ولي عهد الكويت يستقبل وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي    عمومية كأس الخليج العربي تعتمد استضافة السعودية ل"خليجي 27″    وزارة الثقافة تُطلق المهرجان الختامي لعام الإبل 2024 في الرياض    بموافقة الملك.. منح وسام الملك عبد العزيز من الدرجة الثالثة ل 200 متبرع ومتبرعة بالأعضاء    "رينارد" يستبعد "الشهراني" من معسكر الأخضر في الكويت    مانشستر سيتي يواصل الترنح ويتعادل مع ضيفه إيفرتون    السعودية: نستنكر الانتهاكات الإسرائيلية واقتحام باحة المسجد الأقصى والتوغل جنوب سورية    أسبوع أبوظبي للاستدامة: منصة عالمية لبناء مستقبل أكثر استدامة    مدرب قطر يُبرر الاعتماد على الشباب    مجلس التعاون الخليجي يدعو لاحترام سيادة سوريا واستقرار لبنان    وزير الشؤون الإسلامية يلتقي كبار ضيوف برنامج خادم الحرمين الشريفين للعمرة والزيارة    تدخل جراحي عاجل ينقذ مريضاً من شلل دائم في عنيزة    وزير الخارجية يصل الكويت للمشاركة في الاجتماع الاستثنائي ال (46) للمجلس الوزاري لمجلس التعاون    الإحصاء: إيرادات القطاع غير الربحي في السعودية بلغت 54.4 مليار ريال لعام 2023م    استخدام الجوال يتصدّر مسببات الحوادث المرورية بمنطقة تبوك    الذهب يرتفع بفضل ضعف الدولار والاضطرابات الجيوسياسية    السعودية رئيسًا للمنظمة العربية للأجهزة العليا للرقابة المالية والمحاسبة "الأرابوساي" للفترة ( 2025 - 2028 )    استمرار هطول أمطار رعدية على عدد من مناطق المملكة    الفكر الإبداعي يقود الذكاء الاصطناعي    «الإحصاء»: 12.7% ارتفاع صادرات السعودية غير النفطية    رينارد: مواجهة اليمن صعبة وغريبة    وطن الأفراح    حلاوةُ ولاةِ الأمر    بلادنا تودع ابنها البار الشيخ عبدالله العلي النعيم    "الثقافة" تطلق أربع خدمات جديدة في منصة الابتعاث الثقافي    "الثقافة" و"الأوقاف" توقعان مذكرة تفاهم في المجالات ذات الاهتمام المشترك    أهازيج أهالي العلا تعلن مربعانية الشتاء    حملة «إغاثة غزة» تتجاوز 703 ملايين ريال    المملكة ترحب بالعالم    شرائح المستقبل واستعادة القدرات المفقودة    منع تسويق 1.9 طن مواد غذائية فاسدة في جدة    63% من المعتمرين يفضلون التسوق بالمدينة المنورة    نجران: «الإسعاف الجوي» ينقل مصاباً بحادث انقلاب في «سلطانة»    أمير نجران يواسي أسرة ابن نمشان    العناكب وسرطان البحر.. تعالج سرطان الجلد    فرضية الطائرة وجاهزية المطار !    «كانسيلو وكيسيه» ينافسان على أفضل هدف في النخبة الآسيوية    لمن لا يحب كرة القدم" كأس العالم 2034″    واتساب تطلق ميزة مسح المستندات لهواتف آيفون    المأمول من بعثاتنا الدبلوماسية    تدشين "دجِيرَة البركة" للكاتب حلواني    مسابقة المهارات    إطلاق النسخة الثانية من برنامج «جيل الأدب»    نقوش ميدان عام تؤصل لقرية أثرية بالأحساء    اطلاع قطاع الأعمال على الفرص المتاحة بمنطقة المدينة    ما هكذا تورد الإبل يا سعد    أفراحنا إلى أين؟    