قبل يومين تلقيت رسالة الكترونية مرسلة من «أمن بنك دبي التجاري» تقول إن تعاملي الإلكتروني مع البنك معطَّل، ثم تطلب أن أسجل «هنا»، أي في نقطة محددة من الرسالة، رقم حسابي لحل المشكلة. أولاً، ليس عندي حساب في بنك دبي التجاري أو أي بنك في الخليج كله، ولم يكن عندي حساب في الخليج يوماً. وثانياً، لم أكن أعرف أن هناك بنكاً اسمه بنك دبي التجاري، وإنما أذكر اسم بنك أبو ظبي الوطني لوجود فرع له في لندن قرب بيتي لم أدخله إطلاقاً. وثالثاً، ربما كنت أبدو بسيطاً و «على نيّاتي»، إلا أنني لست من السذاجة أن أعطي رقم حسابي لأي طالب، خصوصاً أنني لا أحفظه ولا أحمل أي بطاقات ائتمان (كريدت كارد). أعرف أن كل من له بريد إلكتروني يتلقى رسائل نصب واحتيال يومية، إلا أنني لا أعرف حجمها عند الآخرين، وأستغرب أن تكون نصف بريدي تقريباً، وقد كتبت عنها في السابق وأعود إليها اليوم لمجرد تحذير الناس، ثم المطالبة بنظام لمنع وصول هذه الرسائل الى المستهدفين بها، فكثرتها وحدها تدلّ على أن لها سوقاً، و «رزق الهُبل عا المجانين». بعض الرسائل يسهل إهماله وهو يقول إنني ربحت مليون دولار أو عشرة ملايين، وأحياناً رقماً محدداً مثل 14.112.330 دولاراً ومعها بعض الكسور العشرية. وبعضها الآخر يبدأ بكلمات من نوع «عزيزي» أو «حبيبي» وأيضاً «أيها الأعز»، وأنا لست محظوظاً الى درجة أن تحبني امرأة عبر القارات. غير أن الحذِر يؤتى من مكمنه وأحياناً أتلقى رسائل تحمل لي أسماء أصدقاء أو معارف باسماء مشابهة وأفتح هذه الرسائل لأجد أنني كسبت اليانصيب من دون أن أشتري تذكرة، أو ورثت ثروة قريب لم أكن أعرف أنه موجود في البرازيل أو هونغ كونغ. وأمامي رسالة الكترونية تتحدث عن ابن عمي «المرحوم» وورثته. وعندي أبناء عم كثيرون لم أسمع عن مرض أحدهم، ناهيك عن موته، لا سمح الله، ثم ان لكل من أبناء العم إخوة وأخوات، فليس في أسرتي كلها ابن وحيد، وإن كان من إرث فهو يذهب الى الإخوة وليس لي. ولكن الرسالة تؤكد حقي في وراثة ابن العم الذي ترك سندات في بنك هولندي له فرع في لندن. أقول ما يقول اللبنانيون «في المشمش». كنت تلقيت رسائل استُعمِلت فيها أسماء قرينات قادة عرب أعرفهن كما لا يعرفهن المرسلون والتزييف واضح. غير أن رسائل أخرى تحيرني لجرأة المرسلين ولأنني لم أسمع بعد عن إجراءات قانونية اتخذها الذين استعملت أسماؤهم لحماية سمعتهم. أمامي رسالة من مجلس الشيوخ الأميركي تطلب مني إرسال تفاصيل عنواني وحسابي وهاتفي الى المستر ريتشارد ليسلمني 6.8 مليون دولار لا يشرح هل هي جائزة أو إرث أو تعويض على ما ارتكب الكونغرس بحق العرب والمسلمين. شخصياً، لا أريد من الكونغرس الأميركي سوى أن يكف شرّه عني وعن الأمة. إذا لم يكن مجلس الشيوخ طريقي الى الثروة، فهناك وزارة الخارجية الأميركية ورسالة الكترونية باسمها تقول إنني ورثت 5.5 مليون دولار، إلا أنها لا تقول كيف ورثتها، أو من المورِّث، وكيف وصلت الى وزارة الخارجية الأميركية وهي في طريقها إليّ. هذه الرسالة تستعمل أيضاً اسم بنك أميركا ومفوض البنك ينصحني بألا أتعامل مع أحد غير الموظفين المعنيين حرصاً على مصلحتي ومالي. ولا أقول له سوى إنه إذا وجد مالاً لي في بنك أميركا فليأخذه، يعني انني أعطيه شيكاً على بياض، ثم أقول له ما يقول السوريون «فوت بعبّي». في غرابة ما سبق رسالة الكترونية من مكتب التحقيقات الفيديرالي (أف بي آي) الذي اختارني ليدفع لي خمسة آلاف دولار في اليوم، وبشكل مفتوح، أي ما عشت أو عاش المكتب. والرسالة لا تقول ماذا ينتظر مني أن أقدم في مقابل خمسة آلاف دولار في الشهر، مع خشيتي أن يطلب مني البحث عن أسلحة الدمار الشامل في العراق «ويا رايح الحج والناس راجعة». وعندي رسالة قريبة مما سبق هي من رئيس العمليات الخارجية، ولكن في لندن لا الولاياتالمتحدة، وهو يعد بأن يحول إليّ فوراً 14.2 مليون دولار، من دون أن يشرح لماذا تتعامل مصلحة بريطانية بالدولار لا بالجنيه، أو ماذا فعلت لأستحق هذا المبلغ، فكل المطلوب أن أرسل تفاصيلي الشخصية، وهي معروفة بصفتي «فتى الشاشة الأول». وضحكت وأنا أقرأ رسالة الكترونية أخرى، فهي من محام وعنوانها «ثق بي»، وأنا لا أكاد أثق بنفسي، ولا يمكن أن أثق بمحامٍ أميركي، خصوصاً أنه يريد أن استثمر له 50 مليون دولار أميركي دفعة واحدة. وأقترح أن يستثمرها في المشمش السالف الذكر. كل ما كتبت عنه محفوظ عندي لمن يشاء مراجعته، ونقطتي الوحيدة هي أنه لا من بد أن تكون هناك سوق رائجة وإلا ما استمرت هذه الرسائل وزادت عدداً ووقاحة باستعمالها بعض أشهر الأسماء، ولا بد من أن تكون هناك جهة مسؤولة عن حماية الناس، أو أن تؤسس هذه الجهة إذا لم تكن موجودة فعلاً. [email protected]