لا يكاد يمر يوم إلا وهناك مظاهرة احتجاجية، حتى بات الأمر في نظر البعض لا يلفت الانتباه والسؤال، وفي نظر البعض الآخر لا يقدم حلا فقط، هي مجرد حالة تنفيس طبيعية، أو طارئة قد تختفي في أي لحظة، وأن هناك أجندات تحركها. يعتقد الصحفي عثمان البوسيفي أن المظاهرات بشكلها الحالي "حالة تنفيس طالما كانت المظاهرات قائمة من قلة، وهي لا تشكل مصدر ضغط على الحكومة، وينظر لها رجال السياسة على أنها حالة تنفيس فقط"، وأضاف "السؤال: هل الشعب قادر عن فهم ما يحصل؟ لا.. فالشعب في تخبط، لأن المعلومة الصحيحة لا تصله ولذا فهمه سيكون مغلوط طبعا، وفي ظل الفوضى كل القرارات ستكون خاطئة". ويرى الناشط السياسي الصادق اكويري أن "المظاهرات حقوق مدنية وليست مجرد عبث، وينبغي على رئيس المجلس الوطني الانتقالي الاستجابة لمطالب وحقوق الشعب الذي يريد شفافية ونزاهة في الإدارة ولجانا مختصة لمراقبة الأموال، فالبلاد تصدر مليون ومائتي ألف برميل من النفط يومياً، وسعر البرميل 110 دولارات، ولا توجد أموال سائلة في البنوك! لا نريد عقد اتفاقيات مع دول أجنبية واستثمارات طويلة الأمد، لأنها مرحلة انتقالية، وهذا العمل ليس من اختصاص المجلس الوطني بل من اختصاص حكومة منتخبة"، مضيفا: من حقنا الطبيعي أن نتظاهر ونعتصم بطريقة متحضرة لتصحيح مسار الثورة. وينظر الناشط الحقوقي مفتاح قناو للتظاهر السلمي كتعبير مميز وراق عن المطالب المشروعة، وهو كذلك تحذير لكل من يحاول سرقة أشياء أو استغلال مناسبات ما، لكنه يجب أن يلاقي استجابة من جانب السلطة الحاكمة. مضيفا "في الحالة الليبية الحكومة ضعيفة ولا تستطيع تنفيذ قراراتها لأن بعض الثوار لا يستمعون لهذه القرارات وهم الأقوى على الأرض، لذلك تظهر هذه المظاهرات وكأنها بدون فائدة". ويعتبرها قناو ضرورية في كل الأحوال للوصول إلى ما بعدها. في تصوره الخاص يعتبر الأكاديمي مختار الجدال أن المظاهرات ظاهرة صحية، خاصة وأن الليبيين بصدد تكوين دولة الحريات، دولة الديمقراطية، فمجرد خروج الناس للشارع للتعبير عن عدم رضاهم عن شيء بعينه هو ما نسعى إلى أن يصبح عادة مهمة عند الليبيين، ولكنه يشترط أن "لا يؤثر ذلك على سير العمل، فلا بد أن يختار المتظاهرون التوقيت المناسب؛ وعلى الحكومة أو الدولة بشكل عام أن تهتم بذلك وأن ينزل المسؤول للشارع ويهتم بمطالب الناس، حتى ولو كان ليبيا واحدا يقف على ناصية الشارع ويرفع لافته كتب عليها مطلبه"، وأضاف الجدال "عندما تكون المظاهرات سلمية فمن الممكن جداً أن تجدي نفعا وتلقى صداها عند الحكومة. وأن يمارس الناس حقهم الطبيعي في التعبير عن ممارسات الحكومة السلبية". ويؤكد أن ما نراه اليوم من مظاهرات في كل مكان، سواء كانت ضد المجلس أو الحكومة، بمثابة إنذار لتصحيح مسار العمل في السلطة التشريعية والتنفيذية. موضحا "أنا مع انتشار هذه الظاهرة على الأقل في المرحلة الانتقالية والمؤقتة حتى نستطيع بناء دولة يصبح فيها صوت المواطن مسموعا". ما تشهده الساحة الليبية من حراك شعبي في هذه الفترة لا يمكن بأي حال إخضاعه لقياس أو مقارنة بما يجرى في دول أخرى لعدة أسباب، كما يرى الأكاديمي مصطفى البلعزي "انعدام التجربة وضحالة ثقافة التعبير لدى غالبية الشارع الليبي حيث لا يخفى على أحد بأن طرق التعبير المختلفة: المظاهرات، الاعتصامات، المسيرات، الإضرابات.. لم يكن مسموحاً بها خلال العقود الأربعة الأخيرة تحت نظام شمولي لا يسمح بأي شكل من أشكال التعبير، غير تلك التي تخدم مصلحته وتدعمه، وبذلك فالشارع الليبي يمكن اعتباره في البدايات الأولى لتكوين ثقافته التعبيرية واكتساب الخبرة المطلوبة. غياب أي دور للأحزاب والرابطات والاتحادات والنقابات والتي تعتبر المنظم والدافع والمحرك لمثل تلك التحركات الشعبية، فقد كانت إما محظورة كالأحزاب أو مدجنة كالنقابات والرابطات بمختلف تخصصاتها". وأوضح البلعزي أن التحركات التي تجري على امتداد الوطن هي تحركات تفتقد للكثير من النضج، ويمكن اعتبارها حركات تنفيسية طبيعية بعد فترة الكبت الطويلة التي عانى منها الشعب الليبي، إذا ما استثنينا بطبيعة الحال الاعتصامات التي تجري بميدان الجزائر وميدان الشجرة، وبعض الميادين الأخرى بمختلف المدن الليبية، المطالبة بتصحيح مسار الثورة والتي يقودها ويشرف عليها بعض المثقفين ومجموعة من مؤسسات المجتمع المدني، الحديثة التكوين هي الأخرى، تلك التحركات الشعبية وبالرغم من بدائية غالبيتها وفقدانها لأغلب الشروط والقواعد فإنها تؤسس وترسي لقواعد النهج الديمقراطي الذي نتمنى أن يتجذر وأن يكون سمة ليبيا الحديثة التي يتطلع لها الجميع.