في وسط صنعاء القديمة يقف قصر تراثي شاهق يصل عمره إلى 700 سنة يحكي لزوار اليمن تاريخ المدينة القديمة ما بقي من تراث لما يسمى بالحياة الصنعانية. وكالة الأنباء السعودية (واس) زارت بيت التراث الصنعاني الذي تديره السيدة / أمة الرزاق جحاف / التي أطلعت محرر (واس) على تاريخ إنشاء البيت ومكوناته والتراث الذي يحتويه. وفي البداية, أوضحت السيدة / جحاف / في حديثها حول الأسباب الأساسية لإنشاء البيت والفكرة المحورية لمشروع بيت الثقافة الصنعانية, أن التغيرات السريعة التي يشهدها المجتمع اليمني جعلت من الضرورة الإسراع بتوثيق ما تبقى محفوظا في الذاكرة من الماضي والمحافظة على الذاكرة التاريخية لمدينة صنعاء علاوة على ضرورة المحافظة على هوية الإنتماء للتراث الإنساني بشكل عام والعربي والإسلامي بشكل خاص. وأشارت إلى اختيار قصر يتوسط العاصمة صنعاء القديمة يعد من أهم بيوتها إذ يعود تاريخ إنشائه إلى 700 سنة، أي ما بين القرنين العاشر والحادي عشر، وتم بنائه في حي يسكنه كبار القوم ممن كانوا يحتلون مناصب سلطوية وتجارية باليمن في ذلك التاريخ .. لافتة إلى أنه ولأجل الحفاظ على تراث صنعاء القديمة وإبرازه للأجيال القادمة وزائري صنعاء واليمن اليوم عملت الجهات المختصة في الحكومة على تخصيص أحد قصور صنعاء القديمة وتضمينه مختلف مظاهر التراث التي يمتاز بها البيت الصنعاني. وأوضحت مديرة بيت التراث الصنعاني إن بداية افتتاح البيت رسميا تم في نهاية 2003م، وأهمية وجوده كضرورة ملحة تحتاج إليها مدينة صنعاء القديمة ليعكس مميزات البيوت الصنعانية .. كما كان البيت في فترات سابقة منزلا لإحدى بنات حاكم اليمن في بداية القرن الماضي وهو الإمام يحيى حميد الدين مع والدتها لمدة سنة، ثم تحول إلى مخزنا للزبيب في عهد نجله الإمام أحمد، لينتهي به المطاف ليكون أحد أملاك الدولة في الوقت الحالي ليتحول إلى سفير لصنعاء القديمة يحكي تراثها ومظاهرها الحضارية والتراثية. أما عن مكونات البيت فأوضحت السيدة " جحاف" أن البيت يتكون من ستة طوابق، يسمى الطابق باللهجة الشعبية لسكان مدينة صنعاء بالطرحة، التي تتكون هي أيضا من الدهليز ويتضمن المطحن " الرحى" الذي يستخدم لطحن الحبوب الجافة و" الرهى" لطحن الحبوب المبلولة و"الموحز" ويتم فيه طحن الحبوب وتهشيمها و"الكرس" ويستخدم لتربية كبش العيد و" الحر" المستخدم كحظيرة للبقر و " المنور" ويوجد فيه بئر المنزع التابعة للبيت. أما الطرحة الثانية أو الطابق الثاني فتضم "الديمة" المطبخ ومكان "البزاء" وهو محل مخصص للعناية بالرضيع ومكان الغداء وامتداد البئر إلى المطبخ و"المستراح" الذي يعني الحمام و أخيرا الحجرة والتي تعرف بالصالة. وفي الطابق الثالث يوجد حجرة خاصة بالنساء تضم مكان يطلق عليه " العجمي" أو "المخلصة" وهي عبارة عن غرفة صغيرة تخلو من النوافذ أو فتحات التهوية وتستخدم للمرأة النفساء، ويواجه ذلك المكان محل أو مكان لمعيشة المرأة الوالدة، أي المكان المخصص لتناولها الطعام، ويقابله المكان المخصص لاستقبال ضيوف ربة البيت أو ما يسمى بلهجة سكان صنعاء القديمة بالديوان الأسفل وقد يستخدم ذات المكان للولادة واستقبال المهنئات. ويعلوا مكان "العجمي" موضع آخر يطلق عليه مكان " الدويدار" وهي عبارة عن غرفة صغيرة تستخدم لنوم الصبي الذي يقوم بخدمة