آل الشيخ يلتقي ضيوف برنامج خادم الحرمين للعمرة والزيارة    الزهراني وبن غله يحتفلان بزواج وليد    الدرعان يُتوَّج بجائزة العمل التطوعي    أسرتا ناجي والعمري تحتفلان بزفاف المهندس محمود    اكتشاف سناجب «آكلة للحوم»    دور العلوم والتكنولوجيا في الحد من الضرر    خادم الحرمين وولي العهد يعزّيان رئيس أذربيجان في ضحايا حادث تحطم الطائرة    منتجع شرعان.. أيقونة سياحية في قلب العلا تحت إشراف ولي العهد    مفوض الإفتاء بجازان: "التعليم مسؤولية توجيه الأفكار نحو العقيدة الصحيحة وحماية المجتمع من الفكر الدخيل"    نائب أمير منطقة مكة يطلع على الأعمال والمشاريع التطويرية    إطلاق 66 كائناً مهدداً بالانقراض في محمية الملك خالد الملكية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مراحل وتطورات "الطوافة" في ذاكرة المطوف الاستاذ الدكتور زهير السباعي .. «المؤسسات» رسخت مهنة «الطوافة» كواجب ديني وخدمة انسانية
نشر في البلاد يوم 01 - 12 - 2011

ذاكرة المهنة كتاب وثائقي من إصدار الهيئة التنسيقية لمؤسسات أرباب الطوائف قدم له معالي وزير الحج الدكتور فؤاد بن عبدالسلام الفارسي الذي عده الأول من نوعه في هذا المجال.
وفي مقدمة الكتاب وعن الرعيل الأول قال المطوف فائق بن محمد بياري رئيس الهيئة التنسيقية إن مهن أرباب الطوائف تزخر بكثير من القامات السامقة من الرجال الذين قاموا على خدمتها على مدى عقود طويلة وواكبوا تطوراتها وشهدوا تحولاتها.
ويضم الكتاب التوثيقي الفخم بين دفتيه لقاءات مع الرواد الأوائل نشرت في نشرة الهيئة الفصلية الرفادة من عام 1427ه إلى 1430ه.
احتوى الكتاب أيضاً على تمهيد عن مؤسسات أرباب الطوائف، حيث تحدث الأستاذ محمد بن حسين قاضي الأمين العام للهيئة عن منظومة المؤسسات ومراحل الطوافة في العهد السعودي الزاهر والواجبات والمهام وغير ذلك مما يتعلق بأعمالها ولجانها.
مهنة الطوافة مهنة قديمة وعريقة لم يتوصل الكتّاب والمؤرخون لتحديد بداياتها بشكل قاطع ويعتقد بعض المؤرخين بانها قد بدأت - بمعناها المطلق للدلالة والارشاد الديني اثناء الحج - في زمن الاسلام عندما نصب الرسول صلى الله عليه وسلم ابا بكر الصديق رضي الله عنه اميراً على الحج ولأهل ام القرى رحلة طويلة وحافلة مع هذه المهنة الشريفة التي توارثتها بعض الاسر المكية أباً عن جد وكابراَ عن كابر وتشير بعض كتب التاريخ الى ان السلطان قايتباي عندما جاء الى مكة المكرمة أوجد من يخدمه من اهالي ام القرى وسمي من يقوم بذلك ب "المطوف" وهو الشخص الذي يطوف بالحجاج ويقوم بمهمة تلقين الحاج او المعتمر بالالفاظ والادعية والسنن والفرائض ذات العلاقة بعملية الطواف - كما يدل اسم المهنة - والتي اصبحت فيما بعد من اهم المهن التي يقوم بها اهالي مكة المكرمة.
