الإرهاب ينتشر كداء فتّاك. ومهما اختلفت أهداف منفذّيه، وتعددت أسماؤهم وتنوعت أفعالهم، يبقى الإرهابي عدواً للإنسان، قاتلاً نهماً لا يرتوي. هذا الداء الذي حاول مراراً وتكراراً أن ينال من السعودية، لم ينجح في مسعاه. والتجارب التي مرّت بها المملكة منذ نحو 50 عاماً دليل على ذلك، إذ أنها تعمد، في حربها على الإرهاب، إلى اتخاذ إجراءات صارمة على جبهات ومستويات عدة. وتبذل السعودية جهوداً أمنية كبيرة في الحرب على الإرهاب، والاعتقاد السائد لدى السعوديين وحكومتهم أن هذه الجهود تؤتى ثمارها. وفي خطين متوازيين، ولم تكتفِ المملكة بالجانب الأمني فقط، إذ اهتمت كثيراً في حربها على الإرهاب بمعالجة الجانب الفكري الذي تمخّض منه هذا التطرف، وأنشأت في 2005 «مركز محمد بن نايف للمناصحة والرعاية»، وهو مؤسسة إصلاحية تعنى بإعادة التأهيل الفكري للأشخاص المتورطين في جرائم إرهابية في المملكة، خصوصاً ممن لم تتلطخ أيديهم بالدماء. ويعمل وفق طرق منهجية تستند إلى قيم الإسلام، والمعارف والعلوم الأخرى ذات العلاقة التي تساعد المتورطين على فهم الأمور بوجهتها الصحيحة. ويقوم المركز على أهداف استراتيجية تتمثل في تعزيز الأمن الفكري، نشر الوسطية والاعتدال، البناء المعرفي والسلوكي للمستفيدين من برامجه، تعزيز فرص الاندماج للمفرَج عنهم في قضايا الإرهاب، بناء المعرفة بظاهرتي التطرف والإرهاب، إيجاد الممارسات الفضلى في المعالجة الفكرية وإعادة الدمج. أما استراتيجية عمله فترتكز على ثلاثة برامج رئيسة: برنامج المناصحة ذو المسار العلاجي والوقائي (ينفذ داخل السجون وخارجها)، برنامج التأهيل (مجموعة من البرامج تقام خارج السجن كمرحلة وسطية ما بين السجن والمجتمع) وبرنامج الرعاية اللاحقة (يأتي ما بعد الإفراج عن السجين). وتشمل تلك البرامج تخصصات شرعية ونفسية واجتماعية وتدريبية، بالإضافة إلى تخصصات أخرى كالتاريخ، والعلاج بالرسم الذي يساعد المختصين على فهم شخصية المستفيد وغيرها من التخصصات. وينشط المركز في الدور الوقائي والعلاجي (على حد سواء). وتطاول برامجه أيضاً أسر الموقوفين والسجناء والمفرج عنهم. وقد التحق بالمركز وتخرج منه، منذ تأسيسه، 120 مستفيداً ممن كانوا موقوفين في سجن «غوانتانامو»، و2851 مستفيداً من السجناء داخل المملكة. وبلغت نسبة «العَوْد» (المنتكسين) في المجموعة الأولى 18.33 في المئة، وفي الثانية 14.8 في المئة. وعلى المستوى الدولي، دعا خادم الحرمين الشريفين الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز، في شباط (فبراير) 2005، في مؤتمر دولي لمكافحة الإرهاب أقيم في الرياض، إلى تأسيس «المركز الدولي لمكافحة الإرهاب»، وأنشئ في العام نفسه. حينذاك، قال الملك عبدالله: «سنضع تجربتنا في مقاومة الإرهاب أمام أنظاركم ومؤتمركم، ونتطلع إلى الاستفادة من تجاربكم في هذا المجال. ومما لا شك فيه، أن تجاربنا المشتركة سوف تكون عوناً لنا جميعاً بعد الله». وقدمت السعودية للمركز 110 ملايين دولار لدعم أنشطته، واستضافت فعاليات دولية عدة في مجال مكافحة الإرهاب، كان آخرها الاجتماع الثاني الذي عقد في مدينة جدة في السابع من شهر أيار (مايو) الماضي، لمجموعة مكافحة تمويل تنظيم «داعش» وتجفيف منابعه، وقد صادقت المجموعة على عدد من الاتفاقات الدولية والإقليمية لمكافحة الإرهاب وتمويله التزاماً بتنفيذ قرارات مجلس الأمن. وقدمت السعودية إلى «مجلس حقوق الإنسان» مطلع الشهر الجاري توصيات عدة لمواجهة الإرهاب، منها: الأخذ بثلاثة أبعاد حيوية وبصورة متزامنة ومنسقة لإقامة مشاريع وبرامج هذه المواجهة وتأطيرها على المستويات