في الوحل كانت أقدامها منغمسة تماماً، لا شيء من حولها غير عتمة غرفتها وتصاميم وزخارف لهوايتها ، وقطتها"روز " الرمادية اللون تمر بين الحين والآخر ولا تتوقف عن الحركة الملتوية ..مما تسببت في كسر علبة الماكياج الذي جعل ألوان احمر الشفا والظل الوردي والكحل السائل لا ينفصلان عن اللون الأساسي، فاستلقت على سريرها ،بينما البرد يتجول فوق ظهرها ، حيث باغتتها قطتها " روز " بخربشات من مخالبها ..كي تجدد الحزن لحياتيها الفاشلتين . كانت للتو تراهن فكرة حصولها على ساعة رملية ترتب حياتها من خلالها سقوط حبات الرمل من خلف الزجاج، فهي لم تدفع ثمن ثرثرتها بعد، يجوز ما تفعله بنفسها حين تصاب بالولهان والشوق ..ان تغذي جوارحها وعواطفها .. لكي تخبئ نصفها الآخر في صناديق آمنة . كل شيء ثابت حتى الجغرافيا التي تحيط بها، أيا كان من ضبطته تأويل للتسكع في ليال طويلة. تخدعها تلك الليالي حين تجد نفسها تحمل على عاتقها هزائم أكثر من الاعتناء والحب والقبر. فكلمة أحب صراحتي .. كشفت لوجهين معتوهين عن نفسها، بأنها لا تتقن خداع المجاملة..ولا تصطنع قليلاً من كلام الحب .. لها هنا برهة .. ونزوة عابرة .. لا تتسكع كالنسوة الفارات من الجدران الأربعة، لا تخالط الغرباء .. بشرتها وشعرها وبعض من كرز مشتعلٍ في حقل من الحنطة .. ولها هنا لحظة من التصميم المبتكر وزينة تزورها كلما أذن الإيقاع للجمال الأنثوي وسنحت فرصة النرجسية تطل عليه في المرآة .. وتحب ما تراه في عينيها من كحل مبعثر داكن السواد بأن هو ذلك العناء المفاجئ..أما ما يلتهب في أحشائها الآن تغض الطرف عنه. نعم استطاعت ودون عناء، أن تتفهم كل ما سيحدث لها دفعة واحدة، استطاعت الاعتراف أن قلبها ليس أكثر من حجر يرفض التغيير المناخي، وأمعاءها مجرى مياه راكدة، وأعصابها مشدودة كأوتار وهمية على بزق غجري قديم، وجسدها حقل تجارب لعرس فاشل، فهي مساحة متاحة للجميع، بمداخل مزخرفة، ومخارج للطوارئ من رجل يكره صراحتها،وسلالم نجاة للانطلاق في حياة جديدة بفستان جديدة ، وأنفاس مغايرة عما سبق . استطاعت الآن ودون عناء يُذكر أن تتخيل تجاربها التي ماتت ورحلت، وجنازتها التي خرجت مرتين، من ممرات رجلين، وفرح أقرباء، وصديقات، وسيدات مجتمع، وساقطات بكدمات تملأ أجسادهن، ووجوه لا تتجاوز أصابع الكف الواحدة، إن استثنيتها التي ستبقى منتصبة في وجه الحياة، ومؤخرة الموت ، تراهن بأن مستقبلها في بداية المشوار ،وان أولها ليس كآخرها.