سجل المهنة
وللتنقيب في سجل هذه المهنة الشريفة والوقوف في بعض محطاتها المهمة التقت نشرة "الرفادة" التي تصدرها الهيئة التنسيقية لمؤسسات ارباب الطوائف بالمطوف الاستاذ الدكتور زهير احمد السباعي الطبيب البشري والشخصية المرموقة متعددة الافاق والمعارف والاهتمامات في حوار نشر في عددها الاول الذي صدر بتاريخ 29 / 11 / 1427ه الموافق 20 / 12 / 2006م التقته لتستمع اليه ليس بوصفه نجم مجتمع وكاتب ومفكر ومثقف وليس بصفته مستشاراً لمنظمة الصحة العالمية وهيئة الاغاثة الاسلامية ولا كرئيس للمنظمة العربية للصحة والبيئة المدرسية ولا بصفته عضواً في مجلس الشورى ولا كرجل تربية وتعليم يعمل مشرفاً عاماً على مشروع انشاء جامعة المدينة المنورة الاهلية وكذلك ليس بوصفه اعلاميا لامعاً يقدم برنامجه التلفزيوني الناجح الطب والحياة الذي سبق ان عرضته القناة التلفزيونية السعودية الاولى لمدة (17) سنة متواصلة انما بصفته سلسل اسرة "السباعي" التي تعد من اشهر اسر مكة المكرمة التي عملت بالطوافة بجانب شهرة افرادها في العديد من المجالات الاخرى وكالأدب والثقافة والصحافة والترجمة والتأليف.
استحضار الذاكرة
بدأ المطوف الاستاذ الدكتور زهير السباعي رحلته من محطة "البيت القديم" الذي شهد ولادته وفيه نشأ وتربى، بقوله "أعود بالذاكرة الى بيتنا (المكي) القديم الذي لاتزال صورته ماثلة في ذاكرتي تدلف اليه عبر زقاق ترابي ملتو.. تحيط به البيوت جانبيه حتى اذا شارفت نهايته تبدت لك صغيرة يطل عليها بيتنا الذي يرتفع خمسة طوابق تبدأ من (المقعد) في اسفل البيت وتنتهي ب (السطوح) و(الطيرمة) في اعلاه مروراً (بالصفة) و(المجلس) وقد تشكل تصميم منذ هذا البيت ولناؤه عبر مئات السنين ليتلاءم مع ظروف البيئة وثقافة المجتمع يجمع تحت سقفه الاباء والاحفاد للرجال حياتهم الخاصة وللنساء والاطفال عالمهم فاذا ما شب الاطفال الذكور عن الطوق انضموا تدريجياً الى عالم الرجال" وواصل سرد تفاصيل رحلته الطويلة مع "الطوافة" بعد ان اخذ نفساً عميقاً كمن يتزود "بالاكسجين" استعداداً للغوص لاعماق بعيدة والابحار لمسافة طويلة في عباب الذاكرة واعماقها كما صمت لبرهة تأمل خلالها صورة "فوتوغرافية له" وهو في حضن والده في مشعر عرفات وعمره سنتان - معلقة في جدار مكتبه - لتكون هذه الصورة التاريخية النادرة الوقفة الثانية والمحطة التالية لحديثه الذي ذكر فيه بدأت ممارسة هذه المهنة منذ ان وعيت الحياة وانا صبي حيث تفتحت عيناي على مشهد الحجاج وهم يملأون جنبات في مكة المكرمة يروحون ويجيئون ويأكلون ويشربون وينامون ويستيقظون كانهم افراد من عائلتنا او ينتمون لاسرتنا فقد كانوا حقاً جزءاً منا وقد كنت اقوم بتطويفهم وسعيهم انا واخي اسامة وهم يحملونني على اكتافهم لصغر سني اذ كان عمري وقتها نحو (6) سنوات.
