يرى الكثيرون من منتقدي الأحزاب الإسلامية في مصر التي تخوض غمار الانتخابات بشكل ديمقراطي لأول مرة بعد سقوط نظام مبارك، بان هذه الأحزاب لا تملك برنامجا سياسيا حقيقيا لإصلاح البلاد وإخراجها من أزمتها، كما ويراهن هؤلاء على أن هذه الأحزاب أن وصلت إلى سدة الحكم في مصر ستفشل وستخسر رصيدها لدى الشعب المصري، الذي سيعاقبها في انتخابات قادمة. لقد شنت العلمانية المصرية حربًا شرسة على الحركات الإسلامية وعلى رأسها الإخوان المسلمين منذ أن أعلنت هذه الحركات عن نيتها تشكيل أحزاب وخوض انتخابات مجلسي الشعب والشورى، وقد اتهمهم هؤلاء بأنهم يسعون إلى بناء دولة دينية ، وعندما تشكلت الأحزاب الإسلامية هاجم العلمانيون برنامجها السياسي متهمين إياه بالاقصائية. والحقيقة أن من يمارس الفكر الاقصائي هم العلمانيون أنفسهم، حينما يتهمون الإسلاميين أنهم حالة مستمرة للنظام السابق يجب أن تنتهي، كونهم يحملون فكرا إيديولوجيا اقصائيا، فهذه التهم هي نفس التهم التي مارسها النظام السابق ضد الإسلاميين بشكل عام، من اجل إبعادهم عن المعترك السياسي. والسؤال الذي يطرح نفسه ألا يعتبر الفكر العلماني إيديولوجيا يؤمن بها أتباعها، تماما كما الفكر الديني إيديولوجيا يؤمن بها أتباعها، فلماذا التعصب للايدولوجيا العلمانية مسموح بينما التعصب للايدولوجيا الدينية يعتبر إقصاء للأخر، أليس الحديث عن دولة علمانية ليست ذات مرجعية إسلامية في بلد يشكل المسلمون فيه الغالبية العظمى، هو الإقصاء بعينه؟! لماذا لا يحكم على الإسلاميين من خلال السياسات والممارسات لا من خلال التصريحات الشاذة هنا أو هناك؟ لقد قدم الإخوان برنامجا سياسيا وافيا يرتكز في مجمله على أربعة محاور لتحقيق أهداف الإصلاح السياسي والاجتماعي والاقتصادي وهي حماية الحريات وتعزيز الإصلاح السياسي؛وإرساء العدالة الاجتماعية وضمان نوعية حياة لائقة للمواطنين كافة؛ وبناء أساس متين لتنمية اقتصادية شاملة من خلال الاستثمار في رأس المال البشري؛ واستعادة موقع مصر كدولة قائدة على الصعيدين الثقافي والعلمي، إقليمياً وعالمياً، وضمن العالم الإسلامي. وهذه المرتكزات قابلة للتعديل والتبديل، وعند قراءة التفصيلات ترى أن الجماعة وضعت برنامجا نهضويا متكاملا سيضمن للبلاد الخروج من أزماتها، وتحقيق العدالة الاجتماعية والاقتصادية، ولكن هذا لن يتم إذا ما لم تتكاتف كل الجهود داخل المجتمع المصري ومن كل الأطياف من اجل تحقيق هذا المبتغى، أما إذا تربص الكل في الكل، فان كل الجهود ستذهب سدى والعياذ بالله، ثم أليس هناك انتخابات ديمقراطية شهد العالم بنزاهتها في مرحلتها الأولى، لماذا لا ينتظر هؤلاء ليحكموا على الإخوان من خلال الممارسات والسياسات لا من خلال التصريحات. وحتى إذا ما فحصنا التصريحات المتتالية لزعامة الإخوان المسلمين نجدها كلها تصب في صالح الوفاق الوطني المصري، فقد دعا هؤلاء منذ اللحظة الأولى بعد سقوط النظام إلى التكاتف والشراكة الوطنية من اجل النهوض بالبلاد، وأكد هؤلاء على انه لا يوجد في قاموس الإخوان شيء اسمه دولة دينية، وان هذا المصطلح أوروبي مستقى من محاكم التفتيش، لذلك بعثت زعامة الإخوان بعدة رسائل مطمئنة للداخل المصري وخصوصا للتيارات العلمانية والقومية أن الإخوان مع الدولة المدنية ودولة المواطنة وهذه الدولة لا تتنافي مع روح الإسلام طالما أنها ذات مرجعية دينية. لقد حاول العديد من العلمانيين وصف انتخابات المرحلة الأولى في مصر على أنها كانت طائفية، والسؤال الذي يطرح نفسه أين هي الطائفية في مجتمع السواد الأعظم فيه من المسلمين السنة، ومع ذلك صوت المسلمون في هذه الانتخابات للحركات الإسلامية وللأحزاب العلمانية والليبرالية, كما وصوت المسلمون فيها لصالح مرشحين مسيحيين، في الوقت الذي وجهت فيه الكنيسة في مصر أصوات المسيحيين لصالح مرشحيها. إذا على أي أساس يتهم العلمانيون الأحزاب الإسلامية بالطائفية، أليست هذه الاتهامات من قبل العلمانيين هي الإقصاء بعينه؟! الكثير من المحللين يرون أن خوض غمار الانتخابات من قبل الإخوان المسلمين في هذه المرحلة، هو فخ كثيرا ما تمناه العلمانيون من اجل ضرب رصيدهم وتراجع دعمهم من قبل الشعب المصري، ويراهن هؤلاء على أن حجم الدعم الذي يحظى به الإخوان سيتضاءل أمام تعثر الإخوان في حل الكم الهائل من الأزمات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي تركها النظام البائد، فتحقيق العدالة الاجتماعية إن تحققت، لن تكون كافية لكسب تأييد المجتمع المصري أمام انعدام العدالة الاقتصادية ضياع الصناديق السيادية التي باعها نظام مبارك، والرد على أصحاب هذا الرأي نقول أن الإخوان المسلمون واعون لهذا المطب جيدا، لذلك برنامجهم السياسي تطرق إلى كل هذه المشاكل من فساد ورشاوى وعلاج آفة الخصخصة واستعادة الصناديق السيادية ضمن خطة مدروسة، فالبرنامج السياسي كما ذكرنا يتطرق إلى إصلاح اجتماعي سياسي اقتصادي شامل، ومع ذلك فقد لمح أكثر من قائد إخواني أن الحزب قد لا يخوض الانتخابات الرئاسية في المرحلة القادمة، وقد يكتفي الحزب بدعم شخصية تدعم البرنامج السياسي للحزب.