لا يبدو المشهد السوري مماثلا لما كان عليه الحال في مصر أو في تونس ، ويرى البعض أن تصاعد حالة الاحتقان والنشاطات التظاهرية في الشارع لن يكون عاملا حاسما برغم زيادة حدتها واتساع نطاقها.ومع ذلك تبقى كل الاحتمالات مفتوحة. فقد نقلت مصادر مطلعة على الأوضاع في سورية شهادات تعكس جوانب قلما التفت إليها وسائل الإعلام التي تركز منذ شهور على تحركات الشارع في عدد من المدن السورية، وفيها تفاصيل كثيرة تؤكد كما تقول المصادر على استبعاد وقوع تطورات دراماتيكية في البلاد على غرار نهايات ثورتي مصر وتونس. وعلى الرغم من أن المقولة التي باتت أكثر ترددا تشير إلى أن «سورية ما بعد 15 آذار (مارس) ليست سورية قبل هذا التاريخ» في إشارة إلى تغييرات عميقة شهدتها البلاد بفعل الحراك الجاري، لكن اتساع الحراك الشعبي ووصوله إلى مناطق ومدن كثيرة لا يبدو كما تؤكد المصادر عاملا حاسما، يمهد لمشهد جديد في المستوى السياسي الداخلي. كلمة العاصمة لم تخرج بعد وتعزو المصادر ذلك لعدد من العوامل أبرزها عدم تمكن الحراك الشعبي في الانتشار في العاصمتين السياسية دمشق والاقتصادية حلب، ففي الأولى يبدو المشهد في الشارع هادئا برغم ملاحظة الانتشار الأمني المكثف في بعض المناطق، واللافت أن إقبال الدمشقيين على أماكن الترفيه والمطاعم كثيف جدا بحسب شهادة المصادر، ما يعكس حالا من الثقة بسيطرة الدولة على الموقف بشكل كامل. ويعد إقبال الموظفين على أعمالهم وعدم تعرض مؤسسات الدولة والمؤسسات الخدمية لحال من الشلل عنصرا أساسيا لزيادة هذه الثقة. ودلل المصدر على شهادته بتواصل توجه الدمشقيين لقضاء رحلاتهم في الطبيعة التي يطلقون عليها تسمية «سيران» عصر كل يوم تقريبا. وطبقا ل « أنباء موسكو « تضيف المصادر عنصرا آخرا لتأكيد استقرار الموقف في البلاد، عندما أشارت إلى أن أركان الحكم الأساسية وبينها الجيش والمؤسسة الأمنية لم تتعرض في الواقع لهزات تذكر في إشارة إلى أن بعض الانشقاقات التي حدثت في المدن والأطراف كانت محدودة جدا ولم تصل إلى المستويات الرفيعة من الرتب العسكرية والأمنية. لكن الملاحظ، كما تقول المصادر، هو الوجود الكثيف لحركة السياحة من إيران في مشهد يبدو أنه مخطط لتعويض الخسائر الكبرى التي مني بها قطاع السياحة بعد امتناع كثيرين عن قضاء العطلة الصيفية في سورية، وثمة مؤشرات إلى أن إيران التي «دخلت بثقل زائد لدعم النظام» استندت إلى عدة محاور أساسية لتوسيع نطاق هذا الدعم وعدم الاكتفاء بالمساندة الإعلامية الواسعة النطاق، فإلى جانب دعم قطاع السياحة الذي يعد عنصرا أساسيا ومصدرا لدخل مئات الألوف من السوريين، تشير معطيات إلى قيام تجار إيرانيين بضخ أموال بكميات كبيرة لشراء منتجات مصانع ومعامل في المدن السورية الكبرى بالليرة السورية، وهذا إلى جانب أنه ساهم في المحافظة على الليرة التي لم تشهد تراجعا برغم الظروف السياسية، فإنه ساعد أيضا على دفع عجلة الدورة الإنتاجية وأمن مصادر دخل مهمة لقطاعات واسعة من التجار والصناعيين