المحلية والإقليمية والعالمية. ومن هذه الأبعاد، على المستويين العام والخاص، ما هو وقائي وعلاجي وردعي وأمني وسياسي. ويتمثل ذلك في تعزيز البرامج الوقائية من الأفكار المنحرفة التي تروج لها التنظيمات الإرهابية على مستوى الأسرة والمجتمع، عبر مؤسسات تربوية وإعلامية ودينية. وهناك التصدي للتنظيمات الإرهابية (فكرياً) ضمن المساحات التي تنشط فيها، وأهمها العالم الافتراضي وخصوصاً وسائل التواصل الاجتماعي التي باتت أكثر الوسائل التي تستغلها التنظيمات الإرهابية في التجنيد والتحريض والدعاية. (والتصدي يقتضي سَنّ تشريع دولي يحرّم هؤلاء من استغلال وسائل التواصل الاجتماعي في أنشطتهم الإرهابية بكافة أشكالها سواء في التجنيد أم التحريض أم الدعاية أم التأييد أم التهديد... وبأي لغة كانت). ويأتي بناء وسائل وأساليب متطورة، في مجال التوعية الوقائية من الأفكار المتطرفة، ليجعلها أكثر قبولاً وقابلية لتحقيق الأهداف المرجوة. وأما تعزيز المواجهة الفكرية للفكر الإرهابي بصورة أشمل، فيتحقق من خلال برامج علاجية وإصلاحية (على المستوى الدولي) وبناء تشريعات وقوانين عقابية للجرائم الإرهابية تتناسب وحجم الضرر الناجم منها مادياً ومعنوياً. وهناك أيضاً تعزيز وسائل «جبر الضرر» الذي يقع على ضحايا الإرهاب، المباشرين وغير المباشرين، ودعم دور هيئة الأممالمتحدة في التصدي لظاهرة الإرهاب. أبرز الحوادث الإرهابية التي ارتكبت في المملكة في 1965، اعتقلت السلطات السعودية «مخربين» من دولة مجاورة نفذوا تفجيرات عدة في مؤسسات أهلية وعامة في مدينة الرياض. وبعد ذلك ب 14 عاماً، وتحديداً في 1979، اقتحمت مجموعة من المتطرفين الحرم المكّي الشريف وأطلقت النار على المصلين واحتجزتهم، ما تسبب في تعطيل الصلاة مدة ثلاثة أيام. وفي 1986، أحبطت المملكة محاولة تهريب 51 كيلوغراماً من مادة «سي 4» شديدة الانفجار في مطار الملك عبدالعزيز الدولي بجدة، كانت في حوزة حجاج إيرانيين، من دون علمهم، عند قدومهم لأداء مناسك الحج. وكانت أُرسلت بهدف تفجير المسجد الحرام في مكة وقتل آلاف الحجاج. في 1989، استغلت مجموعةٌ حجاجاً كويتيين لتهريب متفجرات إلى الأماكن المقدسة في مكةالمكرمة، وفجرتها داخل باحة الحرم، ما أدّى إلى مقتل أحد الحجاج وإصابة 16 آخرين. وفي الرياض، وقع تفجير إرهابي في 1995 نجم من سيارة مفخخة في مبنى يتبع لوزارة الحرس الوطني السعودي. وكانت الحصيلة مقتل ثلاثة أميركيين وهنديين اثنين وأصابة نحو 60 شخصاً بجروح. وفي العام التالي، حصل تفجير إرهابي بشاحنة محملة بطنَّين من المتفجرات في مدينة الخُبر، أوقع 19 قتيلاً أميركياً و386 شخصاً مصاباً، معظمهم نساء وأطفال. وفي 2000، عمد إرهابيان إلى خطف طائرة مدنية سعودية والتوجه بها إلى العراق. في 2003 و2004، تعرضت المملكة لعدد من الحوادث الإرهابية، إذ هاجم انتحاريون بثلاث سيارات مفخخة ثلاثة مجمعات سكنية في مدينة الرياض بالتزامن، هي: مجمع «درة الجداول»، ومجمع «الحمراء»، ومجمع شركة «فينيل». وكانت حصيلتها مقتل 26 شخصاً وأكثر من 160 جريحاً من جنسيات مختلفة، إضافة إلى الانتحاريين. وكان ذلك في العام 2003. وفي العام ذاته، حدث هجوم إرهابي بشاحنة مفخخة على مجمع «المحيا» السكني في الرياض الذي يسكنه مقيمين من جنسيات عربية وأوروبية، وكانت حصيلة هذا الهجوم الذي حصل في شهر رمضان 12 قتيلاً و122 جريحاً من الأبرياء، بينهم 35 طفلاً. وفي 2004، قُتل في اعتداء إرهابي المصور التلفزيوني الآرلندي، سيمون كامبرز، وأصيب زميله البريطاني فرانك غاردنر مراسل «هيئة الإذاعة البريطانية» (بي بي سي) لشؤون