أعاد المهرجان الوطني للتراث والثقافة في دورته " 27" رسم لوحة الماضي مشكِّلاً ومحاكياً واقع قصة الآباء والأجداد الذين حدّدوا بعرق جبينهم ملامح المستقبل العريق للمملكة العربية السعودية، من خلال عملهم الدؤوب لتحقق المملكة المكانة العالمية المرموقة في شتى مجالات الحياة السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية. ويرسم مهرجان الجنادرية عبر فعالياته وأنشطته المتعددة صورةً حيّة لقصة الماضي التليد، حيث يبرز من خلالها تراثه الثقافي وموروثه الشعبي بحرفه الشعبية وأدواته، ومأكولاته، وفنونه، وألعابه، والعديد من الفنون القديمة التي كانت تمارس في الماضي, فتبعث للمشاهد في هذا الوقت الحنين والشوق إلى حياة الأجداد وببساطتهم وشظف عيشهم وأريحيتهم. وتفضَل خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود (حفظه الله) أمس الأول الأربعاء، بتدشين انطلاقة المهرجان الوطني للتراث والثقافة، الذي يعد مناسبةً تاريخية في الثقافة ومؤشراً عميقاً للدلالة على اهتمام الحكومة الرشيدة بالتراث والثقافة والتقاليد والقيم العربية الأصيلة حيث يمتزج عبر نشاطاتها عبق التاريخ المجيد بنتاج الحاضر الزاهر، كما يمؤصل المهرجان للموروث الوطني بشتى جوانبه والمحافظة عليه ليبقى ماثلاً للأجيال القادمة, وموسعاً دائرة الاهتمام بالفكر والثقافة والحفاظ على معالم البيئة المحلية بما تحمله من دروس وتجارب. وتؤكد الرعاية الملكية الكريمة للمهرجان الأهمية القصوى التي توليها قيادة المملكة بعملية ربط التكوين الثقافي المعاصر للإنسان السعودي بالميراث الإنساني الكبير الذي يشكّل جزء كبيرا من تاريخ البلاد, حيث يسّرت له جميع الإمكانات اللازمة من مختلف القطاعات الحكومية للمشاركة في إبراز الأنشطة المعتمدة في المهرجان. ويهدف الحرس الوطني من تنظيم المهرجان بكل ما يحمله من فعاليات وأنشطة إلى التأكيد على القيم الدينية والاجتماعية للمجتمع السعودي التي تتأصل جذورها في أعماق التاريخ، مسترجعةً العادات والتقاليد التي كان يعيشها المجتمع آنذاك والتي حث عليها الدين الإسلامي الحنيف وأمر بها لتكتمل صورة الحياة. ويوجِد المهرجان بحسب أهدافه صيغةً للتلاحم بين الموروث الشعبي والتراث الثقافي الذي رسم مستقبلاً زاهراً نعيشه اليوم في مختلف جوانبه, وبين الانجازات الحضارية والتنموية التي تستقي حلوها اليوم المملكة، والعمل على إزالة الحواجز الوهمية وكسرها بين الإبداع الأدبي والفني وبين الموروث الشعبي , إلى جانب تشجيع اكتشاف التراث الشعبي وإيجاده والمحافظة عليه وإبرازه وبلورته وتشكيله بالصياغة والتوظيف في أعمال أدبية وفنية ناجحة تظهره أمام الأجيال بكل جلاء ووضوح لتكوين صورة ذهنية واقعيه يقارن بها بين حياة الإباء حياة الآباء والأجداد وبين ما يلامسه اليوم من نتاج لهذا التراث الثقافي النواة. ومن الأهداف الرئيسة للمهرجان الاحتفالي الوطني التراثي الثقافي الكبير الحث على الاهتمام بالتراث الشعبي ورعايته وصقله والتعهد بحفظه من الضياع وحمايته من الإهمال, وصقل قيم الموروث الشعبي ليدفع برموزه إلى واجهة المخيلة الإبداعية ليكون في متناول المبدعين خيارات يستقون بها من موروثاتهم الفنية والشعبية بألوان الفن والأدب والثقافة , والتركيز على التعريف بالموروث الشعبي بواسطة تمثيل الأدوار والاعتماد على المحسوس حتى تكون الصورة أوضح وأعمق، وإعطاء صورة حية عن الحياة القديمة بكل معانيها الثقافية والفنية وأدواتها المادية البسيطة. وتحل جمهورية كوريا الجنوبية ضيف شرف على مهرجان الجنادرية لهذا العام انطلاقاً من التقليد الثقافي الذي ينتهجه المهرجان في استضافة دولة شقيقة