النساء ويتم الصعود إليها عبر درج مخفي. أما الدور الرابع أو "الطرحة الرابعة" فهي بحسب ما تشير إليه مديرة بيت التراث الصنعاني - خاصة بالرجال وتضم الديوان الكبير، ويستخدم عادة للمقيل وحل المشاكل لمن يكون صاحبه ذو جاه ونفوذ، كما تضم الصالة "الحجرة" أي مكان "المعيشة" وهو المكان المخصص لتناول الطعام للرجال. وما بين الطرحة الثالثة والطرحة الرابعة توجد غرفة تسمى "كُمه" وهو مكان خصص للهجر الزوجي. وفي الطابق الخامس الذي يسمى بالطابق المسروق، نظرا لأنه مسروق من طابق آخر وهو طابق (المفرج) وتحتوي حجرته على مكان "سيدي" ( أي جد الأسرة ) ، ويقابله مخزن للطحين والبهارات، ومنه يتم النفاذ إلى مكان يطلق عليه " الجبى" أو المستور أو الشمسي وفيه تزاول النساء أعمالهن اليومية دون أن يتعرضن للكشف. وفي الطابق الأخير وهو الطابق السادس توجد حجرة " المفرج" وتقع عادة في الجهة الغربية وتستخدم عادة لمقيل ذوي الخصوصية، إذ يجلس فيه رب وربة البيت مع مجموعة مختارة من الأصدقاء .. ولغرفة المفرج نافذة كبيرة تمسى "جرف المفرج" على جانبيها "طاقتان" أو نافذتان وتسميان المشهود وتطلان على الجهة الجنوبية للبيت ومن خلالهما يستطيع المشاهد أن يطل ببصره على معظم الأجزاء البعيدة من المدينة. أما الجهة الشرقية من المفرج فتحتوي على نافذة كبيرة تسمى "الجرف الشرقي" .. وقريبا من المفرج يوجد " المستراح"، وأعلى منه "الجبى" سطح البيت ويوجد بهِ "بيت الشربة" وهو مكان مخصص لتبريد الماء وتجهيزه للشرب ثم " الجبى" الأعلى وهو سطح البيت ويطل عادة على كامل مدينة صنعاء. ورغم التطور الذي شهدته وتشهده مدن اليمن في عمرانها، إلا أن مدينة صنعاء القديمة والبيت الصنعاني لا زال محافظا على بعض خصائص البيت التقليدي كما تؤكد ذلك مديرة البيت الصنعاني .. ممثلة على ذلك بالمحافظة على القمريات القديمة المصنوعة من المرمر القمري والأكشاك الخشبية والياجورة وكذا الأكشاك الموجودة في الجهة الشمالية للبيت حيث يوضع بها ما يسمى ب" المدلات" التي تجعل ماء الشرب البارد والمبخر في متناول اليد .. كما يستخدم كبرج مراقبة "ساتر للمرأة" يكشف عن هوية طارق الباب و"المجر" وهو الوسيلة أو الآلة التي يتم بواسطتها فتح باب البيت من الطوابق العليا في البيت. وعن أعمال البيت الصنعاني تتحدث السيدة جحاف قائلة : إن البيت يقوم بتوثيق عدد كبير من التجهيزات والأثاث داخل المنزل التقليدي وبعض مفردات الحياة العامة. كما يقوم بتوثيق التراث المادي لمدينة صنعاء القديمة .. مشيرة إلى أن البيت الصنعاني يسعى إلى إنشاء قاعدة بيانات للتراث الثقافي لمدينة صنعاء. ويمنح بيت التراث الصنعاني فرصة لمن يرغب في العيش به مدة يوم كامل للوقوف على الكيفية التي كان يعيش بها سكان مدينة صنعاء القديمة حياتهم حيث تقدم خلال هذا اليوم وجبات صنعانية، إلى جانب تعريف الساكن بثقافة المدينة الغذائية وأكلاتها الشعبية المقدمة ومدى التغيير الذي طرأ عليها ومصدر ذلك التغيير. وفي الختام أوضحت السيدة / أمة الرزاق جحاف / أن إدارة البيت وحرصا على الحفاظ على التراث الصنعاني تمنع على مرتاديه تناول المشروبات والمأكولات العصرية وتحظر دخولها للبيت .. لافتة إلى أن البيت يقدم رسالة ثقافية للتراث الصنعاني يوضح من خلالها ما تمتلكه اليمن من مخزن إرث ثقافي وحضاري.