجمعوا في الأسفل. وكانت النتيجة الاتفاق على إعلان «الجهاد» ضد الرئيس برهان الدين رباني. وسقطت كابول في يد «طالبان» يوم 26 أيلول (سبتمبر) العام 1996. وبعد خمس سنوات وتحت وطأة قصف القنابل الأميركية تركت «طالبان» كابول تحت جنح الظلام في الساعات الأولى من صباح يوم 13 تشرين الثاني (نوفمبر) العام 2001 مما أشعل البهجة بين الرجال والنساء من المواطنين الذين تحرروا من القيود التي فرضت عليهم مثل إطالة اللحية أو ارتداء البرقع. وكان الملا عمر يحث جنوده على القتال حتى آخر نقطة دم في الأيام الأخيرة من حكم «طالبان» التي اتسمت بالتشدد الديني وتحريم تعليم وعمل المرأة وتنفيذ عمليات الإعدام العلنية وبتر الأطراف. لكن كلماته ذهبت أدراج الرياح مع ضراوة القصف الأميركي الذي كسر إرادة مقاتلي «طالبان» في إتباع تعليمات أميرهم الملا عمر. وخلال الفترة التي أمضاها في السلطة نادرا ما غادر الملا عمر مقره في ضواحي قندهار. ووفقا لما هو مسجل لم يقابل الملا عمر من غير المسلمين سوى الممثل الخاص للأمم المتحدةلأفغانستان في أكتوبر العام 1998 والسفير الصيني لدى باكستان.