بعض الهقاوي مالها محراب=حلوه ولكن غير مقبوله العذر لو يشفع لمن هو غاب=نوافذ الشرهات مقفوله ياصاحبي صوتك حديث اغراب=ياقصر همساته ويا طوله مبحوح لكن يسرق الألباب=بإحساسه الصادق ومدلوله طيّر من أغصان القصيد أسراب=لو كانت الاحلام مقتوله وانسج من خيوط السحاب ثياب=يشبهك هتانه وهملوله مادام عزمك باقي ٍ ماشاب=الغرس مايخذلك محصوله بس انت كافح وافعل الأسباب=يجيك يوم وتربح الجوله يعني لاتحزن والحياه كتاب=لابد ما تتعاقب فصوله..!! من يقرأ هذه الأبيات، ثم يعيد النظر في عموم أبيات القصيدة يتخيل أن الشاعر يريد أن يرسم أوجاعه على طريقته ووفق مقاسه، ولا يتمنى أن تتكرر مرة أخرى مع سواه، يريد أن يعيشها وتتعايش معه، فهو هنا كمن يسير في طريق طويل وشاق لكنه غير ممل ومحرض على الاستمرار والتواصل في السير، وهو في هذه الحالة يريد أن يزاوج بين حالتين من المعاني، وهي حالة العتب والتوسل، وحالة التمسك بالذات والرغبة في الحفاظ على ما يملك من شموخ، وقد قدم هذه الثنائية التضادية من خلال اعتماده على نهج السهل الممتنع، وهذه الطريقة في الكتابة لا تبدو سهلة المنال ويسيرة الإمساك، لأنها حالة كتابية زئبقية، وذلك أنها بحاجة لموهبة شعرية حقيقية وقدرة شعرية فذة ومهارة في إمكانية السير بين المتناقضات دون عناء أو مشقة، لا يعمد إليها الشاعر عمدًا، بل هي موهبة إلهية يمنحها الخالق لمن يشاء من عباده ، فإن تعمدها زل وإن تركها ضل، فهي تأتي إلى الشاعر، ولا يأتي إليها، فالناظر في هذا الكلام يجد قدرة الشاعر في تطويع المفردات، وصفها في نسق تتابعي جميل خلق منها ما يعرف بالسهل الممتنع، والملفت في شعر الشاعر عطا الله ممدوح كما في هذا النص، بعده عن التصنع الشعري والتكلف في الكلام، والميل الواضح للعفوية التي جعلته يقع في بعض المطبات كقوله " يشق نوره في ظلامي ناب " التي أرى أن" ناب " لم تأتِ إلا من خلال عفوية الكلام لا إقحام المفردة، وهذه الحاله لم تشوه النص رغم حدوثها العَرَضي هنا، والتي لم تقلل من مسألة التزاوج بين المعاني، إذ أنها حدثت في الصياغة ولم تنسحب على المعنى، ولعل انغماس عطا الله ممدوح بمثل هذا النوع من الكتابة هو ما ميزه شعريًّا بين أقرانه الشعراء، وها نحن نلاحظه في نص شعري آخر، وهذا النص من السهل الممتنع أيضًا، إذ أنه يسير بين المتناتقضات، فلا هو بالتقريري ولا هو بالتصويري، أي يقف بين المجاز والكلام المباشر، وهذا النوع صعب رغم سهولته وسهل رغم صعوبته، لا يتوفر للشعراء في كل الأوقات، بما فيهم عطا الله ممدوح نفسه، لأنه ينبع من حالة أشبه ما تكون بالوارد كما عند المتصوفة أو الإلهام في عرف الشعراء00 صدري على زلةالغالين متعوّد ياكم دفن زلةٍ ما بين طيّاته بالصبر والعفو والتقدير متزوّد ولولا تغاضيه مادامت علاقاته من البيت الأول تبدو بجلاء لعبة الإيحاء ومهارة الشاعر في توظيف المجاز، حيث إنه لم يقل بأن قلبه بئر لا قرار له، يدفن كل شيء في داخله، ولم تتضح هذه الرؤية للمعنى إلا مع الكلمة الأخيرة في البيت، إذ أنه ترك الأنفاس محبوسة، والذهن أشبه ما تكون بالصحراء الممتدة على مرأى البصر، حيث لا شيء واضح فيها، ولا ملامح تحدد أبعادها، وهذا ما كان مع البيت الأول، وحقيقة أن "صدري على زلة الغالين متعوّد... ياكم دفن زلةٍ " لا يوجد فيه ما يلفت الانتباه، غير أن " ما بين طيّاته" حددت الفارق بين الشعر واللا شعر، وكأن الشاعر من حيث علم أو لم يعلم، لم يشأ أن يوتر الذهن والأعصاب إلا من مع " ما بين طياته " التي لملمت شتات المشاعرة ووضعتها على دروب الشعر وفي ركاب الشعراء. ثم يقوم بتوضيح هذه الأمور التي دفعته للتحمل، وهي " الصبر والعفو والتقدير "، ومن يتأمل هذه المكونات يجد أنها في الوقت الذي تتداخل فيه، إلا أنها متباعدة عن بعضها البعض، وفي عودة للأبيات المعتمدة في هذه الدراسة نجد أن الشاعر قريب لدرجة البعد، وبعيد لدرجة القرب، فلا هو الأول ولا هو الآخر، بل هو الإثنان معًا على نفس المستوى وعلى خط واحد، وقد نلمس التزاوج بين المعاني أيضًا بين الحكمة والشعر، فلا هو بالشاعر المحض ولا هو بالحكيم الواعظ، إذ أخذ من كل طرف ما يريد وعلى قدر ما يناسبه، لأنه لا يريد أن يشبهه أحد حتى في جروحه وآلامه، وهذ الأسلوب أرّق الشعراء وأتعبهم في كل العصوروالأزمنة,لا يمكن تعلمه.