الحمد لله الذي وهب لعباده مواسم الخيرات ليتزودوا منها من الطاعات وصلى الله وسلم على نبينا محمد الذي قال يوم الحج الأكبر : إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام في شهركم هذا في في يومكم هذا في بلدكم هذا صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين ... أما بعد : ياله من مشهد عظيم ياله من موقف مهيب تدمع له الأعين وتشتاق إليه النفوس فيه تسكب العبرات وتهل الرحمات وتسيل الدموع ترجو رب غفور رحيم ودود يصفح عما سلف من الذنوب والآثام ، فلا أروع ولا أعظم من هذا الموقف حينما يتجلى الله تعالى لعباده ويباهي به ملائكته ويمن عليهم بغفران الذنوب ( أشهدكم أني قد غفرت لهم ) ياله من موقف وياله من يوم يزف فيه السعداء إلى عفو الله تعالى وغفرانه فيرجع إلى أهله كيوم ولدته أمه ذلك هو يوم الحج الأكبر يوم عرفات . أيها الحاج المبارك إنك وبعد رجوعك إلا ديارك وأحبابك تذكر أن الله تعالى امتن عليك بالحج وهذه منة من الله تعالى لك ، كم من أناس يريدون الحج فما استطاعوا لظروف ألمت بهم من مرض وقلة ذات اليد ، وكم من مات قبل أن يحج ، فاشكر الله تعالى أن اختارك واصطفاك لحج بيته العتيق وتذكر أنك أتيت تائبا ً إلى الله تعالى من ذنوبك وأنك نادم على مافات من أيامك . يامن انتهك حرمات المسلمين يامن أكل حق الأرملة والمسكين يامن اضطهت اليتيم يامن أكلت أموال الناس بالباطل يامن ظلمت وتجبرت وتكبرت تذكر وقوفك بين يدي العزيز الحكيم ( وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ ) سورة ابراهيم . وفي تفسير هذه الآية : يَقُول تَعَالَى وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ يَا مُحَمَّد غَافِلًا عَمَّا يَعْمَل الظَّالِمُونَ أَيْ لَا تَحْسَبَنَّهُ إِذَا أَنْظَرَهُمْ وَأَجَّلَهُمْ أَنَّهُ غَافِل عَنْهُمْ مُهْمِل لَهُمْ لَا يُعَاقِبهُمْ عَلَى صُنْعِهِمْ بَلْ هُوَ يُحْصِي ذَلِكَ عَلَيْهِمْ وَيَعُدُّهُ عَلَيْهِمْ عَدًّا" إِنَّمَا يُؤَخِّرهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ " أَيْ مِنْ شِدَّة الْأَهْوَال يَوْم الْقِيَامَة . تفسير ابن كثير . هاهي دموع الملبين تنهال في موقف عظيم ففاز بغفران الذنوب من فاز وقد كتبت له الرحمة من رب العزة والجلال . والسعيد من خشي الرحمن واستقام على دينه وسار في ركب السعداء الأبرار الذي طلقوا الدنيا وعملوا واشتاقوا للأخرة فعاشوا بسعادة ولذة يرجون رحمة الله ويحبون لقاءه هم أحباب الله وخاصته فنسأل الله العلي القدير أن يجعلنا منهم وأن يحشرنا معهم في جنة عالية قطوفها دانية اللهم آمين . ( َأفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ ، الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلاَ يَنقُضُونَ الْمِيثَاقَ ، وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ ، وَالَّذِينَ صَبَرُواْ ابْتِغَاء وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُواْ الصَّلاةَ وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً وَيَدْرَؤُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ ، جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ ، سَلامٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ ) سورة الرعد . والحمد لله رب العالمين .