لم ينجلِ غبار انسحاب القوات الأمريكية من العراق بعد، حتى تصاعد غبار التناطح المشع تخندقا بين شركاء العملية السياسية التي استخلفها المحتل الأمريكي لحكم العراق، ليغطي على كل الأغبرة المشعة منها وغير المشعة، والتي يكتظ بها الوضع القائم في العراق، والذي لا يبشر إلا بالمزيد من الأغبرة الهابة على بلاد اجتيحت مصداتها من كل حدب وصوب! إذا كان لجمهوريتهم المفدرلة دستور يفتخرون به، وعملية سياسية وطنية وديمقراطية كما يدعون، وإذا كان الشعب، كل الشعب، معهم بدليل الملايين التي صوتت لهم كما يدللون، وإذا أقاموا قواعد ثابتة لدولة القانون كما يرددون، وإذا هم مخلصون للشعارات التي يرفعون، إذن على ماذا يتناطحون؟! إذا كان جميعهم متفقين على إدانة الأعمال الإرهابية التي تريد إشعال حرب طائفية في العراق، والتي تشنها خلايا القاعدة العابرة للحدود بالتناغم مع اختراقات المجندين من أجهزة المخابرات الإقليمية والدولية الساعية لنفس الهدف، وإن اختلفت المنطلقات، فلماذا يرهب بعضهم بعضا؟ ربما يقول قائل بأن لنظام المحاصصة إيجابية وهي توزيعها للمناصب، وبالتالي منعها لانبثاق سلطة شمولية، لكن واقع الحال يقول بأن صاحب الحصة الأكبر يكون قادرا على جعل سلطته شمولية أيضا، وذلك عندما تطغى حصصه وفي كل المفاصل على حصص الآخرين. الأزمة التي تعصف بالعملية السياسية القائمة والتي انبثقت بقوة بعد انسحاب القوات الأمريكية من العراق هي أكبر وأعمق من كونها أزمة الهاشمي المتهم بالإرهاب وأزمة المطلك الذي نحاه المالكي من منصبه، أو أزمة علاوي الباحث عن دور بصلاحيات تناصف صلاحيات المالكي، إنها أزمة منطلقات ومقاصد وغايات ووسائل، فالمنطلقات تغيّب المكون الوطني لمصلحة المكون الطائفي والعنصري الذي يجير هو الآخر لمصلحة من يستعين بالأجنبي لتكريس سلطته وإن على إقليم من أقاليم العراق المفدرل إلى إقطاعيات تحاكي زمن ما قبل قيام الدولة الوطنية. لقد بلغ بهم صلف المحاصصة المكوناتية حد سحب نظام التقاسم على الاحتفال بالمناسبات العامة. ربما يعقدون اتفاقات جديدة بينهم تخفف من حدة التناطح القائم، لكنها لن تكون قادرة على اجتثاثه إلا باجتثاث منطلقات العملية السياسية ذاتها، لقد قال أبناء العراق قولتهم بتلك المنطلقات البائسة ومنذ السنوات الأولى لانبثاقها، قالها عثمان العبيدي على جسر الأئمة، وقالها قيصر الجنابي، وقالها اليوم نزهان الجبوري وعلي السبع، وقالها كاكة حمة، وقالتها قبل هؤلاء جميعا مقاومة شعبنا الباسلة لكل أشكال الاحتلال والتقسيم.