في الوقت الذي حقق فيه الإسلاميون الذين يخوضون الانتخابات البرلمانية في مصر كمستقلين نتائج كبيرة الشهر الماضي انهارت الأحزاب العلمانية الرسمية وبدت وكأنها تتحرك بلا هدف في مجتمع يدخل فيه الاسلام في معظم الاحاديث والأنشطة السياسية. ويقول محللون وسياسيون علمانيون ان المعارضة الاسلامية لم تستفد فحسب من موجة التعاطف معها ولكنها تستغل أيضا وبمهارة وضعها شبه الرسمي ودور الدين في المجتمع المصري وهي خيارات غير متاحة أمام الأحزاب العلمانية. وفقد ثلاثة من زعماء المعارضة العلمانية مقاعدهم في البرلمان. وبشكل عام فقد حزب الوفد الليبرالي مقعدا ليحصل في النهاية على ستة مقاعد وانخفض عدد مقاعد حزب التجمع من ستة إلى اثنين كما فقد الناصريون مقاعدهم الثلاثة. وجاء الفوز الوحيد الذي حققه حزب الغد من خلال أحد المنشقين عن الحزب. وفي المقابل زادت جماعة الاخوان المسلمين تمثيلها الى أكثر من خمسة أمثاله في البرلمان المنتهية ولايته لتحصل على ذلك على أنها اقوى جماعات المعارضة في مصر. ويقول محللون ان تقديم جماعة الاخوان المسلمين للخدمات الاجتماعية من خلال شبكة واسعة من النشطاء كان عامل جذب رئيسيا للأصوات بعيدا عن الاحزاب العلمانية التي ينظر اليها على أنها جماعات صفوة او منعزلة عن الناس. بالاضافة الى ذلك فالعلمانية لم تحقق الكثير في مصر وفي المنطقة حولها على مدى عقود في الوقت الذي ينظر فيه الى الاسلاميين على نطاق واسع على انهم يكافحون من اجل العدالة للفلسطينيين وغيرهم في المناطق الأخرى. وقال وليد قزيحة استاذ العلوم السياسية بالجامعة الامريكية ان «العلمانية فشلت فشلت ذريعا. وكانت في أوجها خلال العهدين الناصري والبعثي.» واضاف أن العلمانيين فشلوا فيما يتعلق بالتنمية الداخلية كما فشلوا ايضا في مواجهة التهديدات من جانب اسرائيل وغيرها. وفضلا عن ذلك فقد افتقرت العلمانية الى الدعم الخارجي حيث دعم الغرب على مدى عقود الاسلاميين بهدف اخضاع اليسار المصري الذي كان آخذا في الصعود في وقت من الأوقات بينما في الداخل اختار الحزب الوطني الديمقراطي الحاكم استخدام الخطاب الديني بدلا من العمل على كبحه. ويحظر القانون المصري تأسيس احزاب سياسية على أساس ديني لكن القانون لم يتمكن من وقف موجة متصاعدة من التدين في السياسات المصرية كما قدمت جماعة الاخوان المسلمون مرشحيها بالانتخابات كمستقلين للتحايل على الحظر المفروض عليها. وقال قزيحة الذي يقوم بالتدريس في الجامعة الامريكية في القاهرة ان الخطاب الرسمي مليء بالتلميحات الدينية كما أن كل عضو من أعضاء البرلمان يستخدم خطابا اسلاميا. وفي ظل هذه البيئة جاء الدعم الغربي للعلمانيين في محاولة كبح تقدم الاسلاميين بنتائج عكسية. واصبح تأييد أمريكا للمعارضين السياسيين بمثابة ضربة قاضية لهم. في الوقت نفسه يقول العلمانيون ان وسائل الاعلام التابعة للدولة دأبت على وصف جميع الليبراليين العلمانيين بأنهم تابعون للغرب ووصف جميع اليساريين على أنهم شيوعيون وهو ما ضيق الخناق على الأحزاب العلمانية في محاولة تطوير صورة ايجابية عن نفسها. ومن الصعب على الحكومات انتقاد الاسلام لأنها تروج لمفهومها الخاص للتقوى الاسلامية. ومثل تلك الدعاية ساعدت على دفع المصريين باتجاه الإسلام خاصة الشباب منهم الذين يمثلون الغالبية بين السكان. وقال المحلل السياسي محمد السيد سعيد ان العامل الأكثر اهمية هو أن الاحزاب التقليدية حرمت من الشباب وأن القطاع الوحيد في السياسة المصرية الذي تجدد بشكل كبير هو جماعة الاخوان المسلمون. واضاف ان تركيز السلطة داخل الاحزاب العلمانية في يد قلة من الزعماء المستبدين او الطاعنين في السن الذين يرفضون اعادة اختيارهم من خلال انتخابات يبدو انه صرف عنهم الناخبين الشبان وهؤلاء الذين يتوقون للديمقراطية. كما تبنى الاسلاميون ايضا الكثير من المبادئ الديمقراطية مما اضعف مزاعم العلمانيين والدولة بخصوص تفوقهم الديمقراطي. ويجادل كثير من العلمانيين انفسهم بأن دور الاسلام في التعليم والأنشطة الخيرية وقدرته على حشد المجتمع من خلال المساجد منح الإسلاميين ميزة سياسية لا تعادلها ميزة أخرى. وقال محمود اباظة نائب رئيس حزب الوفد ان الاخوان المسلمين يأخذون الشخص من المدرسة الثانوية ويجدون له زوجة ويقومون باحتوائه ضمن حركة عالمية. واضاف ان تقديم الخدمات الاجتماعية ليس دور المعارضة العلمانية. ويقول العلمانيون ايضا ان التبرعات الخيرية التي يتم جمعها بالمساجد وهي ممارسة اسلامية شائعة تتحول بفاعلية الى عملة سياسية عندما يتم استخدامها لتمويل برامج اجتماعية تديرها جماعة الاخوان المسلمين. وقال نبيل زكي رئيس تحرير صحيفة الأهالي الناطقة باسم حزب التجمع اليساري ان جميع مساجد الدولة اصبحت مقارا لجماعة الاخوان المسلمين واضاف ان المال لعب دورا رئيسيا في تلك الانتخابات. وقال ان التجمع كحزب ليس لديه مثل تلك الأموال. وربما كان افتقار الجماعة الى الوضع الرسمي ميزة حيث أن الاحزاب الرسمية تحتاج الى تصديق من الحكومة التي تفضل منح موافقتها للمنافسين الضعفاء فقط. لكن الجماعة تلقت نصيبها من المضايقات من جانب الدولة ايضا والتي تراوحت ما بين العنف من جانب الشرطة والاعتقالات الجماعية. وافتقار الجماعة الى الوضع القانوني يعني انه لا يمكنها بسهولة خوض انتخابات الرئاسة. وعلق قزيحة أمله في وجود تنوع سياسي أوسع على 80 في المئة من المصريين الذين لم يدلوا بأصواتهم. وقال انه في الوقت الحالي تجد الدولة في جانب والمعارضة الممثلة في الاخوان المسلمين في جانب آخر وبينهما بحر شاسع من الأشخاص الذين ليست لهم انتماءات سياسية.