أو صديقة كضيف شرف حيث سيتمكّن الزائر من التعرف والاطلاع على الثقافة الكورية من خلال العروض التي ستقدم في الجناح الكوري وسيتيح الجناح فرص غنية للتعرف على الثقافة الكورية. وتعمل كوريا على أن يكون هذا الجناح فرصة جيدة للشعب السعودي والمقيمين في التعرف على الثقافة الكورية وعادات وتقاليد الشعب الكوري، ويتكون الجناح الكوري من ثمان صالات وضعت بشكل متناسق لتبلغ رسالة الشعب الكوري للشعب السعودي الصديق ولتعكس مدى التعاون والصداقة القائمة بين الشعبين الكوري والسعودي. ولعل ما يضفي على هذه المشاركة رونقاً خاصاً بين البلدين، هو أن عام 2012 الجاري يمثل مرور (50) عاماً على تأسيس العلاقات الدبلوماسية بين البلدين الصديقين. وتحتضن ربوع الجنادرية هذا العام العديد من الأنشطة الثقافية يشارك فيها 300 مفكر وأديب، يطرحوا عبر هذه الفعاليات العديد من القضايا التي تهم الأمتين العربية والإسلامية من خلال البرامج والفعاليات الثقافية والتراثية المتنوعة , إلى جانب إقامة العديد من الأمسيات الشعرية في كل من جدة والأحساء والرياض وأبها ومعرضاً للفنون التشكيلية, و 6 مسرحيات للاطفال خلال أيام المهرجان بالإضافة إلى مشاركات متميزة لدول مجلس التعاون الخليجي. وفي سياق ذي صلة، تصدر العدد الأول من مجلة مهرجان الجنادرية السابع والعشرين لعام 1433ه عنوان / جنادرية التضامن / أبرزت فيه أمر خادم الحرمين الشريفين -أيده الله- بإلغاء أوبريت المهرجان تضامناً ووقوفاً مع الشعب السوري وما يحدثله من سفك لدماء الأبرياء وترويع للآمنين، إضافة إلى ما يحدث في مصر الشقيقة من أحداث شغب أدّت إلى وفاة العديد من الأبرياء إلى جانب ما يجري في اليمن وليبيا الشقيقتين من أحداث مؤسفة ذهب ضحيتها الأبرياء وما مرت به تونس الشقيقة من أحداث مؤلمة. وتلبِّي جميع أنشطة المهرجان التي تستمر أسبوعين، رغبة الزوار في التعرف على أدق التفاصيل للتراث الحضاري المتنوع للمملكة، الذي يشمل الحرف اليدوية بما فيها الخرازة وصناعة المشالح والمسابح وصناعة الاختام وكتابة الامهار وصناعة العصايب والتطريز وأكثر من 300 حرفه متنوعة من مختلف مناطق المملكة والعديد من الأكلات الشعبية والفنون الشعبية ونماذج لصور من حياة أهل المدن والقرى والبادية والعاب الفروسية والهجانة والطيران الشراعي , إلى جانب السوق الشعبي وما يضم من فعاليات مثل ملتقى استعادة الآثار الوطنية ومعرض قطاع الآثار بالسوق. ومن جهة أخرى، تنطلق النشاطات النسائية التراثية للمهرجان الوطني للتراث والثقافة، يوم الاثنين المقبل في مقر الأنشطة النسائية على أرض الجنادرية بالعديد من الفعاليات المتنوعة، وتستمر إلى الثاني من شهر ربيع الثاني القادم بمشاركة 55حرفية في الجناح المخصص للفعاليات النسائية للمهرجان من جميع مناطق المملكة. وتتنوع المشاركات التراثية النسائية بعرض نماذج لنشاطات المناطق وحرفها المتعددة ضمن نشاطات اللجنة النسائية في خصوصية تامة تتيح للزائرات حرية المشاركة وتبادل المعلومات والاستفادة من الأنشطة النسائية في أجواء تراثية، حيث عمدت اللجنة النسائية إلى توزيع الأنشطة على مقرين الأول: في السوق الشعبي النسائي والثاني: في القاعة الكبرى. وتستعرض المشاركات الحرف والمشغولات اليدوية النسائية كصناعة السدو وصناعة الصابون الطبيعي قديما والحياكة التراثية للملابس والعديد من الحرف والمشغولات والمأكولات والأدوات المستخدمة في كل منطقة من مناطق المملكة قديما والتطورات التي أضيفت إليها بأيدي الفتيات السعوديات ليمثل كل وفد نسائي الأنماط المعيشية المختلفة للمرأة في المملكة إلى جانب العديد من الفعاليات والأنشطة الثقافية.