عاش مشعر منى، لحظات الفراق بعد أن نفر آخر فوج من الحجاج المتأخرين، وأصبح المشعر خاليا إلا من الخيام التي كان يقطنها ضيوف الرحمن، وأكوام النفايات التي جمعت أمام أبواب المخيمات. وكان كل جزء من المشعر يبكي على فراق ضيوف الرحمن، الذين قضوا في رحابه أربعة أيام، إضافة إلى يوم التروية مكبرين مهللين رافعين أكف الضراعة إلى المولى سبحانه وتعالى، أن يتقبل حجهم ويغفر ذنوبهم بعد أن أتوه شعثا غبرا ملبين نداء الحق الكريم القائل: "وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق". وقضى مشعر منى ليله حزينا على فراق ضيوفه، الذين فتح لهم ذراعيه واستقبلهم بكل ترحاب وسرور، كيف لا وهم ضيوف الرحمن، الذين أتوه من كل أصقاع الدنيا لأداء فريضة الحج. لقد عاش المشعر الحرام من مجر الكبش وحتى نهاية حدوده مع مشعر مزدلفة مرورا بشارع الجوهرة وشارع سوق العرب وربوة الحضارم ومنطقة الشعبين ومنى الوادي خمسة أيام تعدو من أجمل أيامه، حيث كان الحجاج الذين وقوفا على صعيده الطيب يقضون أوقاتهم ما بين صلاة وقراءة للقرآن وتكبير وتهليل ودعاء لقد ودع المشعر ضيوفه، وهو يردد "لا نقول وداعا وإنما نقول إلى لقاء آخر في العام المقبل"