كشفت الأمسية القصصية التي نظمها نادي الشرقية الأدبي للقاص ناصر بن سالم الجاسم عن جرأة فنية ليست معهودة تخطت واعتلت حدود المنبر الأدبي الذي اعتاد عبره المتلقون والمشاركون بعدم القفز على خطه الأحمر والالتزام بالحدود المتاحة والمسموحة لهم بالتعبير عن لغتهم أيا كانت مراجعها ومدارسها . ((حليب الجن- عرس الخمر- شاب القمر- الدمدام – أنثى الكاكاو – طعام الشياطين )) هي عناوين قصصية يعتبرها القاص الجاسم أن معيار الجمال فيها هو جمال اللفظ وحسن التعبير عن الواقع وهي القيمة الحقيقية للنص التي يعتمد عليها النقاد في نقدهم لا معيار المحافظة والجرأة فيهما . إلقاء الجاسم لهذه النصوص على هذا المنبر تعددت فيه الاراء كون لغتها غارقة في رمزية واضحة وجرأة فنية كبيرة مكنته من حشد ألفاظ ومفردات بعضها غرائبي وآخر كثيف في معانيها الأسطورية مزواجا بها بين حالات فكرية متنوعة فتارة تكشف عن فحوى أدلجة دينية وظفها في سياقات لغوية جلب لها شخوصا وأمكنة كشف عن هويتها عبر حوارات داخلية تحدثت عن وقائع سلوكية وسلبية وتارة أخرى متخيلة لكنها عميقة في طقوسها وموروثها المحلي نزعتها انبأت عن حب للإنسان والمكان . فالبرغم من أن المداخلات التي نظم إيقاعها مدير الأمسية عبدالله الملحم كانت متفاوته في طرحها ورأيها إلا أن الجاسم استطاع أن ينفذ من شدة وقعها من البعض بالحديث عن جماليات اللغة والترميز الذي يجعل النص يدوم في عمره ويجبره على الانتشار رغم الحواجز التقليدية والأعراف البالية ومن هذه المداخلات ما أورده الشاعر يوسف شغري الذي هاجم سلامة لغته الإلقائية قائلا بأن الأذن لم تعد تحتمل الأخطاء الفادحة في اللغة وحري به أن يحضّر قبل أن يلقي هذه النصوص وتضبط لغتها حيث إن اللغة كالحجارة التي نبني بها ، حيث اعتبر الجاسم هذا الرأي اصطياد ورصد واضح لكل الأخطاء التي برر عنها بقوله رهبة المنبر قد تجعلني أتعثر أحياناً في الحديث لكني مع هذا لست مستاء من هذا النقد . وفي مداخلة أخرى للقاص طاهر الزارعي ألمح فيها أن تجربة الجاسم السردية تحتاج وتتطلب ثقافة عالية وكبيرة بل وخبرة طويلة للتعامل مع شخوصها ولغة الجسد الواضحة في نصوصه التي تعتمد الترميز للعبور من أمكنة فكرية تقليدية وأعراف اجتماعية جعلت الأجساد محرمة ومخيفة . وفي المقابل تساءلت مريم آل إبراهيم من القاعة النسائية عن مراد الفكرة التي مكنتّه من الجمع بين ثقافة المشرق والمغرب والأسماء والشخوص في قارب واحد ليجيب عن هذا السؤال بقوله (( أن نجاحي في هذه التوليفة ناتج عن ثقافة واسعة اطلعت عليها قبل النص فخلقت الجميع على قارب واحد وسميت الأشخاص لدلالة معينة بذات الصبغة القصصية التي تتعاضد مع فكرة وسلوك السرد . بينما المنطق القانوني الذي تعامل به مدير الأمسية عبدالله الملحم عندما استنكر وتحفّظ على إسقاطات الضيف على الواقع بإيراده أشخاص وأسماء معينين جعل الجاسم يحكم على هذا المنطق بالفكر المرضي الذي يعيدنا للوراء قائلا أن القراءة الظنونية والتأويلية للنصوص يفترض أن نتجاوزها فهي عقيمة لا فائدة منها . وفي مداخلات أخرى أكد فيها عبدالله الشايب وحسن السبع على خصائص فنية تمتلكها نصوص الجاسم منها الطرح العفوي المستساغ رغم الجرأة الكبيرة والطافحة وملكة المزاوجة بين مختلف التيارات والتوجهات . وفي نهاية الأمسية بشّر رئيس النادي محمد بودي محبي القاص ناصر الجاسم بموافقة مجلس الإدارة على طباعة النادي لمجموعته القصصية العاصفة الثانية .