بيت طوافة
ويضيف المطوف زهير السباعي ومن بعد صلاة العشاء تهيأ الساحة امام البيت لسمرهم وترش تلك الباحة التي كانت امام المنزل بالماء بالاتاريك العلاقي (مصابيح الغاز) وترص على جنباتها الكراسي ذات الشريط ويتوافد الحجاج من الحرم لقضاء السهرة وعادة يكون عددهم 30 او اكثر او اقل من الطبقة المثقفة حيث كان فيهم العالم والفقيه والمحدث والاديب والمثقف والداعية وكانت تدور في مجالسهم تلك مساجلات واحاديث جميلة وممتعة تجمع بين الدين والثقافة والاجتماع تتم في جو مليء بالروحانيات وكنت اتابع بعضها ويغلق على فهمي البعض الاخر ويمضي قائلا: "أسرتي من الأسر الحجازية التي هاجرت من الحجاز الى المغرب ثم عادت لتستقر في مكة المكرمة فالوالد يرحمه الله كان مطوفاً وآباؤه كانوا مطوفين كذلك فنشأنا منذ الصغر في بيت يمارس الطوافة واحدثك الآن عن "الطوافة" قبل حوالي (50) عاماً حيث كانت امتداداً لمهنة الطوافة التي تمت ممارستها عبر التاريخ حيث كانت وسيلتنا للاتصال والتواصل مع العالم الخارجي فقط هي المذياع وحينما كانت اعداد السيارات محدودة ووقتها بدأت الكهرباء (تتسلل) الى بعض بيوت مكة المكرمة التي كان سكانها - يعمرها الله - محدودي العدد كما كانت اعداد الحجاج في تلك الفترة محدودة ايضا فكما ذكرت لك كان والدي - رحمه الله - مطوفاً لا يتجاوز عدد حجاجه من المصريين والسودانيين في موسم الحج المائة الحاج في ذلك شأن اواسط المطوفين".
الحفاوة والتكريم
ويصمت المطوف الاستاذ الدكتور زهير السباعي لبرهة ثم يواصل حديثه "وحتى يستقطب الوالد - رحمه الله - حجاجه كان يسافر اليهم في صعيد مصر في كل عام شهراً او يزيد يجوب الارياف والقرى يدعو لنفسه ومما ذهبنا معه وهو مطوف الى مصر مرتين ونحن صغار السن فكنا نجد عناية ورعاية ومعاملة وحفاوة وتكريماً شديداً من اهل البلد وكأننا بين اهلنا ومع اسرتنا ومن ابرز مظاهر حميمية العلاقة التي نشأت بيننا وبينهم والتي لاتزال عالقة في الذاكرة انهم كانوا يودعوننا بعد انتهاء موسم الحج بالبكاء لاننا كنا كأسرة واحدة ستفقد عضواً من اعضائها" ويضيف في تلك الفترة كانت العلاقة حميمية جداً بين المطوف والحجاج حيث كنا نحتفي بهم ونرحب بهم في بيتنا ونعاملهم كأفراد من أسرتنا حيث كان اغلبيتهم من مصر والسودان كما ذكرت ويأتون عن طريق البحر وقلة منهم عن طريق الجو فنقوم باستقبالهم في الميناء او المطار وبضيافتهم في دارنا او في البيوت المستأجرة لعدة ايام واستطرد الدكتور زهير قائلا رعى الله تلك الايام ببساطتها وعفويتها وبالروابط الانسانية التي كانت تربط المطوف بحجاج بيت الله واذكر عندما هنأت الصديق الاستاذ اياد مدني بتعيينه وزيراً للحج رجوته ان يعيد لنا تلك الايام الخوالي يوم كنا وحجاجنا اسرة واحدة مترابطة فوعدوني خيراً شرط ان يعود المجتمع الى ما كان عليه.
