تعد شبكات التواصل الاجتماعي من أهم التقنيات الحديثة التي شهدها المجتمع مؤخراً، وعملت بنجاح على تذليل الصعاب والمسافات للربط بين الأفراد، سواء على المستوى المحلي، أو العربي، أو العالمي، بل وأصبحت مكاناً خصباً لإنشاء العديد من العلاقات، وتبادل التهاني والأخبار، وكذلك تداول كل ما هو جديد في نواح عدة، لكنها تبقى ذات مآخذ وانتقادات في جوانبها الأخرى، والتي تسببت في تحويلها إلى مصدر لنشر الأخبار والمعلومات غير الموثقة، والتي تختلف حدتها من وجه إلى آخر بحسب الزمان والمكان. إن عملية حظر أو حجب هذه الوسائل التقنية عن مستخدميها أمر بالغ الصعوبة إن لم يكن مستحيلاً، إلاّ أن الأمر يُحتم نفي المؤسسات الحكومية للأخبار المكذوبة، وتقديم الأخبار الموثوقة للمجتمع بعيداً عن العشوائية والتشويش، كما أن تفعيل عوامل العلاج لهذه الإشكالات في مواقع التواصل الاجتماعي، والتي تتمثل في كثرة الشائعات المكذوبة وغير الموثقة، تتطلب تفعيل الرقابة على هذه المواقع بالمقام الأول، يلي ذلك دور وسائل الإعلام في تفعيل الدور التوعوي من خلال رفع المعدل الثقافي، والتوضيح بأهمية الاستخدام الصحيح لهذه الشبكات، إلى جانب تبيان مساوئها البالغة الخطورة على الأفراد والمجتمع على حد سواء، ولا نغفل مشاركة الكتاّب والأكاديميين في شرح الجوانب المفيدة منها، وتنبيههم على عواقب الجوانب السلبية، والتي تضر بكيان المجتمع والأفراد بالمقام الأول. "الرياض" تطرح الموضوع، وتلتقي المختصين والأكاديمين، فكان هذا التحقيق. تنامي الشائعات في البداية قال "د.سعد العمري" -عميد التعليم الإلكتروني في جامعة الدمام-: إن مواقع التواصل الاجتماعي استقطبت السواد الأعظم من الأفراد في المجتمع، مما يجعلهم على تواصل دائم واطلاع على كل المستجدات، مضيفاً أنه من الصعوبة جداًّ حجب هذه المواقع عن مرتاديها أو إبعادهم عنها، لكونها أصبحت ضرورة لازمة في حياة الناس بوجه عام، مشيراً إلى أن متابعة هذه المواقع من قبل الجهات المعنية ومراقبتها تعد إحدى الحلول الفاعلة، مع بذل الجهود لرفع معدل الوعي لدى الأفراد المتعاملين، مبيناً أن تلك المواقع لا تُعد جهة موثوقة لاستسقاء الأخبار، وإنما هي في الغالب بيئة خصبة ومناسبة لتنامي الشائعات، والتي لا تخفى آثارها الكبيرة على المجتمع. تسلية وتواصل وشدّد "د.العمري" على ضرورة مشاركة الدوائر الحكومية مع كل ما هو جديد، ونفي الشائعات المكذوبة والمغرضة، مؤكداً على أن ذلك يفعل من مسؤوليتها أمام المجتمع، لاسيما وأنها المرجعية الموثوقة لديهم، مضيفاً: "لا ننسى الدور المناط بوسائل الإعلام المختلفة، كالقنوات التلفزيونية الرسمية، وكذلك الصحف، في رفع معدل الوعي لدى الأفراد بكيفية التعامل مع شبكات التواصل الاجتماعي، وأنها في غالبها للتسلية والتواصل، وليست مواقع رسمية لأخذ الأخبار والاعتماد عليها، لاسيما وأن بعض الشائعات تؤثر سلباً على المجتمع من عدة أوجه". غث وسمين وأوضح "د.إحسان بوحليقة" -عضو مجلس الشورى- أن مواقع التواصل الاجتماعي هي مجال لاستقبال الغث والسمين، وإناء ينضح بما فيه، مما يجعلها مجالاً خصباً وملائماً لتداول الشائعات والأخبار المكذوبة وغير الموثقة، مرجعاً سبب ذلك إلى تدني مستوى الشفافية لدينا، لاسيما وأن مجتمعنا متحفظ جداًّ، ونسبة الإفصاح محدودة، مما يجعل هذه المواقع مكاناً مناسباً لبث الشائعات والأكاذيب، ذاكراً أن من الحلول لهذه المشكلة هي قيام كل مؤسسة حكومية ذات علاقة بالرد على هذه الأخبار ونفي المكذوب منها مما يساهم في رفع مستوى الشفافية ويوضح الأماكن الحقيقية المسؤولة عن بث الأخبار عن خلافها تلك التي يتم تداولها في مواقع شبكات التواصل الاجتماعي . بيئة خصبة وقال "د.محمد البيشي" -باحث في الجرائم الالكترونية-: إن الشائعات تقف وراءها العديد من الأسباب، والتي تختلف باختلاف توجه الشائعة، مضيفاً أن وجود الأخبار المكذوبة في هذه المواقع، إنما يرجع إلى عدم وجود بيئة خصبة ملائمة لها، مما يجعلها تنمو وتقوى، مبيناً أن هنالك عدة عوامل مساعدة في ذلك من أهمها قلة الوعي لدى الأفراد المتعاملين، إضافةً إلى افتقاد هذه المواقع إلى المصدرية، مشدداً على ضرورة ابتعاد الأفراد عن وقوعهم في مغبة التسويق لهذه الأفكار والشائعات، فاطلاعهم وتناقلهم لهذه الأخبار فيما بينهم يعد مساهمة في ذلك، مشدداً على ضرورة تفحص الأخبار الواردة، وبحث أسبابها، وجعلها تتوقف، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: "كفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما يسمع".