ما قلص من احتمالات تصاعد حال الاحتقان عند المتضررين بسبب الأعمال الاحتجاجية ومكنهم من مواصلة حياتهم اليومية في شكل يبدو أقرب إلى أن يكون طبيعيا. وفي رأي المصدر أن « الثورة الحالي عندما لا تنجح في إيقاع حال الشلل الاقتصادي والسياسي في المراكز الأساسية لن تكون قادرة على إحداث تغيير شامل» معتبرا أن حقيقة ما يجري على الأرض في المدن السورية «يبدو أقرب إلى هبة شعبية وليس ثورة مكتملة العناصر». وعودة إلى الدور الإيراني الملحوظ فقد اعتبرت المصادر أن طهران تعلم جيدا أن «ضرب سورية يعني عزل إيران وربما وصول موالين للخط الأميركي إلى السلطة في لبنان وسورية» وأشارت إلى أن «هذه المعركة (الوضع في سورية) حاسمة ولن ينتظر الإيرانيون حتى تظهر تداعيات إقليمية لما يجري في سورية لذلك فإن الجهود لمواجهة الموقف في المربع الأول كثيفة وقوية وتعد مصيرية بالنسبة لها». الغرب يستبعد السقوط وإلى جانب المشهدين السياسي والميداني أشارت المصادر إلى تقرير استخباراتي غربي تم تسريبه أخيرا وتضمن عدة سيناريوات محتملة لتطور الموقف في سورية، واللافت أن السيناريوات المطروحة تستبعد كلها فرضية سقوط النظام ما يعكس قناعة استخباراتية غربية بأن الظروف لم تنضج لذلك وبأن الوضع في سورية أقرب إلى الاستقرار. ومن بين السيناريوات المطروحة أن ينجح النظام في قمع الحراك الاحتجاجي مع المحافظة على أركانه الأساسية والقيام بعمليات إصلاحية معينة وتهدئة الموقف الدولي، أي بعبارة أخرى «الخروج بأقل الخسائر» من الوضع الراهن، معتمدا في ذلك على ولاء كبير في الجيش والمؤسسة الأمنية وتماسك حول الدائرة المحيطة بالنظام والتيارات الشعبية الموالية له. أما السيناريو الثاني فهو ما وصف بأنه «التغيير من داخل النظام» ويفترض اضطرار الرئيس بشار الأسد إلى تقديم «كبش فداء» عبر التخلي عن عدد من الرموز المتهمة بالفساد وإراقة الدماء والقيام بعمليات إصلاحية سريعة مستفيدا من ميل أوساط شعبية واسعة لعدم جر البلاد لتدخل خارجي، والمحافظة على أركان النظام مع مواصلة التأكيد على مطلب الإصلاح الذي بات حيويا. ويبدو هذا السيناريو هو المحبب لكثيرين يتمنون كما تشير المصادر أن يتجاوز الأسد الأزمة الراهنة وأن يبدأ بخطوات إصلاحية حقيقية وسريعة تلبي تطلعات الشارع. ويبدو السيناريو الثالث المطروح هو الأكثر تشاؤما فهو يفترض اضطرار المؤسسة العسكرية إلى السيطرة على الموقف عبر انقلاب عسكري يزيح النظام بأكمله لكنه يسلم البلاد إلى قبضة ديكتاتورية عسكرية، ويفترض واضعو السيناريوات أن هذا التطور سوف يعرقل مسيرة الإصلاح في البلاد ويعيدها إلى عهد القبضة الحديد. وعلى الرغم من وجود عدد من السيناريوات البديلة الأخرى لكن ما ذكر يعد الأبرز بينها. ومع تصاعد حال الاحتجاجات واتساع نطاقها وزيادة التكهنات حول مآل التطورات الجارية على الأرض تزداد القناعة بأن الوضع في سورية مازال مفتوحا على كل الاحتمالات، وإن كانت فرضية انهيار النظام باتت غير مرجحة كما تؤكد الشهادات.