الفضل لاهله
ويمضي المطوف الدكتور زهير في حديث الذكريات قائلا : "موسم الحج هو موسم خير وبركة بل هو موسم حياة لاهالي مكة المكرمة وبخاصة المطوفين والزمازمة وغيرهم ممن تتصل حياتهم واسباب رزقهم بموسم الحج وموسم مليء بالاثارة والمتعة الروحية يهل علينا الموسم في كل عام فتبدأ بشائره بالبرقيات تصل من وكيلنا في جدة وصلت الباخرة (تالودي) ولكم فيها عشرة حجاج من صعيد مصر وتبدأ استعداداتنا في البيت للحجاج القادمين نستقبلهم على مشارف مكة المكرمة ونستضيفهم على الغداء او العشاء ونرتب لهم مكان اقامتهم ثم نأخذهم الى طواف القدوم وسعيه وبمضي الايام يمتليء البيت بضيوف الرحمن ويتشكل برنامج يومي لهم في مقدمته اداء الصلوات الخمس في المسجد الحرام" ويمضي قائلا: "لقد كان الحج مثار متعة روحية وحياة اجتماعية حافلة بيد ان والدي - رحمه الله - كان يرهقه اضطراره الى ارضاء الحجاج على مختلف مشاربهم واهوائهم مما يتعارض مع ما فطر عليه من طبيعة قيادية" ويقول ايضا: "لا ينكر الفضل لاصحابه الا جاحد فالاخوة المصريون لهم فضل علينا بما آثرونا به من ثقافة وعلم وادب - سواء عن طريق الحجاج والمدرسين او من خلال الكتب والصحف والمجلات التي تتلمذنا وتتلمذ اباؤنا علهيا - فمن خلال الحجاج المصريين تعرفنا على الخضروات والفواكه المحفوظة ماركة (قها) كما تذوقنا اول مياه غازية وتناولنا اول قطع (شوكولاتة) فاخرة وفي احدى سفراته الموسمية الى مصر اشترك لنا والدي في مجلة (الكتكوت) فكانت اول مجلة للاطفال نقرؤها فتثير مخيلتنا بما فيها من قصص ورسوم وصور".
ترك الطوافة
ويواصل الدكتور زهير السباعي حديثه قائلا: "حدث موقف قرر فيه والدي انهاء علاقته بالطوافة، واذكر ان ذلك كان في بداية الخمسينيات الميلادية تقريبا وعمري وقتها كان لا يزيد عن (14) سنة ففي تلك السنة جاءت بعثة حج من احدى الدول العربية وكانت غالبية حجاجها من العلماء الذين كانوا ملتزمين برأي موحد واحد عن الحج وشعائره التي وضعوا في اذهانهم تطبيقها بالكامل وبحذافيرها - كما قرأوها في كتب الفقه - مما تعارض مع الوضع الفعلي لاداء مناسك الحج ولم يستوعبوا ان للضرورة احكامها لانه كما تعلم ان فريضة الحج فريضة جماعية تؤدي في اوقات محددة وفي مكان محدد وبصورة جماعية مثل عامل تحرك السيارات وعامل الازدحام فصعب تطبيق الحج حرفياً - وبالمسطرة والقلم - كما هو موجود في كتب الفقه فكان هؤلاء الحجاج يلحون على الوالد في طلباتهم بشكل غير واقعي وغير منطقي فتأثر الوالد.. وشعر انه تحت ضغط نفسي شديد امام اشتطات هؤلاء الحجاج في ارائهم وطلباتهم لانه يريد ان يقوم بخدمتهم وتنفيذ طلباتهم ولكن الظروف لم تكن مساعدة وعندما اشتد هذا الامر في مشعر (منى) وبلغ السيل الزبى بالوالد جاء لهؤلاء الحجاج وهم مجتمعون وقال لهم: (الحاضر يبلغ الغائب انني تركت مهنة الطوافة منذ هذه اللحظة) فكانت تلك اللحظة نهاية علاقة الوالد بالطوافة".
ملامح المجتمع
ويمضي قائلا: "فعندما بلغ السيل الزبى وطفح الكيل بالوالد - يرحمه الله - في تلك السنة التي كانت مع بداية الخمسينيات الميلادية، وبلغ الاختلاف في وجهات النظر حدا، ادى بالوالد الى ان يعلم حجاجه بأنه تارك للطوافة الى الابد، عندما جاءتنا في ذلك الموسم مجموعة من الحجاج، كان لبعض افرادها آراء محددة في شعائر الحج لا تقبل النقاش، واشتراطات لا يسهل تلبيتها، كانت سببا في هجر الوالد -طيب الله ثراه- لهذه المهنة الشريفة". ويواصل: "وحديث الذكريات هذا.. يجرني الى الحديث عن ملامح المجتمع المكي قبل نصف قرن، حيث كانت الحياة امتداداً طبيعياً لمئات خلت من السنين، البيت الكبير الذي يضم بين جنباته اكثر من جيل، والروابط الاسرية القوية، والحياة البسيطة التي لم تعرف بعد الكهرباء وروافدها، وفجأة تبدأ عجلة التغيير في الدوران، ببطء في البداية ثم يتسارع ايقاعها.. تدخل الكهرباء فتغير وجه الحياة، وتسهم وسائل النقل الحديثة في وصل مجتمع مكة المكرمة التقليدي بالمجتمعات الاخرى المحيطة به، ويتسع العمران في ارجاء المملكة، وتنزاح دائرته. وينزح ابناء مكة المكرمة الى حيث اسباب الرزق، ويختتم بقوله: "فقبل ان تتسارع عجلة التغيير، كنا نعيش كما عاش اجدادنا واباؤهم، تضئ امسياتنا الثريات، والفوانيس، والاتاريك، ونعد طعامنا على مواقد الفحم والغاز، ونجلب الماء الى بيوتنا في قرب السقائين وصفائحهم".