الأمن. حدث هجوم إرهابي في العام نفسه بسيارة مفخخة على مبنى الإدارة العامة للمرور في الرياض، المكوّن من سبعة طوابق والحصيلة كانت استشهاد خمسة من رجال الأمن ومواطن، وأصيب في الحادث 148 شخصاً. قُتل خمسة مهندسين أميركيين وبريطانيين وأسترالي في هجوم شنّه إرهابيون في ذلك العام على مجمع للبتروكيماويات. في العام نفسه، إرهابيون يقتحمون مجمعاً سكنياً في الخبر ويحتجزون عشرات الرهائن، أغلبهم موظفون في شركات نفط أجنبية، وخلفت العملية 22 قتيلاً. وتفجير إرهابي بسيارة مفخخة يقودها انتحاري استهدف مبنى وزارة الداخلية، وتزامن في الوقت نفسه تفجير سيارة مفخخة يقودها انتحاري استهدفت مبنى قوات الطوارئ شرق العاصمة الرياض. وفي 2006، باءت محاولة استهداف معامل بقيق لتكرير النفط بالفشل، عندما حاول انتحاريان تفجير سيارتين، كانا يستقلانها في ذلك المكان، واستُشهد رجلا أمن وقتل منفذا العملية. وفي 2007، فتحت مجموعة إرهابية مسلحة النار على فرنسيين كانوا يسلكون طريقاً قرب مدينة تبوك (شمال)، فسقط من بينهم أربعة قتلى، وأصيب نساء وأطفال. وحدثت، في 2009، محاولة اغتيال فاشلة لولي العهد السعودي ووزير الداخلية، الأمير محمد بن نايف، نفذها عبدالله عسيري، صاحب الرقم 85 على قائمة المطلوبين أمنياً، بتفجير نفسه. وهو شقيق خبير المتفجرات إبراهيم الذي سبق أن جند الشاب النيجيري عمر الفاروق لتفجير طائرة ركاب مغادرة من أوروبا في طريقها إلى الأراضي الأميركية. وشهد أحد المنافذ الحدودية في منطقة جازان، في 2009، مواجهة مع تنظيم «القاعدة»، حين حاول اثنان من المدرجَين على إحدى قوائم المطلوبين التسلل إلى المملكة متنكرَين بزي نسائي، وكانت الحصيلة مقتل اثنين من الإرهابيين. وفي 2012، استشهد اثنين من أفراد حرس الحدود في محافظة شرورة (جنوب)، على الحدود مع اليمن، على يد عشرة إرهابيين حاولوا التسلل إلى اليمن. وفي 2014، حاول ستة إرهابيين التسلل من اليمن إلى داخل الأراضي السعودية عبر منفذ «الوديعة» الحدودي مع اليمن نتج عنه استشهاد رجل أمن، ومقتل خمسة من الإرهابيين. وفي العام الحالي، تسلل أربعة إرهابيين عبر الحدود الشمالية للمملكة بمحاذاة مركز «سويف» التابع لجديدة عرعر في منطقة الحدود الشمالية، وحصل اشتباك أدى إلى مصرعهم جميعاً واستشهاد ثلاثة من رجال الأمن. وأحبِطت محاولة تهريب 30 كيلوغراماً من مادة «آر دي إكس» المتفجرة على جسر الملك فهد، وسبقتها محاولة تهريب حوالى 60 كيلوغراماً من المادة ذاتها، وكانت معومة في بحر الخليج العربي بالقرب من سواحل المملكة. واستشهد رجلا أمن وهما يؤديان واجبهما الوظيفي على أمن الطرق الرئيسة شرق الرياض بعد استهدافهما بإطلاق النار عليهما من قبل اثنين من الإرهابيين. واستشهد رجل أمن أثناء تأدية واجبه الوظيفي في أمن أحد المواقع الرسمية جنوبالرياض، بعد تعرضه إلى إطلاق نار وحرق جسده من قبل مجموعة إرهابية. وفجّر انتحاري نفسه في مسجد في محافظة القطيف (شرق) وكانت الحصيلة استشهاد 22 شخصاً من المصلين. وبالطريقة ذاتها، فجّر انتحاري نفسه في مسجد «العنود» في الدمام، نتج عنه استشهاد أربعة أشخاص، ومصرع الانتحاري. وقبل نحو أسبوع فاجأ الانتحاري عبدالله الرشيد خاله الضابط في وزارة الداخلية داخل منزله بأربع رصاصات وجّهها إلى رأسه فأرداه قتيلاً، ولم يكتف بها، إذ سدّد له عشر طعنات بسكين قبل أن يسلب سيارته ويتجه بها إلى «سجن الحائر» (جنوبالرياض) وفي حوزته حزام ناسف، محاولاً قبل موعد إفطار آخر يوم في رمضان، قتل رجال أمن عند نقطة تفتيش، لكن حزامه انفجر فقتله وأصاب اثنين من رجال الأمن إصابات طفيفة.