ليس من مسار متذبذب في علاقات طرفين على الصعيد الدولي مثل العلاقات بين تركيا والاتحاد الأوروبي؛ فبعد خمسين سنة من بدء تلك العلاقة مع تقديم طلب الانضمام إلى المجموعة الأوروبية في نهاية الخمسينات بالتزامن مع اليونان، وبعد نصف قرن إلا قليلاً من توقيع بروتوكول أنقرة العام 1963، لا تزال مسألة العضوية التركية في الاتحاد، واعتبار تركيا جزءًا من المجموعة الأوروبية، تظللها الشكوك التي تصل أحياناً إلى حد اليقين. ومع أن أسباب هذا التعثر في المسار الثنائي كثيرة جداً وتكاد تشمل كل ما يمكن أن يرد على بال باحث ومحلل من أسباب، غير أن القناعة السائدة هي أن تركيا لن تكون عضواً في المستقبل المنظور في الاتحاد لأسباب تتعلق بالهوية الدينية لتركيا التي تتعارض مع الجذور المسيحية لأوروبا، رغم أن الاتحاد منظمة ذات أنظمة علمانية. وقد انعكس هذا "الشعور" لدى الأتراك إحباطاً ورغبة في التوجه إلى مساحات وأقاليم جغرافية أخرى لممارسة النفوذ والتأثر والتفوق. وبدا للكثيرين أن توجه تركيا إلى منطقة الشرق الأوسط والعالم الإسلامي هو تعويض عن الخيبة من أوروبا. ومع أن تركيا تحقق نجاحات نسبية في المنطقة العربية تحديداً، فإن البعض يرى في المقابل أنه حتى التوجه المشرقي لتركيا هو محاولة لتعزيز موقع تركيا لتكون أكثر قابلية للقبول من جانب الأوروبيين بحيث يمكن أن يقبلوا بلداً لم يعد عبئاً اقتصادياً عليهم. تدخل كل هذه الآراء في باب الترجيحات والاحتمالات من دون الجزم بأي منها أو بما ستؤول إليه العلاقة بين الطرفين. وحتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً، تستمر آليات العلاقة بين تركيا والاتحاد الأوروبي في العمل، حيث يصدر الاتحاد تقارير دورية نصف سنوية عن تقدم تركيا في تلبية الشروط التي تتطلبها العضوية. ومع أن الاتحاد كال المديح لأنقرة في السنوات القليلة الماضية بشأن الإصلاحات، ولا سيما عاما 2003 و2004، والعلاقة بين السلطة المدنية والعسكرية لجهة إخضاع السلطة العسكرية للقرار السياسي، غير أن معظم التقارير الدورية كانت تطبعها نبرة سلبية منتقدة. التقرير الأخير الذي صدر قبل أيام جدّد وقوف الاتحاد إلى جانب الحكومة التركية في محاربة "إرهاب" حزب العمال الكردستاني ومضاعفة التعاون مع أنقرة بهذا الخصوص، لكن التقرير طالب الحكومة بمضاعفة الجهود من أجل إيجاد حل سلمي للقضية الكردية، عبر النقاش الديمقراطي الحقيقي والصريح. كما أعرب الاتحاد عن قلقه من الاعتقالات التي تطال متهمين بالتعاون مع حزب العمال الكردستاني. وندد الاتحاد بالقيود التي تفرضها أنقرة على الحريات الصحفية ولا سيما العقوبات التي تفرضها على المتهمين التي تشكل عقبة أساسية أمام حماية حقوق الإنسان في تركيا. ولكن المسألة التي ستثير إشكالات حادة بين تركيا والاتحاد الأوروبي، هي رئاسة قبرص اليونانية الدورية للاتحاد في النصف الثاني من العام الحالي 2012، إذ بادرت تركيا منذ الآن إلى الإعلان أنها لن تعترف بهذه الرئاسة وستوقف علاقاتها بالاتحاد في هذه الفترة. وقد أعرب تقرير الاتحاد عن قلقه وأسفه من التصريحات التركية بهذا الخصوص. كما أثار التقرير غضب تركيا عبر تأكيده أحقية قبرص في المنطقة الاقتصادية البحرية المحدودة حيث تنقب قبرص عن النفط، فيما تعارض تركيا ذلك. أكثر من ذلك دعا التقرير تركيا إلى سحب قواتها من الجزيرة وإعادة منطقة مراش إلى قبرص اليونانية، وأن تسمح تركيا للقسم الجنوبي بالتجارة مع تركيا. وإذ أرسل الاتحاد إشارة إيجابية إلى تركيا لجهة الدعوة إلى تسهيل بعض الفئات الحصول على تأشيرة دخول "فيزا" إلى الدول الأوروبية، مثل رجال الأعمال والأكاديميين والطلاب وممثلي المجتمع المدني، فإن احتمال إلغاء تأشيرة الدخول بين تركيا ودول الاتحاد تبدو بعيدة. تبدو تقارير الاتحاد الأوروبي عن تركيا مثل البيانات التي كان يصدرها الحزب الشيوعي السوفييتي، حيث كان يمكن توقع ما يمكن أن تتناوله من عناوين بل ومضامين كذلك. وإلى أن تُجترَحَ معجزة، فإن تركيا ستبقى ذلك الجار الذي لا غنى عن الاعتراف بوجوده، لكن الذي يبقى غير مرغوب به حتى إشعار آخر.. بعيد جداً.