من الطوافة للكتابة
ويضيف الدكتور زهير قائلا: "الشيء الجميل الذي اذكره، أن الوالد كان رجلاً متقدماً عن عصره، فجمعنا، اسامة وأنا، لكي يأخذ رأينا في قراره - قبل ان يبلغ الحجاج بقراره هذا - وقال لنا: (انني لا استطيع ان اتحمل اكثر مما تحملت من مسؤوليات الطوافة واعبائها النفسية، ومطالب الحجاج التي لا تنتهي، واريد الآن ان اتخذ قرارا، ولكن بعد ان اشاوركما في الامر، وهو انني اريد ان اترك مهنة الطوافة، لكي لا تكبر سنكما، وتأتيا لتقولا في المستقبل ان والدنا حرمنا من الطوافة، وما تحمله من رزق)، ووقتها كان عمري حوالى (14) سنة كما ذكرت، واخي اسامة يكبرني بسنتين، فلم نكن نملك رأياً او فكراً لندلو بدولنا في الامر، فكان من البديهي ان وافقناه في قراره هذا، والشيء الجميل هو تصرف الوالد بالتشاور معنا في هذا الامر ونحن في تلك المرحلة العمرية". وواصل الدكتور السباعي السير في مشوار هذه الرحلة الطويلة والحافلة ليقول: "بعد مرور عدة سنوات، وعندما تقدمت بي السن، سألت والدي عن شعوره اثر اعتزاله الطوافة، وقلت له ان الطوافة لم تكن مهنة او حرفة للمطوف واسرته، انما كانت حياة لهم جميعا. فكيف استطعت في مواسم الحج - التي تلت اتخاذك لهذا القرار الصعب. التغلب على احساس بعدك عن هذا الامر الذي كنت تمارسه طوال عمرك؟ وانت ترى موسم الحج يموج بالحركة والنشاط؟ فاجابني - يرحمه الله- بانه كان تحت ضغط نفسي شديد، وكان متألماً ومحبطاً، وقدر الله له خيرا حينما قرر ان يشغل نفسه بامر آخر، يلهيه عن الاحساس بهذا الشعور، حينما قرر ان يبدأ في كتابة تاريخ مكة المكرمة، وفي عز موسم الحج، اتخذ له موقعاً في سطح المنزل، واحضر اوراقه وكتبه واقلامه، والناس في زحمة الحج، وشغل نفسه بكتابة كتاب: (تاريخ مكة المكرمة)، وانه كان شعوراً مؤلماً، تغلب عليه بالانكباب على تأليف هذا الكتاب، كما تغلب على احساسه بانه بعيد عن هذه المهنة، بهذه العملية، التي كان له فيها خيراكثيرا، حيث اقترن اسم احمد السباعي، بتاريخ مكة المكرمة.
