دخلت العلاقات التركية الفرنسية مرحلة توتر جديدة، فقد تحدث الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي موجهاً الانتقادات والتهديدات لتركيا، وبالمقابل جاء الرد التركي ضمن تصريح أكثر سخونة ضد فرنسا: فما هي حقيقة التوترات الفرنسية التركية، وما مدى مصداقية تهديدات الرئيس الفرنسي نيكولاس ساركوزي ضد تركيا، وهل ستشهد الأيام القادمة صدام قاطرة الدبلوماسية الفرنسية التركية، وما تأثير ذلك على التوجهات التركية إزاء دول الاتحاد الأوروبي ودول الشرق الأوسط؟ * دبلوماسية التشهير الأوروبي الغربي بتركيا: ساركوزي يطلق الحملة تقول المعلومات والتقارير الجارية بأن الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي قد تحدث في العاصمة الأرمنية ييرفان، وفي حضور الرئيس الأرمني سيركيسيان، مطالباً أنقرا بالآتي: • إعلان الاعتراف التركي الرسمي بالمذبحة الأرمنية. • في حالة عدم قيام أنقرا بالاعتراف بالمذبحة الأرمنية فإن فرنسا سوف تسعى لاتخاذ الإجراءات القضائية اللازمة. • قيام القضاء الفرنسي بإدانة الموقف التركي الرافض سوف يترتب عليه وضع تركيا في موضع المنتهك للقانون الفرنسي والقوانين الأوروبية. هذا، وأضافت المعلومات وفقا للمركز العربي للدراسات المستقبلية بأن الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي قد تحدث في العاصمة الأرمنية بحدة بالغة، قائلاً بأن المزاعم التركية بأن ما حدث للأرمن خلال مطلع القرن الماضي لا يشكل مذبحة منظمة، إضافة إلى أن الذي قام بذلك هم العثمانيون، هو مجرد ذرائع فارغة لا معنى لها، وذلك لأن أنقرا الحالية مطالبة بضرورة احترام ماضيها العثماني وتحمل التزاماتها نحو هذا الماضي. جاء الرد التركي عاجلاً وغاضباً، فقد تحدث وزير الخارجية التركي أحمد داوود أوغلو في مؤتمر صحفي عقده مساء الأمس قائلاً بأنه يتوجب على فرنسا أن تنظر في ماضيها الاستعماري قبل أن تقوم بتقديم الدروس وتطالب الآخرين بأخذ العبر من تاريخهم. * الأبعاد غير المعلنة للتوترات الفرنسية التركية تقول المعلومات، بأن جولة الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي الأولى من نوعها في منطقة القوقاز الجنوبي أخذت طابع الحملة لجهة تنفيذ الأهداف الآتية: • السعي من أجل حرمان تركيا من التمتع بمزايا النفوذ على دول منطقة القوقاز الجنوبي. • تعزيز الروابط الفرنسية مع دول القوقاز الجنوبي بما يتيح لفرنسا فرض نفوذها على المنطقة. • إقصاء تركيا من مزايا القيام بدور القوة الإقليمية الصاعدة في منطقة شرق المتوسط. هذا، وأضافت المعلومات والتسريبات النقاط الآتية: • سوف تسعى فرنسا لجهة القيام بدور الوسيط في حل النزاع الأرمني الأذربيجاني حول إقليم ناغورنو كرباخ، بما يؤدي بالضرورة إلى تقويض جهود الوساطة التركية، وإقصاء أنقرا عن ملف أزمة ناغورنو كرباخ. • دعم الجهود الرامية إلى حث أذربيجان من أجل تحويل صادراتها النفطية عبر خط الأنابيب الذي يمر عبر الأراضي الجورجية، ثم عبر مياه البحر الأسود باتجاه بلغاريا، ثم إلى داخل القارة الأوروبية، وذلك بدلاً عن تركيا. • بناء التفاهمات مع أذربيجان من أجل الانخراط في مشروع أكبر لنقل نفط وغاز بلدان آسيا الوسطى بحيث يمر عبر الأراضي الجورجية وعبر البحر الأسود باتجاه أوروبا، بدلاً عن تركيا. • التفاهم مع القيادات الأرمنية والجورجية والأذربيجانية، من أجل عقد اتفاقيات الشراكة التجارية والاقتصادية مع فرنسا، الأمر الذي سوف يؤدي إلى إضعاف النفوذ الاقتصادي والتجاري التركي في هذه البلدان. هذا، وأضافت التحليلات بأن ساركوزي سوف يكثف جهوده من أجل استقطاب مثلث أرمينيا أذربيجان جورجيا لصالح النفوذ الفرنسي، بما يتيح لفرنسا لاحقاً النفاذ إلى بلدان آسيا الوسطى، عبر بحر قزوين وصولاً إلى تركمانستان وكازاخستان وأوزبكستان وطاجيكستان، إضافة إلى قرغيزستان. يقول المراقبون والمحللون أن نجاح حملة ساركوزي القوقازية الجنوبية سوف يكون أشبه بحملات الحرب العالمية الأولى التي أقصت الإمبراطورية العثمانية عن مسرح النفوذ الدولي، والآن لما كانت أنقرا قد ظلت تتمتع بالروابط التجارية والاقتصادية الوثيقة مع بلدان القوقاز الجنوبي وآسيا الوسطى على النحو الذي انعكس إيجاباً على صعود قوة الاقتصاد التركي خلال الأعوام الماضية، فإن دخول فرنسا على خط المنافسة في بلدان هذه المناطق سوف يلحق ضرراً بالغاً بنمو وازدهار الاقتصاد التركي. تداعيات الحملة الفرنسية الجديدة ضد تركيا: إلى أين؟ أكدت التحليلات السياسية والدبلوماسية، بأن الحملة التي أطلقتها باريس عبر جولة الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي القوقازية الجنوبية قد هدفت إلى تحقيق جملة من الاعتبارات، والتي من أبرزها: • إطلاق رسالة قوية لتركيا، مفادها أن تعاونها مع أمريكا وبلدان الناتو في ملف نشر الدرع الصاروخي وفي الملف الليبي والملف السوري ليس معناه أن الطريق أمام أنقرا قد أصبح مفتوحاً لجهة القيام بدور القائد الإقليمي، وإنما سوف يكون متاحاً لها التعاون مع بلدان الناتو وأمريكا في منطقة شرق المتوسط، أما مناطق القوقاز وآسيا الوسطى والبحر الأسود وبحر قزوين والبلقان فسوف تكون حصراً تحت مظلة النفوذ الأوروبي الغربي وبدرجة أكبر الفرنسي. • إن على أنقرا أن تدرك أن نيل عضوية الاتحاد الأوروبي لن تكون ممكنة، وذلك لأن موقع تركيا الجيوسياسي كجسر ارتباط بين الغرب والشرق، هو أمر لا يتناسب ولا ينسجم مع الإدراك الأوروبي المتعلق بمواصفات الاتحاد الأوروبي ومشروع الوحدة الأوروبية. هذا، وأشارت التقارير إلى أن ساركوزي عندما تحدث رافضاً عضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي، أورد تعليقاً أثار حفيظة الأتراك، وذلك عندما علق قائلاً للأرمن بأنه عندما يكون في أرمينيا فإنه يتملكه شعور كامل بأنه في أوروبا وليس في القوقاز. وهو حديث نظر إليه الخبراء بأنه ينطوي على قدر كبير من التمييز، وذلك لأنه ينطوي على تلميح صريح بأن الشعب الأرمني هو امتداد للشعوب الأوروبية أما الأتراك فلا.