وردا على سؤال حول الملمح الذي شكلته ممارسته لمهنة الطوافة في هذه الفترة القصيرة لملامح شخصيته المتعددة؟ رد المطوف الدكتور السباعي بقوله: "بطبيعة الحال لابد وان يحدث هذا الامر لشخص ارتبط بهذه المهنة الشريفة وعمره نحو الثلاث سنوات، حتى سن الاربع عشر سنة، ومن الاشياء التي تحضرني والتي لا انساها انه كان يأتينا مع الحجاج اصحاب بعض المهن، فأتى الينا مع بعض الحجاج حاج يمتهن مهنة الحلاقة، وهو في الوقت نفسه (راوية), وصاحب حكايات كثيرة جدا، فكان يقوم بحلاقة رؤوس الحجاج ويحكي لهم من حكاياته الطويلة والكثيرة جدا، فكنت احرص على ان اكون دائما ملازماً له وبرفقته وبالقرب منه، فكنت اقوم بمناولته ادوات الحلاقة من مقصات وغيرها له، وذلك لكي استمع الى حكاياته، فربطت بين (الرواية)، ومتعتها بالنسبة لي، وبين مهنة (الحلاقة)، فقررت ان اصبح حلاقا، ولعل هذه الرغبة المبكرة في ان اعمل (حلاقا)، كان مبعثها هذا الحاج الذي كان يحلق للحجاج رؤوسهم، والذي كانت جعبته مليئة بالحكايات والنوادر والروايات، وانا الازمه كظله، اتابع بشغف حكاياته تلك، التي لم تكن تنتهي، وبطبيعة الحال.. كل ميسر لما خلق له". واختتمنا حديث الذكريات مع المطوف زهير احمد السباعي، بسؤال حول رأيه في الكفاءات العلمية والخبرات الإدارية التي تقود العمل في مؤسسات ارباب الطوائف، من مهنيين واكاديميين واساتذة جامعات؟ فرد بقوله: "انا اعرف منهم الكثير كافراد واصدقاء واخوة تجمعني بهم كثير من المناسبات والمجالس، التي تدور فيها حوارات حول طبيعة العمل في هذه المؤسسات، وآمالهم وطموحاتهم، ولا يساورني ادنى شك في ان كثيرا منهم متميزون، كما اشيد بالجهود التي يبذلونها في العمل بهذه المؤسسات، ورغباتهم وسعيهم لتطوير العمل فيها والارتقاء بالاداء، كما ان هناك جهودا تبذل من قبل المشرفين على امر الطوافة، والعاملين فيها، والقائمين عليها، لتطوير هذه المهنة الشريفة، والطريق امامنا طويل، ويجب ان نتغلب على بعض الصعاب بالتفكير الاستراتيجي والتخطيط الجيد".
السيرة الذاتية
المعلومات الشخصية:
الاسم: زهير احمد محمد السباعي.
مكان الميلاد: مكة المكرمة
تاريخ الميلاد: 1939م
الحالة الاجتماعية: متزوج وله ثلاثة ابناء.
العنوان الدائم: ص.ب: 400224 الخبر 31952
المؤهلات العلمية
الدكتوراه في التخطيط الصحي 1969م جامعة "جونز هوبنكز" بالولايات المتحدة الامريكية.
الماجستير، في الصحة الدولية، الولايات المتحدة.
الجامعية، كلية الطب جامعة عين شمس، القاهرة، في الطب والجراحة 1962م.
الثانوية العامة: المدرسة العزيزية بمكة المكرمة عام 1955م.
الحياة العلمية والعملية
مدير ادارة التخطيط والبرامج والميزانية، بوزارة الصحة، الرياض 1389ه
عضو هيئة التدريس بكلية الطب، جامعة الملك سعود 1393ه
عميد كلية الطب بابها، عام 1400ه.
عميد الدراسات الطبية العليا بوزارة الدفاع والطيران 1403ه
استاذ طب الاسرة والمجتمع بجامعة الملك فيصل 1403ه.
عضو مجلس الشورى منذ عام 1414ه.
المؤتمرات والندوات
دراسة "البلهارسيا" بين اطفال المدارس في بلاد غامد وزهران.
دراسة "الملاريا" في المدينة المنورة.
دراسة "مرض الفيل" بمنطقة الجنوب.
دراسة مرض "اللشمانيا" في بيشة.
دراسة المشكلات الصحية في قرى: (تيماء وخليص وتنومة والقصيم وتربة وتهامة قحطان).


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.